«تنافس صامت» أميركي ـ فرنسي بين الدعوة إلى مؤتمر دولي وقيام تحالف دولي بشأن العراق

دبلوماسيون غربيون يتحدثون عن «فتور» من جانب واشنطن حيال مبادرة باريس

«تنافس صامت» أميركي ـ فرنسي بين الدعوة إلى مؤتمر دولي وقيام تحالف دولي بشأن العراق
TT

«تنافس صامت» أميركي ـ فرنسي بين الدعوة إلى مؤتمر دولي وقيام تحالف دولي بشأن العراق

«تنافس صامت» أميركي ـ فرنسي بين الدعوة إلى مؤتمر دولي وقيام تحالف دولي بشأن العراق

يقوم بين واشنطن وباريس «تنافس صامت» بشأن الملف العراقي ومواجهة «داعش»، رغم أن الوسائل المادية المتوافرة للبلدين ليست متكافئة، ولا انخراطهما العسكري بالدرجة نفسها؛ إن لجهة العمل الميداني أو المساعدات المقدمة للدولة العراقية والقوات الكردية.
بالطبع، باريس تنفي هذا التنافس. وقد سألت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس عن هذا الأمر، عقب لقائه في باريس الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، وكان رده أنه «لا تنافس بين المبادرتين الفرنسية والأميركية، بل تكامل» في إشارة من جهة إلى مسعى باريس لعقد مؤتمر دولي حول أمن العراق ومحاربة «داعش»، وإلى جهود واشنطن لإقامة تحالف دولي يصب في الغرض نفسه.
وتريد باريس، وفق عدة مصادر رفيعة المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط» في الأيام القليلة الماضية، التمكن من الدعوة إلى المؤتمر قبل بدء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ في 21 سبتمبر (أيلول) الحالي. وبما أنها وضعت «شرطا» لإطلاق الدعوات يتمثل في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فإنه يتعين عليها الانتظار.
وتربط مصادر دبلوماسية غربية في العاصمة الفرنسية رغبة باريس بأن يسبق المؤتمر بدء أعمال الجمعية العامة بخطة الرئيس الأميركي باراك أوباما لأن يترأس شخصيا اجتماعا لمجلس الأمن الدولي الذي ترأسه بلاده هذا الشهر على أعلى مستوى يُخصص تحديدا للوضع العراقي ومحاربة الإرهاب.
وبحسب هذه المصادر، فإن باريس تسعى من خلال مؤتمرها إلى «عدم حرق» مبادرتها، بل إلى «سرقة الأضواء» من مسعى أوباما. ونقلت هذه المصادر معلومات تفيد بأن رد واشنطن كان «فاترا»، وأنها ليست «متحمسة» للمشروع الفرنسي الداعي إلى جمع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والأطراف الإقليمية المعنية بالوضع.
وقال الرئيس فرنسوا هولاند في خطابه أمام السفراء الفرنسيين عبر العالم، الأسبوع الماضي، إن المؤتمر الذي يريده في باريس يهدف إلى «تنسيق الجهود الدولية ضد الدولة الإسلامية على الصعد الإنسانية والأمنية والعسكرية».
وتبدو هذه الأهداف متشابهة إلى حد بعيد مع الأهداف التي حددها وزير الخارجية الأميركي جون كيري للتحالف الدولي الذي يسعى لبنائه، والذي خرجت إلى العلن نواته الصلبة على هامش قمة الحلف الأطلسي في مدينة نيوبورت بمقاطعة ويلز البريطانية (10 بلدان؛ بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، كندا، أستراليا، الدنمارك، بولندا، تركيا والولايات المتحدة). وقال كيري المنتظر أن يحضر إلى باريس هذا الأسبوع: «نجاعة التحالف تفترض أن يشمل (عمله) عدة محاور؛ دعم شركائنا العراقيين، إعاقة وصول المقاتلين الأجانب (إلى صفوف داعش)، تجفيف مصادره التمويلية، معالجة الأزمة الإنسانية وفضح آيديولوجيته»، إلى جانب العمل العسكري، بالطبع، الذي باشرت به واشنطن منذ أسابيع عبر إرسال ما يزيد على 1200 جندي وخبير، وتقديم السلاح والمشورة، والقيام بعمليات قصف جوي لمواقع الدولة. ويأمل كيري أن يرى التحالف الموعود النور «مع بدء أعمال الجمعية العامة».
خلال مؤتمره الصحافي (الختامي) في نيوبورت، أكد الرئيس هولاند أن بلاده «مستعدة لتحمل مسؤولياتها» في الملف العراقي، من غير أن يقول علنا ما إذا كان ما يقصده يشمل العمل العسكري المباشر. لكن المصادر الفرنسية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن باريس لا تستبعد المشاركة»، وهي «ترجحها». بيد أن هولاند التزم، مرة أخرى، الغموض، حينما ربط المشاركة بـ«احترام القانون الدولي»، من غير أن يفسر المقصود، مستخدما بذلك العبارة نفسها التي جاءت في بيان الإليزيه عقب اجتماع مجلس الدفاع المصغر في الثالث من الشهر الحالي.
ثمة «مدرستان» في باريس، تقول الأولى إن المطلوب هو أن تتقدم بغداد من فرنسا بطلب رسمي للمساعدة العسكرية، وأن يصدر قرار عن مجلس الأمن يجيز التدخل العسكري. أما «المدرسة» الثانية، فترى أن قرار مجلس الأمن رقم 2170 الصادر بالإجماع تحت البند السابع بتاريخ 14 أغسطس (آب) كافٍ بنفسه ولا حاجة لقرار جديد يصدر عن الهيئة الدولية.
بيد أن تصريحات الرئيس الأميركي ووزير خارجيته لا تدل على رغبة واشنطن في العودة إلى مجلس الأمن، إلا إذا وجدت أن المجلس «جاهز» لتمرير قرار جديد «يؤطر» عمل التحالف العسكري الذي يسعى الجاني الأميركي إلى بنائه. لكن البحث بقرار جديد سيفضي بالضرورة إلى البحث في تحدي الإطار الجغرافي الذي يفترض أن يطبق فيه، مما يعني طرح مسألة العمليات العسكرية ضد «داعش» في سوريا.
وعندها، سيدور التساؤل عما إذا كانت روسيا ستقبل السير بقرار كهذا، علما بأنها انتقدت بقوة التحالف الغربي الذي أطاح بالعقيد معمر القذافي في ليبيا، إذ اتهمته باستغلال القرار لدولي الذي دعا إلى حماية المدنيين، وتوسعت بتفسيره، واستخدمته لتغيير النظام الليبي. ولا تريد موسكو بالطبع تكرار التجربة الليبية في سوريا، رغم أن المقصود هنا هو محاربة «داعش» وليس ضرب النظام. وسارع الأخير لعرض خدماته وطرح شروطه التي أولها تنسيق العمليات معه، بحسب ما طالب به وزير الخارجية وليد المعلم.
وحتى الآن، لم يحلّ الغربيون هذه الإشكالية، إذ يكتفون بالقول إنه «لا مكان» للنظام في التحالف الذي يسعون إليه، وإنهم ليسوا مستعدين للتعاون معه. لكن هل سيتطور هذا الموقف؟ الجواب متروك للمقبل من الأيام.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.