موسكو تطل من نافذة ذكرى «النورماندي»

TT

موسكو تطل من نافذة ذكرى «النورماندي»

فيما كان قادة الدول الغربية يتجمعون في بورتسموث، جنوب بريطانيا، لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين لإنزال قوات الحلفاء على شاطئ النورماندي في فرنسا، قررت روسيا إعادة التذكير بدورها المركزي في النصر على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، فيما يبدو حلقة جديدة من مسلسل استعادة المكانة الرمزية التي كان يحتلها الاتحاد السوفياتي السابق.
وبدا أن المقال الذي نشره وزير الخارجية سيرغي لافروف، في «مجلة الشؤون الخارجية» الروسية، قبل يومين من المناسبة، والذي اعتبر فيه أن الغرب يروج لتاريخ «مزيف» بتقليله من قيمة مساهمات الاتحاد السوفياتي في النصر، الذي تحقق بعد أقل من عام من إنزال «النورماندي»، بعدما كان الجيش الأحمر السوفياتي قد تحمل العبء الأكبر في منازلة الجيوش النازية. فيما حضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، على «عدم المبالغة» في أهمية إنزال «النورماندي»، مشددة على أن التحول الحقيقي في مسار الحرب جرى بفضل انتصار «الجيش الأحمر» في ستالنيغراد ثم في كورسك. وفي السياق ذاته، نشرت وكالة «تاس» نتائج استطلاع للرأي؛ قال 80 في المائة من المشاركين فيه إنه كان على الحلفاء الغربيين دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى المشاركة في إحياء ذكرى الإنزال. وهذه هي المرة الأولى التي لا توجه فيها الدعوة إلى الرئيس الروسي للمشاركة في الاحتفال منذ سنة 2004 التي شهدت احتفالات الذكرى الستين للإنزال. ورجح المراقبون أن عدم توجيه الدعوة يشكل إشارة إلى تدهور علاقات الغرب مع موسكو بسبب احتلال القرم والحرب في شرق أوكرانيا.
بيد أن الردود الروسية لا تقتصر على إبداء الاستياء من تجاهل الغرب لبوتين، بل تصب في إطار استراتيجية دبلوماسية وإعلامية مصممة لاستغلال كل مناسبة متاحة للتذكير بدور روسيا الماضي، سواء القيصري منه أو السوفياتي، واحتلالها مكاناً مركزياً في السياسات العالمية.
الوجهان الدبلوماسي والإعلامي البارزان، لا يمكن أن يطغيا على وجوه عديدة أخرى من نوع التدخل في الانتخابات الأميركية، والأوروبية عموماً، ودعم الأحزاب الشعبوية الأوروبية، والحملات الكثيفة لاختلاق الأخبار «ما بعد الحقيقية»، التي تساهم في إرباك الجمهور الغربي والتشويش على خياراته السياسية. ويندرج كل ذلك في استراتيجية عريضة يعمل بها الكرملين، وقد لمّح بوتين إليها في عدد من التصريحات.
قوام الاستراتيجية هذه، التي يسود اعتقاد أن ثمة من يسهر على تطبيقها بحذافيرها وتفاصيلها، هو منع الغرب من تطويق روسيا، أو إسقاطها بأي شكل من الأشكال، سواء من الداخل، من خلال تأييد منظمات المجتمع المدني والقوى المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة - وتحضر هنا سنوات الرئيس بوريس يلتسين الكارثية كنموذج لما يريد الغرب أن يراه في روسيا - أو من الخارج عبر توسيع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ونشر رادارات إنذار مبكر في دول الكتلة الاشتراكية السابقة.
خلفية استراتيجية إحباط الإسقاط والتطويق هذه تكمن في رؤية سادت روسيا منذ نهاية عهد يلتسين، ومجيء بوتين، وخلاصتها أن الغرب، وعلى الرغم من الضعف الذي اعترى روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ما زال ينظر إليها على أنها بلد معاد لا يمكن بناء علاقات ندية معه، بل يجب إخضاعه وتفكيك كل عناصر قوته، العسكرية والاقتصادية. خزانة الأمثلة التي يقدمها الروس على ما يرون أنه توجه غربي جذري، تحتوي الكثير من الذخائر التاريخية والحديثة، ويعود بعضها إلى عهد حملة نابليون بونابرت، وتصل إلى إنكار الغرب لتعهداته للزعيم السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف بعدم توسيع الحلف الأطلسي إلى حدود روسيا.
بالعودة إلى الخلاف الروسي - الغربي في شأن أهمية «إنزال النورماندي» في القضاء على ألمانيا النازية، أو عدم أهميته، يتعين القول إن ما يقوله المسؤولون الروس عن الخسائر الهائلة التي تكبدتها الشعوب السوفياتية لإلحاق الهزيمة بألمانيا الهتلرية صحيحة، لكنها تمثل نصف الحقيقة. ذاك أن الاتحاد السوفياتي الذي وقع معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا، قبل أسبوع واحد من الهجوم على بولندا وبدء الحرب العالمية الثانية، تتحمل قيادته جزءاً من مسؤولية الكوارث التي ألحقتها بالبلاد من خلال سياسات جوزف ستالين، التي أفرغت الجيش السوفياتي من كبار الضباط، واطمأنت إلى المعاهدة التي تعرف باسم «مولوتوف - ريبنتروب» (وزيرا خارجية ستالين وهتلر)، ولم تدرك أن الهجوم الألماني على الغرب سيكون مقدمة للتحول إلى الشرق، وسوى ذلك مما تختزنه القراءة النقدية لتاريخ الحرب العالمية الثانية، التي لا يمكن أن تختصر بقراءة غربية أو روسية مسطحتين.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.