انطلق رسميا «التحالف ضد داعش» من بلدة نيوبورت البريطانية أمس، إذ ترأست الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة اجتماعا لعشرة حلفاء للتخطيط للحملة الممنهجة ضد تنظيم «داعش». وجاء هذا الاجتماع عشية توجه كبار مسؤولي واشنطن إلى منطقة الشرق الأوسط لتشكيل «التحالف ضد داعش» حتى يرتكز في المنطقة ويكون «حقا عالميا» بحسب وزير الخارجية الأميركي جون كيري. إلا أن حلفاء «الناتو» أكدوا أمس أن جهود مواجهة «داعش» يجب أن تقودها الحكومة العراقية وأن تأتي ضمن تنسيق الحلفاء الإقليميين في الشرق الأوسط، بدعم دولي. ومع انتهاء أعمال قمة «الناتو» مساء أمس بمقاطعة ويلز تتجه الأنظار إلى المنطقة في هذه المرحلة من مواجهة خطر «داعش». وترأس وزراء خارجية ودفاع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اجتماعا صباح أمس بهدف «بناء تحالف ضد داعش»، حضره وزراء خارجية ودفاع فرنسا وألمانيا وإيطاليا والدنمارك وبولندا وكندا وأستراليا وتركيا. وتركيا هي الدولة الوحيدة العضوة في «الناتو» ولديها حدود مع العراق وسوريا ومتأثرة مباشرة من التطورات الأمنية هناك. وامتنع وفد تركيا المشارك في «الناتو» عن الإجابة عن أسئلة «الشرق الأوسط» حول دور تركيا في مواجهة «داعش». وبسبب مخاوفها على أرواح الرهائن الأتراك الـ48 المحتجزين في الموصل منذ اجتياح «داعش» للمدينة العراقية، تحاول تركيا أن تبتعد عن الأنظار علنا في التنديد بممارسات التنظيم. ولكن تشدد كل من لندن وواشنطن على ضرورة عدم الرضوخ لتهديدات «داعش» بقتل الرهائن الذين تحتجزهم. وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس إن «بشاعة أفعال داعش لن تجعلنا نرضخ بل تزيد من عزيمتنا». ولكن كانت هناك مطالب خلف الكواليس من تركيا خلال قمة «الناتو» لمنع دخول المقاتلين الأجانب عبر حدودها إلى سوريا، حيث إن الآلاف عبروا الحدود التركية للانضمام بـ«داعش». ورصدت المملكة المتحدة وحدها حوالي 500 من مواطنيها الذين سافروا إلى تركيا ولم يعودوا وتشتبه بأنهم انضموا إلى صفوف «داعش». وبدورها طلبت تركيا من حلف الشمال الأطلسي بالتأكيد خلال القمة على «التهديد من الجنوب» في إشارة إلى المجموعات المتطرفة المنتشرة في الشرق الأوسط، والتأكيد على ضمان سلم جميع الحلفاء، بمن فيهم تركيا، من تلك التهديدات، بدلا من التركيز على روسيا فقط. وبحث أوباما المخاطر من «داعش» في اجتماع ثنائي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة «الناتو» عصر أمس. وكان أوباما قد بحث الموضوع ذاته مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أول من أمس. وبحث الاجتماع سبل مواجهة «داعش» خلال المرحلة المقبلة بناء على خمسة خطوط عريضة وضعتها الولايات المتحدة بالتشاور مع المملكة المتحدة وغيرها من الحلفاء. وأصدر كيري ووزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل بيانا مشتركا بعد الاجتماع الذي كان مغلقا يؤكدان فيه «خطورة التهديد الذي يشكله داعش للعراق والمنطقة كلها والمجتمع الدولي». وأوضحا أنهما اتفقا مع نظرائهما من الدول المجتمعة أمس أنه «لا يوجد وقت يمكننا أن نضيعه في بناء تحالف دولي لإضعاف التهديد الذي يشكله داعش وفي النهاية القضاء عليه». في مستهل بيانهما، أكد الوزيران الأميركيان على أن تشكيل حكومة شاملة في العراق تمثل جميع أطياف البلاد سيكون خطوة ضرورية في هذا المسعى. وهو موقف كرره مسؤولون من «الناتو» خلال اليومين الماضيين. وينتظر الحلفاء تشكيل الحكومة العراقية لتتقدم بطلب رسمي بمساعدة المجتمع الدولي في هزيمة «داعش» وهناك توقعات بأن يشمل الطلب تدخلا خارجيا. وصرح الوزيران «اتفقنا على التواصل مباشرة مع الحكومة العراقية الجديدة حول زيادة الجهود بما في ذلك المزيد من التدريب وتجهيز القوات العراقية على المستوى الفيدرالي والإقليمي والمحلي».
من جهته، أكد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الالتزام بمواجهة «داعش»، ولكنه أوضح في بيان أمس: «نحن في بريطانيا لم نتخذ التزاما بالمشاركة في أي ضربات جوية بعد ولكننا بالتأكيد سنبحث هذا الاحتمال إذا اعتقدنا أنه الوسيلة الأفضل لدعم حكومة شاملة وذات مصداقية في العراق».
وطالبت الولايات المتحدة حلفاءها بالتنسيق على خمسة مسارات هي تقديم المساعدة العسكرية لـ«الشركاء العراقيين» ووقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق وسوريا ومنع تمويل «داعش» بالإضافة للمواجهة الفكر المتطرف للتنظيم. والنقطة الخامسة التي شددت واشنطن على ضرورة العمل عليها هي معالجة الأزمات الإنسانية الناتجة عن تصرفات «داعش».
وأعلنت الولايات المتحدة تأسيس فريق عمل دولي لتبادل المعلومات والاستخبارات حول المقاتلين الأجانب المتجهين إلى سوريا ومن سوريا إلى العراق. ووصف كيري وهيغل المقاتلين الأجانب بأنهم «يمثلون تهديدا شديدا لحلفاء الناتو». وشدد الاجتماع أيضا على منع تمويل «داعش» بما في ذلك منع شراء أي منتجات نفطية من التنظيم ومحاسبة من يخترق الحظر الدولي على المتاجرة بتلك المنتجات النفطية.
وبينما يبدأ كيري وهيغل جولة إلى المنطقة تشمل دولا خليجية وتركيا هذا الأسبوع، تسعى الولايات المتحدة للتوصل إلى تحالف «عالمي» تزامنا مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الحالي. وقال كيري وهيغل عن الزيارة: «خلال الأيام المقبلة سنواصل النقاش مع شركائنا في المنطقة الذين لديهم دور مهم عليهم أن يلعبوه في هذه الجهود». ولفت البيان الصادر عن كيري وهيغل إلى أن «الجهود لإضعاف وتدمير التهديد الذي يشكله داعش ستحتاج إلى الوقت والصبر، وستحتاج إلى منهج على الصعيد الدولي والإقليمية والمحلي، باستخدام آليات عسكرية وقانونية واستخباراتية واقتصادية ودبلوماسية».
وأكد حلفاء «الناتو» استعدادهم أن يكونوا جزءًا من هذا العمل الممنهج. وقال هاموند بدوره إن «لدى كل طرف دورا يقوم به وعلينا النظر إلى جميع العوامل ولكن من الواضح أننا نحتاج إلى دعم إقليمي مع حكومة جديدة وممثلة لجميع العراقيين تقود هذه الجهود».
وكانت رسالة الحلفاء واضحة، أمس، بأن المعركة في مواجهة «داعش» ستستمر لفترة طويلة وتحتاج إلى الجهود الحثيثة والصبر. وأكد وزير الخارجية الأميركي في مستهل الاجتماع المخصص لـ«داعش» أن المعركة «لإضعاف وفي النهاية دحر «داعش» قد تستمر عاما أو عامين أو ثلاثة، ولكن في النهاية سنهزم التنظيم». وبينما امتنع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن تحديد المهلة التي قد تستغرقها هذه المعركة، قال إن «هذا النزاع سيستمر على مدى أجيال، ولا أريد أن أضع جدولا زمنيا له»، مؤكدا أن الهدف «مواجهة فكر هذا التنظيم وآيديولوجيته».
* استراتيجية دحر «داعش»
حددت الولايات المتحدة خمسة محاور رئيسة لدحر «داعش» للمرحلة المقبلة، هي:
- الدعم العسكري لشركائنا العراقيين
- وقف تدفق المقاتلين الأجانب
- مواجهة تمويل «داعش»
- معالجة الأزمات الإنسانية
- نزع الشرعية من آيديولوجية «داعش»