الشاعرة المغربية فدوى الزياني: لم يكن من المفروض أن أولد أنثى

درّستْ لنفسها بنفسها قبل أن تجد طريقها نحو «طوفان» الشعر والقصيدة

الشاعرة المغربية فدوى الزياني
الشاعرة المغربية فدوى الزياني
TT

الشاعرة المغربية فدوى الزياني: لم يكن من المفروض أن أولد أنثى

الشاعرة المغربية فدوى الزياني
الشاعرة المغربية فدوى الزياني

فدوى الزياني شاعرة عصامية، غادرت المدرسة مبكراً وهي لا تزال طفلة، لكنها عرفت، كما يقول عنها الشاعر ياسين عدنان «كيف تجد طريقها نحو (طوفان) الشعر والقصيدة»، هي التي درسَتْ أربع سنوات فقط، ثم غادرت المدرسة الابتدائية نحو (مدرسة الحياة)، بل أُجبرَت على مغادرتها، من طرف الوالد الذي لم يكن يسمح إلا للذكور بمتابعة دراستهم. لكنها عوّضَتْ هذا الحرمان المبكّر بالتهامِ الكثير من الكتب. درَّست لنفسها بنفسها، وحين استدرجتها القصيدة إلى عالمها بدأت تواظب على الكتابة والنشر في المواقع الإلكترونية، لكن باسم مستعار هو فدوى طوفان، لتُكرِّس اسمها اليوم اسماً شعرياً نسائياً جديداً بِحُضورٍ طيّب في مشهدنا الشعري الوطني.
تستعيد الزياني، ابنة زاكورة (جنوب شرقي المغرب)، حكاية إجبارها على مغادرة المدرسة الابتدائية، فتقول: «لم يدَعني أبِي أكمِل دراستي. سحبني من يدي، وأخبَرنِي أن لا مدرسَة بعد اليَوم، بكَيت على صَدرِ أمي، على كتفِ أختي، بكَيتُ مثل شجرة تشكُو قسوَة الخَريف للغابَة. أذكُر يومها... دلّتنِي أمي على سُلّم من خشَب، السُلّم يؤدي إلى سدَّة، السدَّة مليئة بكتبٍ قديمة تركَها إخوتي الذكور الذين كان لهم نصيب في إكمال دراستهم. كنت أشبه السحالي التي التهمت من الكتُب حواشي أوراقها، قرأت بنهم عن معصية آدم وحواء، عن الحرب والحب، عن حقيقة الوجود، عن نهاية العالم وعذابات القيامة، وعنّا نحن أسوأ كائنات هذه الأرض. وكلما قرأتُ كتاباً فتحت قبوراً كثيرة، وحاولتُ التعرف على وجوهِ ساكنِيها: وجوه سومريّة، وجوه فرعونية، وجوهٌ محَت الحروب ملامِح حضارتها وأجناسها، وكلمَا خرجتُ من متاهات حيواتنَا المتكررة دخلت غابَة يُلاحِق فيها الذئب أطفالاً، الأطفال لا ذنبَ لهم لكنهم يلاحقُون بالسوء فَراشات ملونة، فرَاشات تهرُب إلى النار، وأنا أهرب من الذئب والأطفال ومن الفراشَات ومِن النار. وكلما اختبأتُ وراء شجرة أتى حطاب ليقطع أغصانها يجعلها فؤوساً ويجزُّ عنُق الشجرة. الشجرَة نفسهَا التي أقرأ الآن كتاباً من لحائِها، الكتاب الذي كلما أنهيت واحداً مثله كبرت ضعفَ العُمرِ مرّتين وتذكّرتُ أبي، أبي الذي من خوفِه فقَط، كانَ يُريدني أن أبقى طفلته التي لا تكبر».
سماح الأب للذكور دون الإناث بمتابعة الدراسة، سيحضر في أشعار الزياني، حيث نقرأ لها: «لم يكُن من المفروض أن أُولدَ أنثَى/ الأقحوانة التي سحقَها أبي عنوة في حقلِه/ تسلل دمها إلى شقُوق قدمَيه الحافيتَين/ وكانت تنتقِم».
تستعيد الزياني بداياتها على درب الشعر، قراءة وكتابة، فتقول: «في سن الثالثة عشرة كان لقائي بالشعر، حين وجدت كتاباً صغيراً وممزقاً. كان عنوان الكتاب (مائة رسالة حب). هنا، تعرفت على نزار قباني. وجدت كتاباً أقرأه بمتعة وشغف، في الصباح وفي الليل. كنت أخبئه، مثل كنز، تحت وسادتي. أعجبت بلغة سلسة ومدهشة، لم أصادفها، وقتها، في باقي الكتب. ثم تورطت في الكتابة. قرأت لكتاب وشعراء آخرين، بعد نزار قباني. بعدها، مر ماء كثير تحت الجسر، لكن ذكرى هذا الكتاب ما زالت تلمع في ذاكرتي».
تختصر الزياني تجربتها وطموحاتها الإبداعية، فتقول: «سألني مرة صديق شاعر: أليست لديك قمة شعرية؟ لا. ليست لدي قمة شعرية أرغب في الوصول إليها. أرغب فقط في معانقة الشعر محلولة من كل البلاغات القديمة متحللة في ذاتي. وفي كل محاولة أكتب فيها هي محاولة لإطفاء حرائق تتغول في داخلي. أحاول وأحاول، حتى يموت الضوء في داخلي وتستمر الشعلة من جسد إلى آخر في حيواتي المقبلة».
تؤمن الزياني بأن «الشعر هو تلك الكلمة الشفيفة التي تكدح من أجل أن تقيم صداقة مع الأشياء الصغيرة والكبيرة، مع الفراغ، مع الهواء ومع المعنى»، لذلك تتمنى ألا تشفى من «القصيدة الحارقة التي تشبه خبز الأمهات وهن يجلسن أمام التنور غارقات في الظل والغناء»؛ فوحدها القصيدة، تستطيع أن تخفف اختناقاتنا، نحن الذين «وُلدنا بملاعق من سُعال مُر/ لا شيء نملكُه/ سوى هذا الفراغ الذي يكِحّ بقوة/ وأصواتنا التي تفاوض/ لتخرج مشروخة كخدوش في حنجرة ناي».
الشعر، هذه اللعنة التي جعلت لحياة الزياني معنى، كما تقول: «لم يكن الطريق إليه سهلاً. وحتى الآن لا تزال الطريق شائكة ومتاهاتها تفضي بك من وحدة إلى أخرى».
استطاعت الزياني أن تؤكد حضورها في المشهد الشعري المغربي الراهن. ويقول عنها الشاعر عبد الرحيم الخصار إنها تهرب إلى الشعر كـ«ملجأ يحميها من مختلف أشكال الشقاء الاجتماعي والنفسي، وينسيها تجارب الفقد والخذلان»، تكتبه «بمزاج عاشقة وبتمكن كبير من آليات الكتابة، وبقدرة مذهلة على تحويل إحساس الكائن إلى شكل أدبي مؤثر»، حيث نكون أمام شاعرة «روّضت حواسها كي لا تتأثر كثيراً بالسقوط والتداعي التدريجي لكل الأشياء الجميلة التي تشكلت وتنامت أمام عينيها منذ الطفولة الأولى»، بشكل يجعل من الحزن «تجربة حياة»، وبالتالي فكل ما تفعله الشاعرة هو أنها «تضع هذه الحياة على الورق»، هي التي نقرأ لها، في هذا الصدد: «جئنا بغمازات ضوء وشفاه ممسوسة بالحبّ/ بأجراس موسيقية تدلّ علينا/ جئنا حائرين جداً/ كيف يقسو الوجه على انعكاسه/ كيف يشقّ النّهر بطن أمه/ كيف تثقب الأشجار كتِف الغابة/ كيف تغادر النجوم سريرها الليّن/ كيف يعضّ الرضيع حلمة الحياة/ مثلما نعضّ على السؤال المحفور في ظلام الأقبية/ جئنا حائرين جداً/ لم بقينا عالقين في هذه الفجوة الزمنية/ كأننا لم نحدث بعد!».
بعيداً عن ذكريات الطفولة وقرار الوالد، تحضر العلاقة بالأم، فنقرأ من شعر الزياني: «القلب الذي تسكنه ولا تخرج منه هو قلبُ أمك/ والمسافات الطويلة الموحشة هي التي تمشِيها وحدك/ ولا يستقبلُك في الجهة الأخرى وجهُها»، قبل أن تختصر علاقة المرأة بالرجل، في ست كلمات، فتقول: «بعض الرجَال غربة، وبعض الرجَال وَطَن».
بين الهشاشة والغضب، تخبرنا الزياني أنها تقيم في جسدٍ هَشّ، حيث رممت البقايا حيوات لم تكتمل، فيما الأمر يتجاوز كل الأوجاع القديمة والعالقة، وأنها فقط «روح أتعبها التنقّل/ والولادات المتعسّرة»، قبل أن تقترح علينا قصائد غارقة في الألم الشخصي، فنقرأ لها: «كل الذين أحببتهم حينَ مددت لهم حلوى يدي/ قضموها كاملة ومضوا حاملين شظايا الجسد/ على ظهورهم حين رحلُوا/ هل يعلم الأحبة ما معنى أن نسدّ فراغات غيابهم بأصابعنا/ بينما الريح تشكّل من أجسادنا المعطوبة أيادي أخرى للتّلويح؟».
لا تملك الزياني إلا أن تخاطب العالم «كطفلٍ لم يعتن بهِ أحد»، مشددة على أنه لم يعُد يعنيها ما يحدُث في هذا العالم، وأنها ليست على هذه الأرض لتسليَّة أحد، قبل أن تخبر قراءها، في ديوانها الأخير، أنها كلما حاولت كتابة نصّ جديد، فالشيء الوحيد الذي تؤمن به، هو أن للحبّ أقداماً عملاقة وثقيلة، فيما قلبها يشبه سهلاً رطباً مليئاً بالحفر.



ألماني يعيش في كبسولة على عمق 11 متراً تحت الماء قبالة بنما

روديغر كوخ في كبسولته تحت الماء (أ.ف.ب)
روديغر كوخ في كبسولته تحت الماء (أ.ف.ب)
TT

ألماني يعيش في كبسولة على عمق 11 متراً تحت الماء قبالة بنما

روديغر كوخ في كبسولته تحت الماء (أ.ف.ب)
روديغر كوخ في كبسولته تحت الماء (أ.ف.ب)

يعيش الألماني روديغر كوخ منذ شهرين داخل كبسولة على عمق 11 مترا في البحر الكاريبي قبالة سواحل بنما، مُلحَقة بمنزل مبني على سطح المياه.

ويسعى مهندس الطيران البالغ 59 عاما من خلال مغامرته غير العادية التي يعتزم الاستمرار فيها شهرين آخرين، إلى أن يسجل رقما قياسيا عالميا لإثبات قدرة الإنسان على العيش وهو مغمور تماماً بالمياه.

وقال كوخ لوكالة الصحافة الفرنسية التي زارته في مكان انعزاله الطوعي «يجب أن ننتقل إلى المحيط. الجو أكثر هدوءا هنا، فهو ليس كحياة المدينة. يمكن سماع الأمواج وصوت السمك».

وتبلغ مساحة الكبسولة التي يقيم فيها روديغر كوخ 30 مترا مربّعا، ولديه سرير ومرحاض وجهاز تلفزيون وكمبيوتر ودراجة تمرين ومراوح. أما الاتصال بالإنترنت فبواسطة الأقمار الصناعية، فيما توفّر له التيار الكهربائي الألواح الشمسية الموجودة على السطح. ولديه مولّد احتياطي، ولكن لا يوجد مرشّة للاستحمام.

وتحدث كوخ عن يومياته قائلا «أستيقظ في السادسة صباحا، أستمع إلى الأخبار، وأعمل قليلا ثم أتناول وجبة الفطور وأنفّذ المهام اليومية».

على طاولة صغيرة، توجد نسخة من كتاب «20 ألف فرسخ تحت الماء» للكاتب الفرنسي جول فيرن. بدأ روديغر كوخ المعجب بمغامرة الكابتن نيمو تنفيذ تحديه في 26 سبتمبر (أيلول) ويعتزم العودة إلى الهواء الطلق في 24 يناير (كانون الثاني)، وبذلك يتجاوز الرقم القياسي لأطول غمر من دون خفض الضغط المسجّل باسم الأميركي جوزيف ديتوري الذي مكث مائة يوم في كابينة مغمورة في بحيرة فلوريدا.

وتفيده ساعتان رقميتان بمقدار الوقت الذي مضى حتى الآن، وكم يتبقى له للفوز برهانه.

وترتبط الكبسولة تحت الماء بمنزل يقع على أسطوانة معدنية فوق المياه، على بعد 15 دقيقة بالقارب من ساحل بويرتو ليندو، على الساحل الشمالي لبنما.

ومن خلال درج حلزوني ضيق في جوف الأسطوانة يمكن الوصول إلى الكبسولة تحت الماء على عمق 11 مترا، ومن خلالها يحصل كوخ على وجبات الطعام.

المنزل الواقع على أسطوانة معدنية فوق المياه والمرتبط بالكبسولة (أ.ف.ب)

وإذ أكّد أن «الأمر ليس صعبا»، قال «لا أعاني شيئا سوى الرغبة في السباحة أحيانا»، مشيرا إلى نوافذ دائرية لكبسولته يدخل منها الضوء الفيروزي، ومن خلالها يمكن رؤية الأسماك بكل الأحجام والألوان.

وشدّد كوخ على أن المادة التي صُنعت منها الكبسولة تحت الماء تراعي الاعتبارات البيئية، وأن جدرانها الخارجية تتيح إيواء الشعاب المرجانية والأسماك.

مراقبة دائمة

وُضعت في الكبسولة أربع كاميرات تصوّر كوخ باستمرار للتأكد من وضعه الصحي ومن عدم عودته إلى السطح. ويراقب خبير الأمن إيال بِرجا الموجود في المنزل على السطح تحركاته من خلال شاشة.

قال بِرجا «واجهنا وحدنا في وسط المحيط الرياح والأمطار والأمواج، وفي بعض الأحيان لم نكن نرى شيئا»، موضحا أن عاصفة كادت أن تضع حدًا للمشروع قبل بضعة أيام.

وإلى جانب الصحافة، الزيارات الوحيدة هي لطبيب، وطفلَي كوخ وزوجته التايلاندية. وقال كوخ مازحا: «آخر مرة رأيتها كنا لا نزال متزوجين».

أما الكندي غرانت روموندت، زميل روديغر كوخ الذي أسس معه شركة وبنى ثلاثة منازل على الماء في هذه المنطقة من العالم، اي البحر الكاريبي البنمي، فقال «شرعنا في هذا المسعى إلى الدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية لكي نُظهر للعالم أننا قادرون على الابتكار والعيش تحت الماء».

ومع بلوغه منتصف الطريق نحو تحطيم الرقم القياسي، يعرف المهندس بالضبط ما سيكون أول ما يفعله عندما يغادر مسكنه: «سأستحم جيدا، على الأقل لمدة ساعة».