سنوات السينما

من فيلم «بداية ونهاية»
من فيلم «بداية ونهاية»
TT

سنوات السينما

من فيلم «بداية ونهاية»
من فيلم «بداية ونهاية»

بداية ونهاية (1960)
ما بين أبو سيف ونجيب محفوظ
يرتبط جوهر الحكاية التي يسردها المخرج الراحل صلاح أبو سيف في «بداية ونهاية» بالحياة الاجتماعية في مصر الثلاثينات. بالفجوة الطبقية التي سادت وبالتحوّل الذي يجبر عائلة كان لها مستواها الاجتماعي المتوسط الانحدار إلى حافة الفقر.
الرواية، كما يعلم الجميع، من وضع الأديب نجيب محفوظ الذي ‪كتب‬ رواياته في إطار اجتماعي أرّخ فيه (بقصد أو بدونه) لمراحل المجتمع المصري في ظروفه الصعبة قبل وبعد التحولات الاشتراكية.
يسرد الفيلم قصّة عائلة من أرملة وأربعة أبناء. كان الأب رحل قبل حين من دون أن يترك ما يؤمن حياة عائلته والمعونة الحكومية لا تستطيع أن تلبي نصف احتياجات العائلة. تسعى الأم (أمينة رزق) لفعل شيء ينقذ العائلة من الدعة التي تمر بها ومن التشتت الذي باتت الأم تلحظه. الابن الأكبر حسن (فريد شوقي) ينطلق بحثاً عن رزقه وفي طموحاته التحول إلى فنان معروف، لكنه ينتهي إلى حياة من العنف والشر. ولداها حسين (كمال حسين) وحسنين (عمر الشريف) يتعاملان والحياة كل في وجهة مختلفة ففي حين يتوجه الأول للعمل في سلك الشرطة (يقبل، في الرواية، بوظيفة وضيعة في وزارة التعليم أقل قدراً من ثقافته العالية)، يتوه الثاني في دروب الحياة لكنه يجد نفسه في مطلع الارتقاء الاجتماعي لبعض الوقت قبل أن ينهار كل شيء من حوله.
أما الفتاة نفيسة (سناء جميل) فتتلاعب بها العواطف وتتخلى عن أنوثتها وعفتها وتتحول إلى داعرة بعدما غرر بها من وعدها خيراً وخلف.
يختلف الفيلم عن الرواية في عدة مواقع لكنه لا يتناقض. نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف عملا معاً على أفلام كثيرة كتبها الأول (كسيناريست) وأخرجها الثاني، لكن «بداية ونهاية» هو أحد فيلمين اقتبسهما صلاح أبو سيف من روايات نجيب محفوظ مباشرة (الثاني هو «القاهرة 30» سنة 1966). في حين كتب محفوظ سيناريوهات أخرى نفذها أبو سيف ونصّت على «الوحش» (1954) و«الفتوة» (1957) و«بين السماء والأرض» الذي حققه أبوسيف عن سيناريو محفوظ في العام ذاته الذي حقق فيه «بداية ونهاية» الذي كتب السيناريو له صلاح عز الدين.
كعادة أفلامه (أو معظمها على الأقل) يهتم المخرج بتأسيس ثلاثة جوانب متكاملة: الشخصيات ومصادرها الثقافية ومنطلقاتها الذاتية الخاصة، والبيئة الاجتماعية التي تحتضن هذه الشخصيات والمكان الجامع كمدينة أو كحي أو كمنزل. كل هذه الجوانب إذ تجتمع وتتعامل بتلاؤم تلقائي تسهم فيما ذهب إليه نجيب محفوظ في مجمل رواياته وهو رسم صورة زمنية وسياسية للمجتمع الذي تناوله في مراحل مختلفة.
رواية «بداية ونهاية» صدرت قبل 18 سنة من تحويلها إلى فيلم والقول بأن الرواية أفضل من الفيلم ليس صحيحاً لكون العملين ينفصلان كل عند طبيعته. بالحكم على جهد أبو سيف هنا نجد أنه ترجم الرواية على أفضل نحو ممكن من دون خيانة محتواها ومضمونها الاجتماعي الذي توفره.
ممثلو شخصياته (فريد شوقي، أمينة رزق، سناء جميل، عمر الشريف وكمال حسين) مختارون لتقديم النماذج المطلوبة وكل منهم ينجز دوره بلفتاته الدرامية وبنجاح. حتى ممثلي الشخصيات المساندة (مثل عبد الخالق صالح وعبد المنعم إسماعيل وسامية رشدي وحسين إسماعيل وأحمد شكري) متواطئون في نية الذوبان في الزمن والبيئة إلى حد رائع.
كل هذا من دون أن نجد في الفيلم أخطاء السقوط في ميلودرامية الحدث كما في اقتباسات أخرى قام بها مخرجون آخرون نهلوا من روايات محفوظ كما شاءوا.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.