«لن نشارك في الانتخابات أيتها العصابات»... بهذا الشعار رد آلاف طلبة الجامعات بالجزائر أمس، خلال مظاهرات ضد قائد الجيش الجنرال قايد صالح، الذي رفض مطلب الحراك الشعبي إلغاء رئاسية الرابع من يوليو (تموز) المقبل. وفي غضون ذلك قررت السلطات القضائية إحالة متابعة رئيسي وزراء سابقين إلى «المحكمة العليا»، على أساس «الامتياز القضائي» المتاح للوزراء والولاة في حالة ملاحقتهم بالمحاكم.
وعرفت شوارع العاصمة أمس، مشاهد كر وفر عنيفة، جمعت قوات الأمن بمئات طلبة الكليات والمعاهد والمدارس العليا، الذين خرجوا ككل ثلاثاء في مظاهرات للتعبير عن رفضهم استمرار رموز النظام في الحكم.
لكن كان لمسيرات أمس طابع خاص، حيث جاءت بعد يوم واحد فقط من خطاب ناري للحاكم الفعلي للبلاد قايد صالح، هاجم فيه «متآمرين ومن يسير في فلكهم، يريدون قطع الطريق أمام كل الحلول الممكنة، وجعل البلاد تعيش حالة من الانسداد السياسي المقصود». مؤكداً تمسكه برئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وبنور الدين بدوي رئيس الوزراء، وبتنظيم الرئاسية في الموعد الذي حددته السلطة.
وأغلقت قوات الأمن البريد المركزي الفضاء الرئيسي، الذي يحتضن الحراك الشعبي، بهدف منع الطلبة من التجمع به. كما حاولت منعهم من مغادرة «الجامعة المركزية»، الواقعة على بعد 200 متر، للحؤول دون تدفقهم بالشوارع. غير أنها واجهت سيلاً بشرياً قوياً وكبيراً تغلب عليها، فاندفع الطلبة إلى «شارع باستور»، ومنه إلى قصر الحكومة الذي أحاطته أعداد كبيرة من رجال الأمن بإجراءات مشددة، للحؤول دون اقتحامه من طرف المتظاهرين.
وفي أثناء محاولة منعهم من السير في شارع الدكتور سعدان، حيث مبنى رئاسة الوزراء، أغمي على العديد من الطلبة الذين كانوا يركضون تحت شمس حارقة. ووقعت بينهم وبين عناصر الشرطة مشادات، كانت عنيفة في معظمها. ورفع المحتجون شعارات معادية لرئيس أركان الجيش، الذي اتهموه بـ«حماية العصابة»، وطالبوه بالرحيل عن الحكم.
وعلى غرار ما عبّر عنه حراك الجمعة الماضية، رفض الطلبة الحل الدستوري للأزمة، الذي ينص على تولي رئيس «مجلس الأمة» (بن صالح) رئاسة الدولة، وظلوا معتصمين وسط العاصمة، تحت الحصار الأمني إلى غاية المساء، رغم توقف الطلبة عن الاحتجاج.
وبهذا الخصوص قال أحمد شنة، رئيس «أكاديمية المجتمع المدني الجزائري» (تنظيم موالٍ للسلطة): «الرافضون للحلول الدستورية التي يتمسك بها الجيش الوطني الشعبي، ويصر على الالتزام بها وتنفيذها مهما كانت التكاليف والأثمان، يعلمون علم اليقين أنها الحلول المثلى للخروج بالجزائر من ظلمات الشك والارتباك، إلى أنوار اليقين والاتزان... حيث لا صوت يعلو فوق صوت الشعب، ولا سبيل إلى قصر المرادية (الرئاسة) إلا بالانتخابات، التي تحدد نتائجها الأغلبية الساحقة، وليس الأقلية التي تتستر وراء شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومحاربة ديكتاتورية العسكر».
وفي سياق تطورات الحملة التي يشنها الجيش ضد الفساد، أفاد مصدر قضائي بأن السلطات كلفت «المحكمة العليا» بالتحقيق مع رئيسي الوزراء سابقاً عبد المالك سلال (2012 - 2017)، وأحمد أويحيى (2017 - 2019)، بخصوص شبهات فساد مرتبطة برجل الأعمال البارز علي حداد، الموجود في السجن منذ عدة أسابيع. وقد استمعت النيابة بمحكمة الجزائر العاصمة، الخميس الماضي، لسلال وأويحيى في القضية، كما استجوبت عدة وزراء سابقين مكّنوا حداد من تكوين ثروة ضخمة، بفضل استغلال مسؤولياتهم لمصلحته.
ويواجه المسؤولان الكبيران في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وقائع فساد، تتمثل في «منح امتيازات غير مبررة، وإساءة استغلال الوظيفة، واستعمال أموال عمومية على نحو غير شرعي، والاستفادة من امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، والاستفادة من امتيازات عقارية دون وجه حق، والتمويل الخفي لأحزاب سياسية».
لكن من الناحية القانونية، لا تمكن متابعة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلا من طرف «المحكمة العليا للدولة»، وهي هيكل قضائي لم يُفعّل منذ أن جاءت به مراجعة الدستور عام 1996، لكن تحت ضغط الحراك المطالب بـ«محاسبة رموز الفساد»، اختارت السلطة أعلى مؤسسات القضاء المدني لمتابعتهما.
وعاد قايد صالح أمس، إلى موضوع الفساد بمناسبة نهاية زيارة قادته إلى منشأة عسكرية بالجنوب، حيث قال: «إن التحدي الكبير الذي تواجهه الدولة، يتمثل في محاربة الفساد، الذي أصبحت له امتدادات سياسية ومالية وإعلامية، ولوبـيات متعددة متغلغلة في مؤسسات البلاد. وفي هذا الشأن أؤكد أن النهج المتبع في مجال مكافحة الفساد، استلزم رصد وتفكيك كل الألغام المزروعة في مختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها، وهو نهج يرتكز على أساس متين وصلب، لأنه مبني على معلومات صحيحة ومؤكدة، ويستند إلى ملفات ثابتة القرائن، ملفات عديدة وثقيلة، بل وخطيرة، مما أزعج العصابة وأثار الرعـب لديها».
في سياق ذلك، أكدت حركة مجتمع السلم المحسوبة على التيار الإخواني في الجزائر، أمس، أن الانتخابات الرئاسية هي المرحلة الحقيقية لتثبيت وتعزيز الديمقراطية، واستكمال مسار الإصلاحات، بشرط أن تكون حرة نزيهة. وأوضحت الحركة، في بيان أعقب الاجتماع الأسبوعي لمكتبها التنفيذي الوطني، أن الانتخابات الرئاسية المقبلة «يجب أن يسبقها رحيل الباءات المرفوضة شعبياً»، في إشارة إلى رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس مجلس النواب معاذ بوشارب، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي.
كما نوهت «الحركة» إلى تنظيمها من قبل هيئة وطنية مستقلة، لتجرى الانتخابات في غير تاريخ الرابع من يوليو (تموز) المقبل، المعلن عنه، وضمن آجال انتقالية قصيرة، في حدود 6 أشهر من الآن. كما شددت على ضرورة استمرار الحراك الشعبي السلمي حتى تتحقق أهدافه، وحمايته من كل أشكال الاستقطاب الآيديولوجي والحزبي، ومن كل ما يتسبب في التفرقة والعداوة بين الجزائريين، داعية إلى تجنب كل إجراء أو تصرف يتسبب في التوتر في مختلف المسيرات الشعبية السلمية.
مواجهات بين الشرطة الجزائرية وطلاب يرفضون «الحل الدستوري»
قرار سياسي بمتابعة رئيسَي وزراء سابقَين بالمحكمة العليا
مواجهات بين الشرطة الجزائرية وطلاب يرفضون «الحل الدستوري»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة