جمهورية الدومينيكان... ما بين طبيعة خلابة ومعالم تفوق الـ300

الاستعمار الإسباني منحها نكهة أوروبية... وجغرافيتها وطقسها أغدقا عليها جاذبية

مرفأ سانتو دومينغو
مرفأ سانتو دومينغو
TT

جمهورية الدومينيكان... ما بين طبيعة خلابة ومعالم تفوق الـ300

مرفأ سانتو دومينغو
مرفأ سانتو دومينغو

موقعها الجغرافي بين بورتوريكو وهايتي... تنام بين أحضان البحر الكاريبي بكل ما يعنيه من مياه لازوردية ورمال ذهبية وطبيعة خضراء؛ فـ70 في المائة منها عبارة عن حديقة وطنية مفتوحة. ما يزيد من سحرها أيضاً توفرها على كل عناصر صناعة السياحة المتقدمة كونها ثاني أكبر اقتصاد في منطقة البحر الكاريبي. هذه هي جمهورية الدومينيكان التي لا يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة، لكن توفر طبقاً سياحياً دسماً ومتنوعاً. إلى جانب منتجعات ومزارات تتوفر على كل مظاهر الترف ووسائل الرفاهية، توجد بها أخرى تقدم خدمات مصممة خصيصاً للعائلات وذوي الإمكانات المتوسطة. ومع ذلك من الخطأ الاعتقاد أن شواطئها وسواحلها المترامية هي عناصر جذبها الوحيدة، ففي جميع أرجاء البلاد آثار الإسبان الذين مروا عليها، وأيضاً كهوف تركها هنود «التاينو»، وهم السكان الأصليون الذين عاشوا في هذه المناطق قبل وصول الاستعمار الإسباني إليها.
لهذا إذا كانت النية التعرف على هذا التاريخ والمعالم، فإن زيارة إلى العاصمة، سانتو دومينغو، ضرورية، كونها الوجهة الثقافية والتاريخية الأولى في جميع أنحاء قارة أميركا اللاتينية.
ففي المنطقة الاستعمارية الواقعة في قلبها، أكثر من 300 معلم من المعالم السياحية المدرجة على قوائم اليونيسكو، والمنظمة بعناية فائقة.
وليس هناك أفضل من كتابات الأديب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، تجسيداً وتخليداً لمعالم الجمال والتاريخ في مدينة سانتو دومينغو. ففي روايته «عيد الماعز»، ورغم أنها ركزت على الحقبة الديكتاتورية للحاكم العسكري الأسبق رافائيل تروخيو، يمكن للقارئ أن يتخيل ما تحمله عاصمة جمهورية الدومينيكان من تاريخ وفن وجاذبية. لا يختلف اثنان على أنها من المدن التاريخية العريقة، التي تحتل مكاناً عميقاً في قصة الإنسانية وقارة أميركا اللاتينية بأسرها. فقد كانت أول مدينة يبنيها الإسبان في الأميركتين. كما كانت أول موضع يكتشفه الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس، بعد رحلة طويلة بدأت من سواحل إشبيلية الإسبانية القديمة، وضيَّع الطريق إلى الهند فيها. واليوم، لا تزال منطقتها التاريخية، التي أُدرجت على مواقع التراث العالمية التابعة لمنظمة «اليونيسكو»، مصونة دونما تغيير لتقف شاهدة على مُخلفات الاستعمار الإسباني للبلاد. وربما هذا أول ما سيثير انتباه السائح إلى المدينة: تلك المباني القديمة بهندستها المميزة والشوارع المرصوفة بالحجارة التي تشكل بيئة من التناقضات والألوان على لوحة تشع زُرقة البحر على خلفيتها. ونظراً لجمالها، تم تقليدها في كثير من المدن الأخرى المطلة على البحر الكاريبي.
للمشي عبر شوارعها وأزقتها الضيقة القديمة نكهة خاصة، تعطي السائح إحساساً وكأنه انتقل إلى زمن غابر. فالحي الواقع في قلب المدينة مثلاً يتألف من قصور وساحات وميادين متعددة، من بينها كاتدرائية سانتو دومينغو، أول كاتدرائية تُبنى في قارة أميركا اللاتينية، في عام 1514. هناك أيضاً حديقة «كولون بارك»، التي أُنشِئَت تكريماً لمكتشف قارة أميركا اللاتينية، وعدد من المتاحف التي تتيح للزائر تقدير فنون العمارة الهندسية للعصور القديمة، وأنماط الحياة التي كان يعيشها الإسبان.
ولا يمكن الحديث عن المباني المميزة في المدينة من دون ذكر متحف «ألكازار دي كولون»، المبني على الطراز الإسباني أيضاً، وكان محل إقامة دييغو، نجل كولون. تم بناؤه بين عامي 1510 و1514 على مساحة شاسعة من المناظر الطبيعة الخلابة، ويضم مبناه 55 غرفة و72 باباً ونافذة. أما بالنسبة للقلاع، فحدِّث بلا حرج. فهي بأعداد كثيرة، ومن أشهرها قلعة أوزاما، وهي من أقدم قلاع القارة، بتاريخ يعود إلى القرن السادس عشر. أهميتها تنبع من أنها لعبت دوراً كبيراً في الدفاع عن مدينة سانتو دومينغو ضد القراصنة.
ومع تطور صناعة السياحة في البلاد، أصبح من الممكن اليوم الإقامة في القصور التي كان يعيش فيها المستعمر الإسباني القديم. وتوفر المنطقة التاريخية مجموعة مهمة ومتنوعة من هذه القصور التي تحولت إلى الفنادق الفاخرة، يمكن النوم فيها بين أحضان التاريخ. لكن التنوع المناخي والجغرافي يجعلك غير مضطر للبقاء في المدينة طوال الوقت؛ فسانت دومينيكان تحتوي على طبيعة وشواطئ لا يضاهي تنوعها سوى أنشطتها، التي تشمل جولات بواسطة الطائرات المروحية تأخذك من مكان إلى آخر، إذا لم يكن الوقت يسمح أو فقط الاستجمام في منتجعاتها الشاطئية. ومهما كانت الزيارة قصيرة، فلا بد من زيارة بلدة بونتا كانا، الواقعة على أقصى الطرف الشرقي لجمهورية الدومينيكان وتربط البحر الكاريبي بالمحيط الأطلنطي؛ فهي تحتضن بعض أشهر الشواطئ في منطقة بحر الكاريبي، وتتميز بالرمال البيضاء الناصعة والمياه الكريستالية الزرقاء، وبطبيعة الحال، الحرارة المرتفعة التي تميز المناطق الاستوائية.
وهذا الشاطئ هو الوجهة البحرية الرئيسية في المنطقة بأكملها. ويمكن هنا ممارسة كل الرياضات المائية من ركوب الأمواج إلى الغوص، وغيرها. وتُعد هذه المنطقة الساحلية من الأماكن المنعزلة في البلاد، ولكن يمكن للزائر الذهاب انطلاقاً منها إلى جزر أخرى أو إلى «دولفين أيلاند بارك»، حيث يمكن التواصل مع مختلف الحيوانات البحرية، أو إلى «ماناتي بارك» التي تضم مجموعة هائلة ومتنوعة من الطيور والزواحف الاستوائية. تتوفر حالياً رحلاً جوية مباشرة إلى «بونتا كانا» من مختلف البلدان في أوروبا.
ملاعب الغولف تعتبر هي الأخرى من عناصر الجذب في جمهورية الدومينيكان. فهي تحتل المركز الأول على مستوى القارة لرياضة الغولف في منطقة البحر الكاريبي، إذ يوجد بها 26 ملعباً أشرف على تصميمها وبنائها أفضل المهندسين العالميين. لهذا ليس غريبا أن تدرج كثير من الشركات السياحية رياضة الغولف ضمن برامجها.
أما في شبه جزيرة سامانا، الواقعة شمال شرقي البلاد، فمن الصعب تفويت أجمل ما تقدمه الطبيعة من مناظر للكائنات الحية بالبلد. فما بين شهري يناير (كانون الثاني) ومارس، يأتي أفضل موسم لمشاهدة ما يقرب من 2000 حوت من الحيتان الحدباء، وهي تسافر من شمال المحيط الأطلسي، أو من كندا أو من الولايات المتحدة، إلى بحر الكاريبي لتضع صغارها في مياهها الدافئة. وليس من المبالغة القول إنه من المشاهد التي تشد الأنفاس. ويتوفر حالياً ما يُسمى بمأوى الحيتان الحدباء المخصص لرؤية تلك المخلوقات من على متن قارب صغير، وهو ما يُتيح للزوار مشاهدة فريدة للحيتان الحدباء وصغارها حديثة الولادة التي يمكن أن يتراوح طولها بين 3 إلى 5 أمتار، وهي تقفز وتلعب. ويضمن المرشدون السياحيون هناك استمتاع السياح بهذه المناظر الطبيعية مع احترام كامل لمساحة تحرك تحمي هذه الكائنات.
أما إذا كان أقصى ما تطمح إليه عطلة تتواصل فيها بالطبيعة مع قليل من المغامرة، فإن زيارة «بيكو دوراتي»، هي عز الطلب. فـ«بيكو دوراتي» هو أعلى جبل في منطقة البحر الكاريبي، بارتفاع يبلغ 3087 متراً فوق سطح البحر، ويقع بين حديقتين وطنيتين. وتوجد به مسارات مختلفة للمشي والتنزه، يستمر أسرع مسار فيها ليومين كاملين مع إمكانية التخييم بين الغابات.
- نكهة البلانتين اللذيذة
> جميع الوجبات وفي جميع الأوقات تأتي مصحوبة بالبلانتين الأخضر (أو الموز المخصص للطهي). ويؤكل البلانتين بمختلف التحضيرات، مثل القلي، ولكن المفضل منه هو المهروس مع الجبن. وهو بسيط في إعداده، ورائع في طعمه، ووصفة تحضيره تناقلتها الأجيال في تلك البلاد وتستحق التجربة.
فالجميل في الدومينيكان أنها مزيج من ثقافات مختلفة وهو ما ينعكس على مطبخها، فالوجبات المحلية بسيطة للغاية، وعضوية أيضاً، تعتمد على الفواكه والخضراوات فضلاً عن المأكولات البحرية.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.