الجزائري دبيح: نعمل في اتحاد الناشرين العرب على محاربة مزوري الكتب

دعا إلى التنسيق بين مديري المعارض لتجنب التعارض في التوقيت

مصطفى قلاب دبيح
مصطفى قلاب دبيح
TT
20

الجزائري دبيح: نعمل في اتحاد الناشرين العرب على محاربة مزوري الكتب

مصطفى قلاب دبيح
مصطفى قلاب دبيح

مصطفى قلاب دبيح هو صاحب «دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع»، رئيس المنظمة الوطنية للناشرين الجزائريين، وعضو اتحاد الناشرين العرب. هنا حديث معه عن صناعة الكتاب العربية ومعارض الكتاب ودور اتحاد الناشرين العرب في تسويق الكتاب العربي ونشره:
> السيد مصطفى قلاب دبّيح عضو اتحاد الناشرين العربي لدورتين، ما مهمتكم داخل الاتحاد؟
- حالياً أنا رئيس المنظمة الوطنية للناشرين الجزائريين وعضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين العرب، الذي ترشحت به باسم «منشورات دار الهدى» وليس باسم «المنظمة الوطنية للناشرين الجزائريين»، فزتُ بعضوية الاتحاد الدورة السابقة والدورة الحالية.
- نرى وجودنا في هياكل اتحاد الناشرين العرب ضروري جداً بالنسبة لدولة كالجزائر، لأن الجزائر تُعتبر سوقاً مهمة للكتاب، ومعرض الجزائر يُعتبر من أهم المعارض العربية، لما يشهده من إقبال الزوار والقراء طيلة أيام المعرض، زيادة على ذلك وجودنا في هياكل الاتحاد مهم بالنسبة للجزائر كرافد لنشاطه، ونسعى لنطّور سياسة النشر في العالم العربي عامة والجزائر خاصة. وجودنا في المعارض العربية سواء من خلال اتحاد الناشرين العرب أو من خلال المشاركة الجزائرية عن طريق وزارة الثقافة، إضافة لذلك حضور الندوات واللقاءات والمؤتمرات، سواء التي ينظمها اتحاد الناشرين العرب أو وزراء الثقافة العرب، أيضاً المساهمة والمشاركة في حلقات التكوين أو ندوات التكوين في صناعة النص وصناعة الكتاب والتعاون مع دور نشر عربية، كل هذه الأمور تفرض على «دار الهدى» أو «المنظمة الوطنية لاتحاد الناشرين الجزائريين» أن نكون ممثلين في هياكل اتحاد الناشرين العرب لتوسيع سوق الكتاب.
> كيف يخدم الناشر العربي؟
- أولى خدمات اتحاد الناشرين العرب هي تذليل الصعوبات التي تعترض الناشرين العرب، منها محاربة التزوير وما شابه ذلك، زد على ذلك المساهمة في تطوير صناعة النشر، سواء بالخبرة التي لدينا أو التي اكتسبناها بالانفتاح على دور نشر عربية وأجنبية لها تاريخ بصناعة الكتاب. وأهم شيء نركز عليه هو في مجال التكوين، يعني الناشر الجزائري بإمكانه أن يكون عضواً في الاتحاد، ويستفيد من دورات التكوين التي ينظمها الاتحاد، ويستفيد من خصومات يقدمها «اتحاد الناشرين العرب» في عدة معارض، لكونه له شراكات وله تعاون مع مديري المعارض لعدة دول عربية، فأعضاء الاتحاد لهم الأولوية في الخصومات في هذه المعارض، هذه بعض الامتيازات التي نتمنى من الناشر الجزائري أن يُسهِم ويستفيد من كل ما يقدمه الاتحاد من امتيازات في مصلحة الناشر بصفة عامة.
> وكيف تحاربون تزوير الكتاب؟
- بعض الناشرين للأسف، يقومون بتزوير بعض الكتب التي غالباً ما تكون أسعارها مرتفعة، يطبعونها بتكاليف قليلة باستخدام نوع ورق رديء وحبر رديء، طبعاً أسعارها منخفضة، فيبيعون الكتاب المزور بسعر يصل إلى ربع سعر الكتاب الأصلي، مثلا كتاب سعره 2000 د.ج، يُباع المزور بـ 500 د.ج، وهذا يؤثر على مبيعات الكتاب الأصلي، لذا يتخذ اتحاد الناشرين العرب عقوبات على الناشر الذي يزوّر الكتاب، بحرمانه من معارض الكتاب.
> احتلت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي منصب نائب الرئيس للاتحاد الدولي للناشرين. كيف يمكن أن يلعب اتحاد الناشرين العرب دوراً في التبادل الثقافي بين العرب والغرب، خصوصاً أن هناك وجوداً عربياً في اتحاد الناشرين الدولي ممثلاً بالشيخة بدور القاسمي؟
- أكيد، وهو يقوم الآن بهذا الدور، فوجود اتحاد الناشرين العرب في المعارض الأجنبية هو من أجل هذا الهدف، يعني أن الناشر العربي سيكون حاضراً في كل المعارض الأجنبية، ويكون صاحب مقترحات صاحب أفكار ومشاريع، ووجود السيدة بدور القاسمي بالاتحاد الدولي للناشرين لا شك سيعطي دفعاً كبيراً وكبيراً جداً للثقافة العربية بصفة عامة. اتحاد الناشرين العرب يقوم بهذا الدور على أحسن وجه من خلال لجنة المعارض، ومن خلال لجنة العلاقات الدولية والعربية من أجل أن يكون تعاون وشراكة بين دور النشر العربية ودور النشر الأجنبية لإبراز الثقافة العربية وإبراز المنتج العربي الثقافي لكل الدول.
> معارض الكتاب العربية ينظم بعضها بالفترة ذاتها، فينعكس سلباً على مشاركة الناشرين بالمعارض، مثلاً معرض الجزائر ومعرض الشارقة بالفترة ذاتها، ما دور اتحاد الناشرين العرب في تنظيم المعارض العربية دون التضارب في توقيتها؟
- بخصوص هذه النقطة، أكد رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد بن رشاد على مديري المعارض في اللقاءات والاجتماعات التي تنظم بالشراكة على هذه النقطة بالذات، وهي أساسية لأنها بالفعل ترهق الناشر. وطلب اتحاد الناشرين العرب أن يكون هناك اتفاق بين مديري المعارض لتنظيمها بمواعيد تتيح مشاركة جميع الناشرين. ولكن كل دولة لها خصوصيات.
على سبيل المثال، الفترة المناسبة لمعرض الجزائر هي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، وأوائل نوفمبر (تشرين الثاني)؛ لماذا؟ لأنها تتزامن مع أول نوفمبر، لأنه عيد انطلاقة الثورة الجزائرية، وأيضاً موعد العطلة الخريفية للمدارس والجامعات، مما يسمح بزيارة المعرض.
> تطرح مسألة تكاليف مشاركة الناشرين في هذه المعارض، التي تضاف على ثمن الكتاب فيتحملها القارئ، ويتحمل أيضاً من تسويق الكتاب، وسطياً كم تبلغ تكاليف المشاركة في المعارض؟ وهل لاتحاد الناشرين دور في تسعير تكاليف المعارض؟
- في الجزائر يُعتبر السعر معقولاً (150 دولاراً للمتر المربع طول مدة المعرض هي تكاليف المشاركة بالنسبة للأجانب)، بينما بمعرض أبوظبي التكاليف مرتفعة 200 دولار للمتر المربع. في الحقيقة بعض المعارض أسعارها غالية جداً، ويعمل اتحاد الناشرين العرب على منح أعضائه خصماً بالتعاون والتشاور مع مديري المعارض، خصوصاً معرض أبوظبي، بحيث يستفيد العضو في اتحاد الناشرين العرب بخصم 20 في المائة للمتر المربع، هذا يُعتبر مكسباً لأعضاء الاتحاد، ونأمل بمكاسب أخرى مستقبلا، أعطيك مثالاً، أخيراً في معرض بغداد حذفوا - ولو أن معرض بغداد سعره معقول - رسوم التوكيل، ولو أنه مبلغ زهيد لكنه يدلل على جهود الاتحاد لتقليص الأعباء على الناشرين، فعندما أشارك مثلاً بمعرض يكون عندي توكيلان أو ثلاثة وأحياناً أربعة لدور نشر تعرض بالجناح الذي أعرض فيه، فإدارة المعرض تأخذ رسوماً للمتر المربع على التوكيلات. في معرض بغداد ومعرض مسقط لم أدفع شيئاً، وهذا مكسب لحقوق التوكيلات لدور نشر تشارك بمنشوراتها دون رسم على التوكيل. هذه امتيازات لأعضاء اتحاد الناشرين العرب، وتُعتبر خطوة في خدمة الناشر.
> هذه الدورة الثانية لك في اتحاد الناشرين العرب. كيف وجدت نشاطاته وخدماته وانعكاسها على سوق النشر العربية؟
- الدورة الثامنة والدورة التاسعة من أفضل الدورات التي مرت بالاتحاد، بشهادة الجميع، فقد كان فيهما نشاط مكثف ووجود ميداني للجان الخاصة بالاتحاد الاتحاد، لديه عدة لجان منها، لجنة المعارض ولجنة الإعلام، وتم إنجاز خمس مجلات على ما أذكر، تغطي كل الأنشطة، مؤتمر مديري المعارض، واجتماع وزراء الثقافة الذي نظم في تونس، وكان ضمن فعاليات مؤتمر الناشرين العرب، هذه الدورة حققت نوعاً من الديناميكية وخلقت نوعاً من اهتمام دور النشر بالانضمام للاتحاد، إضافة لذلك انشغالات الناشرين بصفة عامة أخذت بعين الاعتبار، خصوصاً عالجت بعض القضايا فيما يخص الملكية الفكرية، هذه الدورة راعت نقطة مهمة، وهي محاربة التزوير والتقليد وما شابه ذلك، بحيث جعلت مديري المعارض يفعّلون القائمة السوداء، التي تضم - مع الأسف - ناشرين يمتهنون التزوير، مما يضر بتسويق الكتاب الأصلي، كل هذه المكاسب تحققت في هذه الدورة... نتمنى في الدورة القادمة (التاسعة) أن يكون لدينا مكاسب أكثر فاعلية للناشرين.



التروبادور ينتصرون للحب المستحيل في وجه المؤسسة الزوجية

التروبادور ينتصرون للحب المستحيل في وجه المؤسسة الزوجية
TT
20

التروبادور ينتصرون للحب المستحيل في وجه المؤسسة الزوجية

التروبادور ينتصرون للحب المستحيل في وجه المؤسسة الزوجية

قلَّ أن تمكنت ظاهرة من ظواهر الحب في الغرب من أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من الوجدان الشعبي الأوروبي، وأن تصبح في الوقت ذاته محل اهتمام الباحثين والمؤرخين وعلماء الاجتماع، كما هو حال ظاهرة الشعراء الجوالين في القرن الثاني عشر الميلادي. فهذه الظاهرة التي ولدت في الجنوب الفرنسي، والتي قامت على التعفف الفروسي والإعلاء المفرط المرأة، ما لبثت أن اتسعت دائرتها لتشمل مناطق أوروبية واسعة، وأن تمسك بناصية الشعر والحب على حد سواء.

وإذا كان في ما قاله المؤرخ سينيوبوس من أن الحب في الغرب هو من مخترعات القرن الثاني عشر، قدر من المبالغة والغلو، فإن نقاداً كثيرين يجمعون على أن فكرة الحب المرتبط بالعفة والهوى والعاطفة المشبوبة لم تأخذ طريقها إلى التبلور ولم تتحول إلى واقع ملموس إلا مع تلك الكوكبة من الشعراء، من أمثال غيوم دي بواتييه وفينتادور وبيار فيدال وديدييه ودورانج وآرنو دانييل وغيرهم. أما تسميتهم بالتروبادور فيردها البعض إلى أصل عربي مشتق من كلمتي «تروبا» وتعني الطرب، و«دور» التي هي مصطلح موسيقي، فيما ذهب آخرون إلى كونها مشتقة من الفعل «تروبار» بالإسبانية، ويعني نظم العبارات الجميلة أو الشعر المبتكر.

ومع ذلك، وأياً كان مصدر التسمية، فقد أجمع الدارسون على أن القرن الحادي عشر للميلاد هو التاريخ الفعلي لنشوء ظاهرة الشعراء الجوالين، الذين راحوا يجوبون أنحاء الجنوب الفرنسي متنقلين من قصر إلى قصر لينشدوا أمام الأمراء والأعيان، والنساء الجميلات والمتأنقات، قصائد وأغنيات ناضحة بالحب والشجن القلبي وآلام الفراق. والأرجح أن تبني إلينور، حفيدة الشاعر الجوال وليم التاسع، وزوجة الملك الفرنسي وليم السابع، وملهمة الشاعر برنارد دي فانتادور، لهذه الحركة، قد أسهم في تكريسها ودعمها وتحويلها إلى تقليد ملكي رسمي. وقد واصلت ماري فرانس، ابنة إلينور، تشجيعها لذلك النوع من الشعر الرومانسي الحالم، وهي التي حضت الشاعر الفرنسي كراتين دي ترويز على تأليف قصة لانسوليت، التي تعكس بوضوح مفاهيم الشعر البروفنسي.

وإذ وقف أدباء الغرب ومفكروه حائرين إزاء المنشأ الحقيقي لهذا التقليد الشعري والعاطفي، أعاده بعضهم إلى الفلاسفة الإغريق من أمثال أفلاطون وأفلوطين، ونسبه بعضهم الآخر إلى الشاعر الروماني أوفيد وتعاليمه المثبتة في كتابه الشهير «فن الهوى»، ورأى فيه البعض الثالث تأثراً بمفهوم العفة والتبتل المسيحيين، وأكد بعضهم الرابع على تأثير الشعر العربي العذري في نشوء تلك الظاهرة، خاصة بعد أن تجاوز العرب حدود الأندلس لتصل جيوشهم إلى قلب الأراضي الفرنسية نفسها.

ولا بد من التذكير بأن تسمية الفرسان بالشعراء الجوالين كانت ناجمة عن الدور القتالي الذي أنيط بهؤلاء الشبان من قبل الأمراء والنافذين، حيث كان عليهم حماية المقاطعات والمناطق والقصور المولجين بخدمتها، من كل خطر داخلي أو خارجي، إضافة إلى مشاركة بعضهم الفاعلة في الحروب الصليبية. إلا أن القواعد والأعراف الاجتماعية التي تم إرساؤها في تلك الحقبة، وصولاً إلى قوننتها في نُظم وأحكام، أخرجت الفروسية من نطاقها القتالي الصرف وحولتها إلى تقاليد متصلة بالشهامة والتسامح والنبل، وما استتبع العشق والوله العاطفي من قواعد ومواثيق.

وقد اعتبر أرنولد هاوزر في كتابه «الفن والمجتمع عبر التاريخ» أن الجديد في شعر الفروسية هو عبادة الحب والحرص عليه، واعتباره المصدر الأهم للخير والجمال والسعادة الحقة، حيث يتم التعويض عن حرقة الفراق بفرح الروح ونشوة الانتظار، مضيفاً أن التروبادور كانوا في الأصل من المغنين الذين يستقدمهم الأمراء إلى قصورهم وبلاطاتهم بهدف الاستئناس بأغانيهم والتخفف من أثقال الحروب والصراعات المختلفة. حتى إذا ما استُحدث تقليد كتابة الشعر في وقت لاحق، طُلب إليهم التغزل بنساء الأمراء وامتداح جمالهن ومقامهن السامي، على أن لا تتجاوز العلاقة بين الطرفين علاقة التابع بالمتبوع والخادم بسيدته، وكان الفرسان ومنشدو البلاط يقدمون فروض الولاء لهذه السيدة المثقفة، الموسرة والجذابة.

أما دينيس دي ريجمون صاحب كتاب «الحب والغرب»، فيستبعد أي دور للعامل الاجتماعي في نشوء ظاهرة التروبادور، لأن وضع المرأة في الجنوب الأوروبي لم يكن أقل ضعة وتبعية من وضعها في شمال القارة. إلا أنه يقيم نسباً واضحاً بين التروبادور والشعراء الكاتاريين، الذين بدا عشقهم للمرأة نوعاً من الديانة الخاصة، معتبراً أن كلاً من الطرفين قد استلهم في تجربته الحركات الصوفية والغنوصية، إضافة إلى الديانات الفارسية القديمة. وفي إطار بحثه عن منشأ تلك الظاهرة، لم يركن المؤلف إلى مصدر واحد، بل قادته الحيرة إلى العديد من الفرضيات، التي تأتي في طليعتها الديانة المانوية القائمة على التعارض الضدي بين الخير والشر، وبين قوى النور وقوى الظلام، والمحكومة على الدوام بالروح الغنائية والقلق الدائم، بعيداً عن أي تصور للعالم، عقلي وموضوعي.

ولأن هذا المعتقد يرى في الجسد عين الشقاء، وفي الموت الفداء الحقيقي لخطيئة الولادة، فقد أكد الباحث الفرنسي بأن التروبادور كالمانويين، قد أنكروا كل حب شهواني محسوس، ورأوا أن العشق المتعفف والزهد بالملذات، هما الطريقة المثلى لخلاص الإنسان. إلا أن دي رجمون الذي لم ير في تجربتهم سوى نبتٍ هجين تتصل جذوره بالديانات الوثنية القديمة، كما بتيارات الزندقة والحركات الغنوصية والصوفية المتطرفة، ما يلبث أن يغادر مربع الحياد البحثي، ليتبنى موقفاً أخلاقياً مفضياً إلى إدانة التجربة العشقية للتروبادور، الأقرب في رأيه إلى الزنا والهوس المرضي بالمرأة، وليقف بشكل حاسم إلى جانب الزواج الديني الشرعي.

ومع أن في قول دي رجمون بأن الهوى الجامح هو المعادل الرمزي للمشاعر القومية والدينية التي غذت الحروب، جانباً من الحقيقة أكدته مشاركة بعض العشاق الفرسان في الحروب الصليبية، فإن الجانب الآخر يؤكد أن هؤلاء الشعراء قد أحلوا الحب محل الحرب، والتزموا في عشقهم بشعائر وطقوس شبيهة بالطقوس والشعائر الدينية. فالمرأة في معادلة العشق التروبادور هي «السيدة» المتعالية التي لا يُفترض بالعاشق أن يغزو حصونها المنيعة بالسلاح، بل بالمديح الشعري والموسيقي النابضة بالرجاء. وكما يقسم الناس لملوكهم بالولاء والطاعة، فإن الشاعر الفارس يقسم راكعاً على ركبتيه، بالإخلاص الأبدي لسيدته، فيما تقوم من جهتها بإعطائه خاتماً من ذهب، طالبة إليه النهوض ومكافئة إياه بقبلة على جبينه.

وبصرف النظر عن اجتهادات الباحثين المتباينة حول الأسباب والعوامل التي أسهمت في نشوء هذه الظاهرة وانتشارها وتألقها، فالثابت أنها استطاعت أن تتحول إلى علامة فارقة في الثقافة الغربية لما يقارب القرون الثلاثة من الزمن، قبل أن يغرب نجم الإقطاع وتتقهقر تقاليد الحب الفروسي. وإذ اعتبرت الكاتبة الأميركية لاورا كندريك في كتابها «لعبة الحب» أن التروبادور قد استخدموا لغة الشعر بطريقة جديدة، ولعبوا بالكلمات كما لو كانت أدوات وأشياء مادية من صنع أيديهم، فإن سلوكياتهم وطرائق عيشهم قوبلت باعتراض صارم من قبل الكنيسة، التي نظرت إلى تلك السلوكيات بوصفها إهانة لتعاليمها وأهدافها الحاثة على الزواج الشرعي. ولأن الكنيسة كانت ترى في كل علاقة تحدث خارج السرير الزوجي، حتى لو ظلت بعيدة عن الترجمة الجسدية، حالة من أحوال الزنا «النظري»، أو إسهاماً في قطع دابر التكاثر، فقد شنت ضد هؤلاء الشعراء العشاق حرباً لا هوادة فيها، إلى أن تمكنت من القضاء على الظاهرة بكاملها في أواخر القرن الثالث عشر. إلا أن زوال العصر الذهبي للتروبادور، لم يفض بأي حال إلى إزالة شعرهم من الخريطة الثقافية الغربية، بدليل أن هذا الشعر قد ترك، باعتراف كبار النقاد، بصماته الواضحة في الشعرية الأوروبية اللاحقة، بدءاً من دانتي وبترارك وتشوسر، وليس انتهاءً بعزرا باوند وت. س. إليوت وكثرٍ آخرين.