بروفايل: «بطريرك الاستقلال الثاني» ناهض الهيمنة السورية وسلاح «حزب الله»

TT

بروفايل: «بطريرك الاستقلال الثاني» ناهض الهيمنة السورية وسلاح «حزب الله»

ولد البطريرك الماروني الراحل مار نصر الله بطرس صفير في ريفون في منطقة كسروان اللبنانية في 15 مايو (أيار) 1920. ودرس اللاهوت في المدرسة الإكليريكية البطريركية المارونية، ثم تابع دروسه اللاهوتية والفلسفية في جامعة القديس يوسف في بيروت.
أصبح كاهناً في مايو 1950، وانتخب على رأس البطريركية المارونية في أبريل (نيسان) 1986 ليكون البطريرك السادس والسبعين للموارنة، الطائفة المسيحية الأكبر في لبنان، ثم قدّم استقالته في العام 2011 ليخلفه الكاردينال الحالي بشارة الراعي. وفي العام 1994 منحه البابا يوحنا بولس الثاني رتبة الكاردينالية تقديراً لخدمته الرعوية ودوره الوطني.
وكانت الفترة التي ترأس فيها صفير الكنيسة المارونية من أكثر المراحل السياسية جدلية وتوتراً في لبنان، حيث كانت الحرب اللبنانية لم تضع أوزارها بعد. وكانت المبادرات الدولية تتقدم وتعقد المؤتمرات للتوصل إلى حل سلمي للحرب التي انتهت فعلياً فيما يعرف بـ«اتفاق الطائف» الذي رعته السعودية عام 1989 والذي كان له دور إيجابي فيه.
ولعب صفير دوراً بارزاً في تاريخ لبنان الحديث، لا سيما من خلال معارضته الشديدة للهيمنة السورية على لبنان ولاحتفاظ «حزب الله» بسلاحه، وأطلق عليه لقب «بطريرك الاستقلال الثاني».
مراحل كثيرة طبعت مواقف صفير الوطنية في ظل «تهميش» للدور المسيحي السياسي في البلاد في فترة الوصاية السورية، وتمثلت في مقاطعة المسيحيين للانتخابات النيابية في العام 1992، ونفي العماد ميشال عون إلى فرنسا، وسجن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
وخلال هذه المرحلة، رعى صفير أهم الإنجازات التاريخية في الذاكرة اللبنانية، وهي «مصالحة الجبل» في العام 2000 بين الدروز والمسيحيين بعدما كان له موقف حازم من تقاتل الأطراف المسيحية عام 1989. وتحديداً «حزب القوات» ورئيس الحكومة الانتقالية آنذاك ميشال عون وأكد مراراً أنه أضعف المسيحيين في لبنان.
لم يفوّت صفير فرصة في دعم التيار السيادي والمعارض للوجود السوري في لبنان، وتوجت مواقفه في دعم مظاهرات «14 آذار» والقوى الداعية لها، بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005، وهو الحراك الذي أدى إلى الانسحاب السوري في أبريل 2005 من لبنان، وعودة عون من منفاه الباريسي وإطلاق حركته السياسية والمشاركة في الانتخابات، فضلاً عن خروج سمير جعجع من السجن.
ورفض صفير طيلة فترة توليه منصبه زيارة سوريا رغم وجود أبرشية مارونية تابعة لسلطته الكنسيّة فيها، حتى أنه لم يرافق البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته لها عام 2001. وبعد خروج الجيش السوري في العام 2005 من لبنان، لم يتردد في انتقاد «حزب الله» بشدة لرفضه التخلي عن سلاحه، معتبراً أنه يشكل «حالة شاذة» في لبنان. وشدد على أن «السلاح يجب أن يكون حصراً بيد الدولة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.