أزمة الليرة التركية تضرب بورصة إسطنبول و«المركزي» يقر بتراجع الاحتياطي

ارتباك بشأن اختفاء 20 مليار دولار من الحسابات الرسمية في مارس

أزمة الليرة التركية تضرب بورصة إسطنبول و«المركزي» يقر بتراجع الاحتياطي
TT

أزمة الليرة التركية تضرب بورصة إسطنبول و«المركزي» يقر بتراجع الاحتياطي

أزمة الليرة التركية تضرب بورصة إسطنبول و«المركزي» يقر بتراجع الاحتياطي

أغلقت بورصة إسطنبول تعاملات الأسبوع الماضي، على تراجع في مؤشرها الرئيسي بنسبة 2.1 في المائة، بعد تذبذبات على خلفية هبوط سعر صرف الليرة وإجراءات البنك المركزي لوقف نزيفها.
ودفع الهبوط الحاد لليرة التركية خلال الأسبوع الماضي، المستثمرين المحليين والأجانب إلى تقليل ضخ مزيد من السيولة في سوق الأسهم المحلية، لتسجل قيمة التداولات تراجعات كبيرة وسط غياب أفق لظهور محفزات جديدة.
وأغلق مؤشر بورصة إسطنبول الرئيسي في نهاية تعاملات الأسبوع يوم الجمعة عند 94 ألفاً 783 نقطة، بقيمة تداول لم تتجاوز 161.9 مليون دولار. وكان مؤشر البورصة في الأسبوع السابق بلغ 96 ألفاً 861 نقطة، أي أن قيمة المؤشر تراجعت خلال هذه الفترة بنحو 2078 نقطة، بحسب المعطيات المنشورة على موقع البورصة.
وكانت القيمة المسجلة لمؤشر بورصة إسطنبول في إغلاق الجمعة، قريبة من أدنى إغلاق لها منذ تعاملات 3 أبريل (نيسان) الحالي، وفق البيانات الرسمية.
ويخشى المستثمرون الأتراك والأجانب حدوث تراجع أكبر في قيمة الليرة خلال الأيام المقبلة، مع استمرار هبوطها في الأسبوع الماضي، حيث اقتربت من 6 ليرات للدولار في أكبر تراجع منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مع غياب أي أفق للمؤسسات الرسمية لإنقاذ سعر الصرف من التدهور، وهو ما اتضح من خلال قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي التي أقرت في اجتماعها الخميس الماضي، تثبيت سعر الفائدة الرئيسي عند 24 في المائة.
وانسحب كثير من مستثمري بورصة إسطنبول بعد تراجع مؤشرات الاقتصاد وانكماشه بنسبة 3 في المائة ودخوله مرحلة الركود للمرة الأولى منذ 10 سنوات، مع تخوفات من تدخل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في السياسة المالية وضغوطه على البنك المركزي.
وأغلقت الليرة التركية تعاملات الأسبوع عند مستوى 5.93 ليرة للدولار، بينما تم تداولها الأسبوع السابق عليه عند مستوى 5.82 ليرة للدولار.
وكان مؤشر بورصة إسطنبول هبط في 16 أغسطس (آب) 2018 إلى 87.1 ألف نقطة، وهو أدنى مستوى منذ بداية تعاملات فبراير (شباط) 2017 البالغ حينها 86.8 ألف نقطة، وحدث ذلك تزامناً مع ذروة التوتر بين أنقرة وواشنطن على خلفية محاكمة القس الأميركي أندرو برانسون بتهمة التعاون مع تنظيمات إرهابية، قبل أن تفرج عنه السلطات التركية في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
في غضون ذلك، سلطت وكالة «بلومبرغ» الأميركية الضوء على اختفاء 20 مليار دولار من الموجودات التركية بالعملات الأجنبية دون أي تعليق رسمي، وهو ما أثار دهشة المحللين، على حد قولها.
ونقلت الوكالة توقعات باحتمال أن يلقي البنك المركزي التركي الضوء هذا الأسبوع، على هذه القضية التي أثارت قلق المستثمرين رغم الصمت الرسمي المستمر منذ أسابيع. وبحسب تقرير للوكالة، فإن هذا المبلغ «اختفى من الحسابات الرسمية»، ما يمثل فجوة صارخة في المالية العامة للبلاد هزت ثقة المستثمرين وأربكت الاقتصاديين، مشيرة إلى أنه تم رصد اختفاء المبلغ الضخم عندما تعذر تفسير الانخفاض الحاد في الاحتياطيات في أوائل مارس الماضي، من خلال مدفوعات الديون الخارجية ومشتريات الطاقة، ما دفع خدمة «جي بي مورغان» المالية العالمية إلى توصية المستثمرين ببيع الليرة التركية.
ووفقاً للوكالة الأميركية، يبدو أن البنك المركزي التركي حاول التغطية على هذه الثغرة بالشروع في اقتراض مبالغ كبيرة بالدولار من المقرضين المحليين من خلال معاملات المبادلة قصيرة الأجل، وتم تضمين هذه المبالغ في أرقام الاحتياطي الصافي التي نشرتها الجهة المنظمة، وفقًا لـ7 من الاقتصاديين شملهم استطلاع قامت به الوكالة.
وتزامن ذلك مع ما وصفه متداولان، لهما معرفة مباشرة بالتدفقات في سوق الليرة في الأسابيع والأيام التي سبقت الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، بأنها مبيعات بالدولار قوية من المقرضين الحكوميين، وتشير التقديرات إلى أن البنوك باعت ما بين 10 و15 مليار دولار في مارس، طبقًا للتجار. وهي حيلة يبدو أن الحكومة استخدمتها على أمل دفع الليرة قبل الانتخابات لتعزيز حظوظ حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يترأسه إردوغان للفوز بالانتخابات. ورأت الوكالة الأميركية أن غياب الشفافية يزيد من قلق المستثمرين.
في المقابل، أعلن البنك المركزي التركي أن احتياطياته الرسمية من النقد الأجنبي بلغت 96.3 مليار دولار في نهاية مارس الماضي. وبحسب تقرير للبنك، سجل إجمالي الأصول الاحتياطية انخفاضاً بنسبة 3.8 في المائة، منخفضًا من 100.1 مليار دولار في نهاية فبراير (شباط) الماضي. وبلغت احتياطيات البنك 74 مليار دولار من العملات الأجنبية القابلة للتحويل، بتراجع نسبته 4.8 في المائة على أساس شهري. كما انخفضت احتياطيات الذهب بنسبة 0.7 في المائة إلى 20.8 مليار دولار، بما في ذلك ودائع الذهب، وعند الاقتضاء، يتم تبديل الذهب.
وبحسب التقرير، انخفضت الاحتياطيات الرسمية للبنك بنسبة 12.7 في المائة على أساس سنوي، حيث سجلت 110.3 مليار دولار في نهاية مارس 2018.
وبلغت احتياطيات البنك المركزي التركي من العملات الأجنبية أعلى مستوى لها على الإطلاق في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2013، عند 136 مليار دولار، بما في ذلك نحو 21 مليار دولار من احتياطي الذهب.
وأشار التقرير إلى أن صافي مصروفات الحكومة المركزية على المدى القصير، ارتفع بنسبة 70 في المائة إلى 25.2 مليار دولار في مارس الماضي على أساس شهري. وأوضح أن 12.1 مليار دولار من هذا المبلع هو قروض بالعملات الأجنبية والأوراق المالية وحسابات الودائع بالعملات الأجنبية للبنوك الأجنبية والمقيمين بالخارج في البنك المركزي.
وأضاف: «على وجه التحديد، تم استخدام 7.4 مليار دولار في تسديد قروض رئيسية، و4.7 مليار دولار في سداد فوائد للقروض»، مشيراً إلى أن المتطلبات الناشئة عن أنشطة المشتقات المالية في الاحتياطيات الرئيسية للبنك، بلغت 13.1 مليار دولار، منها 9.6 مليار دولار مستحقة في خلال شهر واحد، بينما 3.5 مليار دولار مستحقة في مدى زمني من 4 إلى 12 شهراً. ولفت البيان إلى أن صافي مصروفات الطوارئ على المدى القصير بلغ 31.2 مليار دولار في نهاية مارس، بانخفاض 2 في المائة على أساس شهري.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.