موجة الأفلام الجديدة.. دراكولا لم يمت وفرنكنستين ينتظر صاعقة كهربائية

بعد فشل البطولات الحديثة هذا العام

دراكولا نسخة 1931 مع بيلا ليغوسي في الدور
دراكولا نسخة 1931 مع بيلا ليغوسي في الدور
TT

موجة الأفلام الجديدة.. دراكولا لم يمت وفرنكنستين ينتظر صاعقة كهربائية

دراكولا نسخة 1931 مع بيلا ليغوسي في الدور
دراكولا نسخة 1931 مع بيلا ليغوسي في الدور

سيسجل التاريخ، على الأرجح، أن عام 2014 كان العام الذي تلاشت فيه القدرات الخارقة لأبطال أفلام «الكوميكس» و«السوبر هيرو»، وذلك بعد النتائج المتواضعة للعديد من هذه الأفلام: «رجال إكس: أيام الماضي المقبل» و«فجر كوكب القردة» و«هركوليس» و«كابتن أميركا 2: جندي الشتاء»، وأخيرا «سن سيتي»، كلها سجـلت إيرادات معتدلة هذا الصيف، رغم أن بعضها اعتلى القمة لأسبوع أو أسبوعين.
والحال امتد من قبل الموسم الزاخر، وأصاب الكثير من الأفلام التي أريد لها أن تدوي نجاحا، عوض أن تدوي سقوطا ومنها «جاك رايان مرافق ظل» (تشويق وأكشن)، «مصاحبة» (كوميديا بوليسية)، و«حرب فريق العدالة» (أنيميشن)، و«ثلاثة أيام للقتل» (أكشن)، و«باتريك» (رعب)، و«في الدم» و«لوسي» (سوبرهيرو امرأة) إلخ.
لكن هذا لا يوقف استوديوهات هوليوود عن الإقبال على إنتاج الأفلام التي ترى أن الحياة من دونها غير ممكنة. التنويع ضروري، لكن كذلك العودة في المواسم المقبلة مع مزيد من «سوبرمان» و«المنتقمون» و«ألعاب جوع» و«هوبيت» وما جرى تصويره أو يجري حاليا تصويره استعدادا لتجديد الهجوم على الجمهور الممتنع.

* توزيع أنواع
* لكن هناك استوديو واحد يريد أن يدير نصف ظهره، إن لم نقل ظهره كاملا، لموجة سينما «السوبرهيرو» والمغامرات المنقولة عن أصول مطبوعة ومرسومة (كوميكس)، وهذا الاستوديو هو «يونيفرسال». طبعا لا يود الفكاك من أي طموحات تجارية كبيرة، لكنه أخذ ينظر إلى ماضيه باحثا عن شخصيات يمكن له إعادة نبشها وتقديمها في أفلام جديدة.
الاستوديو يتحدث الآن عن فرانكنستين ودراكولا والمومياء والرجل الذئب، وربما «الرجل الخفي»، ولا يستبعد إعادة صنع واحد من كلاسيكياته الخمسيناتية القديمة، وهو «مخلوق البحيرة السوداء»، في فيلم جديد أيضا.
تاريخيا، «يونيفرسال» هي الشركة الهوليوودية التي تخصصت في الثلاثينات والأربعينات بأفلام الرعب. طبعا، لم يكن هناك أي احتكار تستطيع أي من الشركات الثماني الرئيسة؛ «ديزني»، «باراماونت»، «وورنر»، «كولومبيا»، «فوكس»، «مترو غولدوين ماير»، «يونايتد آرتستس» و«يونيفرسال» القيام به. لكن كل شركة عُـرفت بنوع مارسته أكثر من سواها. فـ«ديزني» للكرتون، و«وورنر» لأفلام العصابات، و«مترو - غولدوين - ماير» للأفلام الموسيقية، و«فوكس» للدراميات الكبيرة والبوليسية، و«كولومبيا» للوسترن، و«باراماونت» خلطت بين معظم هذه الأنواع، وحين ولدت «يونايتد آرتستس» حاولت التميـز بتوزيع الأفلام ذات القيمة الفنية المختلفة. «يونيفرسال»، من ناحيتها، وبينما أنتجت أنواعا أخرى بلا ريب، إلا أنها احتوت الشخصيات الذهبية لسينما الرعب، فقدّمت أفلاما متعاقبة من كلاسيكيات الروايات ذات الشخصيات المخيفة، مثل دراكولا وفرانكنستين والرجل الذئب و«دكتور جيكيل ومستر هايد».
أيامها كان الخوف ينتمي إلى عرض إيحائي غير مدبـوغ بالدماء. العنف يبقى ماثلا في البال، وليس على الشاشة، والشخصيات الناشز والمرعبة كانت لا تملك حصانة اجتماعية ولا تشهد محاولات تحويلها إلى بطولات إيجابية (كما الحال مثلا في سلسلة «غسق» و«رجال إكس»). المختلف هو شخص خطر. قد يكون مخلوقا يعيش حالة أجبر عليها (مثل «فرنكنستين»)، لكن الرعب الذي ينجزه والقتل الذي ينطلق للقيام به لا يمكن أن يدخل أنابيب التحليل الاجتماعي، ومنحه أي تبريرات اجتماعية.

* مخلوق البحيرة
* في عام 1931، وبعد ثلاثة أعوام من نطق السينما، قامت «يونيفرسال» بإنتاج «فرنكنستين» من إخراج جيمس وايل و«دراكولا» لتد براونينغ، واحدا إثر الآخر. الأول، كما وضعته ماري أشلي، والثاني اقتباسا عن رواية برام ستوكر. في تلك السنوات كانت سينما الرعب اكتشافا فعليا وتحديا بصريا وفنيا حيال ما يمكن للسينما أن تفعله، لكي تصنع من الكلمات المكتوبة على نحو يثير فزع القارئ صورا تحمل في طياتها الرعب المطلق بأقل قدر ممكن من المؤثرات الخاصـة.
هذا التيار صاحبه إطلاق عدد من الأفلام المماثلة ألمانيا من بينها «دكتور مابيوز» لفريتز لانغ و«تلميذ براغ» لهنريك غالين و«نوسفيراتو» لـف. ومورناو و«كابينة د. كاليغاري» لروبرت واين. هذه الإنتاجات الألمانية ربما كانت البذرة العالمية الأولى لسينما الرعب، لكنها لم تكن سوى المنوال الذي ترغب شركة «يونيفرسال» إطلاقه من دون أن تتماثل بملامح تلك الأفلام السياسية (العدو في الداخل فاحذروه) أو الفنية (سينما تجريبية وتعبيرية). والغلبة، تجاريا وجماهيريا، كانت بالطبع للآلة الهوليوودية التي تعرف أشياء أكثر حول كيفية الترويج لنفسها. هذا لا يعني مطلقا أن أفلام الرعب التي أطلقتها «يونيفرسال» في حينها كانت ركيكة أو غير جديرة بالإعجاب. على العكس، كانت من بين أفضل ما جرى تحقيقه في سينما النوع لسنوات طويلة.
ما يحدث الآن هو العودة إلى الجذور. «يونيفرسال» لديها خطـة لإيصال الصاعقة الكهربائية بجثـة فرنكنستين ليعيش بها، ونبش قبر دراكولا لإخراجه وتعريض ركاب مركب بحري من العلماء إلى خطر الموت مجددا في بحيرة مغلقة في الـ«أمازون». فالتخطيط بدأ لتقديم «فرنكنستين» كما أخرجه جيمس وايل، وإلحاقه بفيلم آخر له هو «الرجل الخفي» (1933). ومن دون عناء تكشف النقاب عن دراكولا جديد وتقرأ سيناريو فيلم مبني على عمل صامت قامت زميلتها «مترو غولدوين ماير» بتحقيقه سنة 1927. أما العمل على إعادة إطلاق نسخة جديدة من الفيلم الكلاسيكي «مخلوق من البحيرة السوداء» لجاك أرنولد (الذي تم تحقيقه سنة 1954، وبذلك هو الأقرب تاريخا) فجارٍ على قدم وساق على أساس إطلاقه في عام 2016، لكن هذا لا يعني مطلقا أن الجمهور الحالي سيشاهد تقليدا ومحاكاة للأفلام القديمة. كل هذه المذكورة صُوّرت بالأبيض والأسود وعلى نحو معين ناسب جيل ذلك الحين، أما اليوم فإن لمسات «الديجيتال» والمؤثرات الحديثة ستطالها، كما فعلت عندما أعادت الشركة قبل بضع سنوات تحقيق فيلم «المومياء»، وهذا الفيلم الكلاسيكي كان أعيد بصناعة حديثة في التسعينات ومطلع القرن الحالي، وتنوي «يونيفرسال» تحقيقه من جديد.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.