«القاعدة» تفشل في وراثة «داعش» بتونس

فشلت في تقديم خطاب يجتذب المجتمعات المحلية

حراس مسلحون يقومون بدورية على شاطئ مرحباً في سوسة التونسية حيث قتل 38 شخصاً (غيتي)
حراس مسلحون يقومون بدورية على شاطئ مرحباً في سوسة التونسية حيث قتل 38 شخصاً (غيتي)
TT

«القاعدة» تفشل في وراثة «داعش» بتونس

حراس مسلحون يقومون بدورية على شاطئ مرحباً في سوسة التونسية حيث قتل 38 شخصاً (غيتي)
حراس مسلحون يقومون بدورية على شاطئ مرحباً في سوسة التونسية حيث قتل 38 شخصاً (غيتي)

حين بدأ تنظيم داعش يخسر أراضيه في العراق وسوريا في ربيع عام 2015، كانت واحدة من المخاوف الكبرى للقائمين على شأن تحليل شؤون المتطرفين حول العالم، أن يقوم تنظيم «القاعدة» وكوادره، بل وحواضنه البشرية في شمال شرقي أفريقيا بنوع خاص بملء الفراغات التي خلفها أولئك، لكن سؤالا طرحه هارون ي. زيلين الباحث والمؤسس لموقع «دراسات الجهاد» خلال الأيام القليلة الماضية، في ورقة بحثية مطولة له، صادرة ضمن أوراق معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تبين أن ذلك ليس كذلك بالضرورة، والدليل ما جرى في تونس مؤخرا، إذ إن الفرع التونسي لتنظيم «القاعدة» هناك المسمى «كتيبة عقبة بن نافع»، لم يتمكن من التغلب على شبكة «داعش» في تونس ليصبح حامل راية الحركة في تونس، ويبقى السؤال الرئيسي والجوهري عن أسباب ذلك الفشل.
لمعرفة أبعاد تنظيم «القاعدة» في تلك المنطقة الجغرافية ربما يلزمنا العودة إلى منتصف عام 1995، عندما حاول تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، ومجموعاته السابقة، إنشاء شبكة أكبر في تونس، وبعد أن تعهدت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» بمبايعة أسامة بن لادن زعيم القاعدة في سبتمبر (أيلول) 2006، وغيرت اسمها لاحقا إلى «القاعدة في بلاد المغرب» في يناير (كانون الثاني) 2007، أعادت هيكلة تخصيصها للموارد، التي كانت موزعة في السابق على تسع مناطق فقط في الجزائر. وقررت الجماعة تقسيم عملياتها إلى أربع مناطق: الوسط حيث الجزائر، وتونس حيث الشرق، إضافة إلى الجنوب أي الساحل، وأخيرا الغرب في إشارة إلى موريتانيا، الأمر الذي يوضح أهمية الدور الذي ستلعبه تونس وأعضاء التنظيم هناك.
منذ ذلك الوقت اعتبرت «كتيبة عقبة بن نافع» الغطاء الرئيسي لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، وقد ظهرت بشكل رسمي على هذا النحو كنتيجة لعملية «سيرفال» الفرنسية في مالي.
وبالقفز إلى السنوات الخمس الأخيرة حيث بدأ تنظيم «داعش» يتبلور، وبخاصة في الفترة التي سبقت إعلان خلافة «داعش»، وبعدها في أواخر يونيو (حزيران) 2014، شجع المشهد التونسيين المتطرفين على مبايعة زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي ودعمه بالإضافة إلى المشروع الأوسع نطاقا لإحياء الشكل التاريخي للحكومة الإسلامية.
فعلى سبيل المثال في أواخر مارس 2014، أعلنت المنطقة الوسطى لـ«القاعدة في بلاد المغرب» عن تأييدها لـ«داعش»، وشكلت هذه الجماعة الأساس لما سيصبح في النهاية «ولاية» لتنظيم داعش تحت اسم «ولاية الجزائر»، وذلك عقب خطاب أبو بكر البغدادي في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، الذي أعلن فيه توسيع ولاية «داعش» لتخرج عن نطاقها في العراق وسوريا. إلا أن الورقة البحثية التي بأيدينا تضعنا أمام خلاف عميق في الرؤى بين «داعش» و«القاعدة» في تونس، لا سيما من جهة التوجه الاستراتيجي لكل منهما، فـ«القاعدة» في تونس تسعى إلى كسب ود الشارع التونسي، فعلى سبيل المثال ونتيجة لتدهور أوضاع «كتيبة عقبة بن نافع» أصدرت المنظمة بيانا في أواخر أغسطس (آب) 2015، مع شعار رسمي جديد للمساعدة في إعادة تصنيفها وتعزيز جهودها، في نواح كثيرة، وقد كان ذلك أيضا من أجل إعادة تقديم الجماعة للشعب التونسي، وفي البيان بعثت «الكتيبة» برسالة لجهات كثيرة في تونس منها الحكومة والشعب.
وعلى الرغم من خطب الود هذا لجماهير الشعب التونسي، لا سيما أن «داعش» لا يهمه إبداء مودات تجاه أي شعوب المنطقة، وعدم إشارته أبدا إلى معركة كسب القلوب والعقول، فإن ما جعل «القاعدة» تخفق في كسب أفئدة المتطرفين الجدد، أو استقطاب المزيد من الإرهابيين إلى صفوفها، هو أنها لم تتمكن من الوفاء بشكل كامل بادعائها بعدم «سفك دماء المسلمين الأبرياء».
وتؤكد الورقة البحثية التي بين أيدينا أن «كتيبة عقبة بن نافع» غير متصلة بنبض الحركة المتطرفة التونسية، وليست مبتكرة في أسلوب عملها، وتبعد السكان المحليين الذين تحاول كسب ودهم، وقد يجادل البعض بأن هذا هو الحال بالنسبة لـ«داعش» في تونس أيضا، لكن تنظيم «داعش» على عكس تنظيم «القاعدة»، لم يهتم يوما بالحواضن الشعبية من منطلقات عاطفية ولم يقم لمسألة كسب الرأي العام اهتماما.
وعلاوة على ذلك فإنه عند النظر إلى السجناء من المتطرفين التونسيين، يتبين أن معظمهم من أنصار «داعش»، الأمر الذي يسلط الضوء على نقص الدعم الأوسع في البلاد، حتى لو بدا أن كلتا المجموعتين تتمتع بسرعة عملية متشابهة نسبيا في السنوات القليلة الماضية، ويرجع ذلك إلى عدم ترابط شبكة «الكتيبة»، وإلى التجارب المتغيرة للمتطرفين التونسيين منذ الانتفاضات العربية المزعومة، وعدم قدرة «الكتيبة على «مواءمة الدعاية مع الأفعال، وبالتالي خسارة قلوب السكان المحليين وعقولهم».
تاريخيا كانت معظم الجماعات المتطرفة داخل العالم العربي إما متورطة في حوادث إرهابية، أو في مستوى معين من أنشطة التمرد العسكرية. ونتيجة لذلك كانت الأدوات التي يمكن أن يستخدمها المتطرفون في محاولة لتعزيز رسالتهم أو لتنفيذ رؤيتهم للمجتمع مع مرور الوقت محدودة جدا، ومن نواح كثيرة كانت هذه المجموعات تحمل في طياتها بذور الفشل لأنها تعمل سرا وخلسة.
هنا يمكننا فهم لماذا لم تقترب تلك «الجماعات المتطرفة» من السكان المحليين، مما جعل تجاوزها مرحلة أعمال العنف البحتة صعبا، غير أنه ومع أزمنة ما أطلق عليه الربيع العربي، تغيرت هذه الديناميكية التي سمحت للجماعات الجهادية بتوسيع مجموعة إجراءاتها، بسبب فتح الميادين العامة أو الملاذات الآمنة التي تسيطر عليها المنظمات الجهادية، وقد أدى ذلك إلى نمو أنشطة الدعوة بشقيها التوعوي والتبشيري، بالإضافة إلى توفير الخدمات الاجتماعية.
هذه التحولات التي يتوجب على أي باحث في مجال الحركات الأصولية التنبه لها، أدت إلى جذب مجموعة أكبر من الأفراد إلى عدد من المنظمات المتطرفة التي ربما ما كانوا سينضمون إليها لو كانت حركة عنيفة وسرية بحتة.
هنا يضحي التساؤل المثير: ما النقاط التي سببت إخفاقا لـ«كتيبة عقبة بن نافع»، وجعلت هناك مسافة بينه وبين السكان والمواطنين، ولهذا بات عاجزا عن تلقي الإرث الذي خلفه تنظيم «داعش»؟
الشاهد أيضا أن الكتيبة والقائمين عليها فشلوا في تقديم رسائل تتجاوز الحراك الاجتماعي، الذي جاءت به الثورة التونسية، التي كانت المحرك الرئيسي في المنطقة العربية، فلم تعد مسألة مساءلة الحكومات، والتطلع إلى العدالة والحرية والعيش والكرامة الاجتماعية شعارات يسعى الأصوليون إليها، بل باتت توجهات حاسمة وحازمة من قبل «الجماهير الغفيرة»، من العلمانيين أو اليسار، وكذا جماعات الإسلام السياسي. كما أن مجالات العمل الرسمي وفوق الأرض بالنسبة للتيار الأصولي أو الإخواني أضحت متاحة ومباحة للجميع، ما يعني أن ورقة التميز السرية وتحت الأرضية، التي كانت تستغلها الجماعات المتطرفة لم يعد لها موقع أو موضع، وبالتالي فقدت زخمها عند جماهير التيارات الإسلامية العريضة في الداخل التونسي.
إضافة إلى ما تقدم فقد أظهرت الأعوام القليلة الماضية وخصوصا من 2015 وحتى اليوم عدم قدرة «كتيبة عقبة بن ناقع» على التأثير على السكان المحليين واستعطافهم، كما أن كل النيات الطيبة التي حاولت الكتيبة إظهارها للمواطنين قد ذهبت هدرا بل هباء منثورا، فقد تضررت سمعة التنظيم من جراء انحراف الكتيبة نحو سرقة المؤن من منازل السكان المحليين، واقتحام الشركات المحلية للحصول على الإمدادات، وقتلها كثيرا من السكان المحليين بقنابل كان من المفترض أن تكون موجهة ضد قوات الأمن التونسية.
أما الجزئية الكارثية التي تجعل «القاعدة» من دون مستقبل في تونس، وتفشل حتى في الاستيلاء على إرث «داعش» بالقول أو بالفعل، هو أنها ترفع رسالة ضد الحكومة التونسية الحالية، وضد أولئك الذين يؤمنون بالعملية الديمقراطية، إلا أنها لا تقدم في المقابل ما هو خارج إطار ترويع المجتمع المحلي وتنفيره، وهو مجتمع لم يقترب منه عناصر هذين التنظيمين (داعش والقاعدة سويا) أساسا لكونهم مختبئين في الجبال والمغاور وشقوق الأرض.
ولن يكون مستقبل «القاعدة» في تونس بحال أفضل من حال تنظيم داعش، فقد انقطعت صلة شبكتها بالأهالي، وخسرت قلوبهم من جراء إراقة دماء الأبرياء بأفعالها، وفشل الاستعطاف السابق واللاحق في جعل الشعوب تنسى أفعالهم الكارثية، كما أن العناوين البراقة التي تقوم «كتيبة عقبة بن نافع» ببثها بين الحين والآخر، سواء كان ذلك يتعلق بعدم المساواة الاقتصادية أو الإمبريالية التي يمكن أن تجذب المنتمين إلى اليسار العلماني، أو الرسائل التي تتضمن نقاطا اجتماعية معتدلة متعلقة بقضايا المساواة في الميراث بين الجنسين التي قد تغري الإسلامويين، كل ذلك يزول عندما يعزل العنصر نفسه عن الأفراد الذين يحاول كسب دعمهم. الخلاصة لن ترث «القاعدة» تنظيم «داعش» في الحال أو المستقبل.


مقالات ذات صلة

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.