سودانيون عائدون بعد سنوات في المنفى: «اشتقنا لتراب البلد»

معارضون يروون قصص عودتهم بعد عزل البشير

متظاهر في الخرطوم يلوح بعلم البلاد (أ.ف.ب)
متظاهر في الخرطوم يلوح بعلم البلاد (أ.ف.ب)
TT

سودانيون عائدون بعد سنوات في المنفى: «اشتقنا لتراب البلد»

متظاهر في الخرطوم يلوح بعلم البلاد (أ.ف.ب)
متظاهر في الخرطوم يلوح بعلم البلاد (أ.ف.ب)

بعد 10 سنوات من النفي والتشريد، قضاها علي محمود حسنين (معارض سوداني - 80 عاماً) متنقلاً بين العواصم الأوروبية، إثر منعه من دخول البلاد، من جانب الرئيس السوداني السابق عمر البشير؛ عاد «حسنين» إلى الخرطوم، الأسبوع الماضي، بذاكرة تحمل سنوات الشتات والنضال ضد نظام البشير.
قال حسنين، وهو مؤسس «الجبهة الوطنية العريضة»، وهو كيان سياسي نشطت أدواره في معارضة البشير من الخارج، بعد وصوله الخرطوم، لـ«الشرق الأوسط»: «ستكون العودة الأخيرة إلى الوطن؛ لن أخرج منه مرة أخرى».
عقب وصول طائرته القادمة من العاصمة البريطانية إلى مطار الخرطوم، كان أول ما فعله حسنين هو تقبيل الأرض؛ التي غُيب عنها قسرياً عقداً من الزمن، قبل أن ينتقل بعد ذلك لساحة الاعتصام، الواقعة أمام قيادة الجيش السوداني، برفقة حشد من أنصاره، كانوا في استقباله، من أجل تحية المحتجين على صمودهم أمام «نظام إرهابي دموي عميل للذي يدفع»، على حد وصفه.
يصف حسنين مشاعر قدومه الأول: «دخلت السودان كفاتح منتصر، كُنت أشتاق للبلد، أموت شوقاً للخرطوم ولأهلي الغائب عنهم».
توقع المعارض السوداني الإطاحة بنظام البشير، بثورة شعبية، في ظل اشتداد الأزمات الاقتصادية، واتساع دائرة القمع السياسي، ويوضح: «كُنت فاعلاً ومُحرضاً ومنتظراً للثورة انتظاراً».
في عام 2009، سجلت ذاكرة حسنين، آنذاك، أول رحلة شتات له من بلده، إثر تلقيه تهديدات بالقتل من جانب نظام «البشير»؛ بعدما نشطت أدواره في معارضة سياسات النظام آنذاك، وتأييده لمُحاكمة البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ ليصدر بحقه قراراً بسجنه 3 سنوات كاملة داخل زنزانة انفرادية، مع منع الزيارات عنه.
مضت حياة المعارض، قبل هذا الخروج، متأرجحة بين الاستقرار بعض الوقت، والتضييق المُستمر على عمله، بدأت بعزله من منصبه قاضياً، وانتهت بتهديده بالقتل؛ لينتقل عقب خروجه من السجن إلى مصر، عبر الحدود البرية، مستفيداً من سهولة السفر بين البلدين، آنذاك، ببطاقة الهوية فقط، ودون الحاجة إلى تأشيرة سفر مسبقة، كمحطة انتقالية للعاصمة البريطانية؛ التي صارت موطناً بديلاً له يتابع منها أحوال بلاده.
لم تغب قضية السودان عن حسنين، وهو من أوائل خريجي كُلية القانون جامعة الخرطوم، على مدار سنوات بقائه في المنفى، إذ أسس كياناً معارضاً يضم آلاف السودانيين الموجودين في الخارج، وتنقل بين العواصم الأوروبية، والبرلمانات الدولية، للدفاع عن قضية بلاده.
ويرسم المعارض العائد صورة لمستقبل بلاده كما يأمل أن يراها: «أحلم أن تُصبح السودان دولة عظمى، ويحكمُنا نظام مدني مستقر. ثبت أننا شعب قوي، والمرأة السودانية من أقوى نساء الدنيا، لنا مياه كافية، وأرض خصبة، وثروات طبيعية تجعلنا في مصاف الدول المتقدمة».
يسكت برهة، ثم يعود بصوت متَهدج من الغضب: «هؤلاء المجرمون الذين حكمونا، جعلونا شعباً يتسول، لا يجد البترول، رغيف الخبز... لا يجد أي شيء».
يُكمل: «نظام البشير تاجر بالدين من أجل تحقيق مكاسب شخصية له»، ويتساءل: «كيف ارتضينا أفعال البشير لثلاثة عقود، من نهب للبترول، وسرقة أموال شعبه، وقتل لكل معارض له؟»
ويغيب أي إحصاء رسمي لعدد السودانيين المنفيين في الخارج لأسباب سياسية، بينما تُشير إحصائية صادرة في أغسطس (آب) العام قبل الماضي، عن جهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج، وهو مؤسسة حكومية، أن العدد الإجمالي للمهاجرين السودانيين في الخارج يصل لنحو 5 ملايين مواطن.

دموع العودة

و«حسنين» ليس استثناء من بين آلاف السودانيين، ممن عادوا لبلادهم عقب الإطاحة بالبشير من الحُكم، ورفع حظر السفر عن جميع المعارضين السياسيين، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في أنحاء البلاد. إذ انتقل عادل التيجاني (45 عاماً) هو الآخر، من منفاه الاختياري بباريس، إلى الخرطوم، قبل أيام معدودة، لزيارة عائلته، والانضمام للمحتجين بعد 5 سنوات قضاها في الخارج.
غلبت عادل الدموع في اللحظات الأولى لوصوله مطار الخرطوم، بعدما غادرها مضطراً إثر ملاحقات قضائية له بسبب كتاباته المنتقدة لسياسات النظام الحاكم، ويقول: «هو التجلي الحقيقي للانتصار في الحياة؛ عشنا خيبات كثيرة جعلتنا مهزومين، أطاحت بأحلامنا؛ وحان وقت الاستفاقة».
خرج التيجاني من بلاده بشكل شرعي، عبر مطار الخرطوم، تفادياً للتضييق المستمر على رزقه، بعدما نشطت أدواره في أحزاب سياسية معارضة، لينتقل مع عائلته إلى العاصمة الفرنسية، باحثاً عن وطن بديل، يعيش فيه في مأمن من عواقب السلطة «غير المأمونة» التي ظلت تطارده في منفاه الاختياري.
وسبق للسفارة السودانية في باريس بعث رسائل تحذير للتيجاني وغيره من السودانيين المُقيمين في المدن الفرنسية، من مزاولة أي نشاط سياسي مناهض لنظام الحُكم أو حضور مؤتمرات دولية تندد بجرائمه في حرب دارفور، حسب التيجاني، الذي يوضح أن الوقت قد حان للتخلص من كل آثار حُكم البشير «الدموي»، وتحديداً «الخوف» الذي زرعه داخل كُل سوداني، سواء أكان مُقيماً داخل البلاد أم خارجها.
وكان الزعيم السوداني المعارض الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، أول القادمين لبلاده، في ذروة الاحتجاجات التي شهدتها بلاده، في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، بعد قضائه نحو عام في المنفى، متنقلاً خلالها بين مصر وبريطانيا، بعدما اتهمه النظام الحاكم بالتآمر للإطاحة بالبشير بعد لقاء في باريس للمعارض السوداني مع أحد زعماء المتمردين.
وارتفعت أعداد السودانيين المنتقلين خارج بلادهم، لأسباب سياسية، خلال الأيام الأولى للاحتجاجات الشعبية، التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول)، وبلغت ذروتها في 11 أبريل (نيسان) الحالي، تفادياً لحملات الاعتقال الواسعة التي نفذتها قوات الأمن تجاه كل معارض.

الفرار من البطش

من بين هؤلاء الفارين من بطش النظام الأمني السوداني في الشهور الأخيرة «التقيّ عثمان الدين» البالغ من العمر 47 عاماً، الذي يعمل مديراً لتحرير صحيفة «البعث» السودانية، وهي مطبوعة ورقية معارضة؛ إذ انتقل في 17 مارس (آذار) إلى مصر عبر الحدود البرية، بعدما أدرجت السلطات اسمه في قضية تتهمه فيها «بالإخلال بالسلامة العامة، ومحاولة تقويض النظام الدستوري».
وتعود وقائع تلك القضية إلى شهر ديسمبر، حين شارك «التقيّ» في مسيرة احتجاجية نظمها «تجمع المهنيين السودانيين» إلى القصر الجمهوري، للمُطالبة بتنحية النظام الحاكم؛ لتعتقله قوات الأمن، ويظل مُحتجزاً ليوم كامل، قبل أن يتم ترحيله رفقة آخرين لأقسام الشرطة التي أخلت سبيلهم، على ذمة قضية بدأت أولى جلساتها في 31 مارس؛ قبل أن يتم إغلاقها من جانب المجلس العسكري السوداني، ضمن سلسلة قرارات شملت إلغاء جميع الأحكام القضائية الصادر بحق المحتجين، عقب سقوط البشير.
ومنع جهاز الأمن والاستخبارات صحيفة «البعث»، التي يعمل فيها «التقي» من الصدور للمرة التاسعة، في فبراير (شباط) الماضي، فيما صدر بيان عن الهيئة التحريرية للصحيفة أكد فيه أن الصحيفة لن «تحيد عن خطها التحريري المهني، أو تتجاهل خروج المظاهرات وسقوط الشهداء».
يقول «التقي» من مقر إقامته في العاصمة المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «سأعود إلى البلاد الأسابيع المُقبلة». لكنه يستدرك: «أخشى أن تكون هناك خدعة ما للإيقاع بجميع معارضي النظام؛ خصوصاً أن نظام البشير ما زال يحكم إلى الآن».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.