تحليل إخباري: باريس تسعى لتوضيح سياستها في ليبيا... ودحض «مزاعم» دعمها لحفتر

قالت إن اتهامات وزير داخلية ليبيا لا تعبر عن موقف حكومة طرابلس

TT

تحليل إخباري: باريس تسعى لتوضيح سياستها في ليبيا... ودحض «مزاعم» دعمها لحفتر

بعد الضبابية التي خيمت على موقف باريس من حملة المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، للسيطرة على طرابلس، واتهامات وزير الداخلية الليبي لفرنسا بالوقوف وراءه، إضافة إلى الغموض الذي أحاط بتوقيف 13 فرنسيا مع أسلحتهم على الحدود التونسية ــ الليبية وهم من حملة الجوازات الدبلوماسية، كان على باريس أن تجلو «الغموض»، وتعبر عن موقف منسجم وواضح. وهذا ما قامت به الدبلوماسية الفرنسية خلال الأيام القليلة الماضية عبر اتصالات وبيانات، هدفت كلها إلى «كسر» الصورة التي تجعل فرنسا في صف حفتر.
وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إن فرنسا «دعمت فعلا حفتر»، عسكريا وأمنيا واستخباريا منذ العام 2015. انطلاقا من مبدأ أنه الطرف القادر على محاربة الإرهاب، وتأمين الاستقرار، وخاصة الموارد النفطية. لكن مع وصول الرئيس ماكرون إلى السلطة، وبعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني، بإدارة فائز السراج، «عدّلت» باريس موقفها، واعتبرت أنها قادرة على لعب دور أكبر من خلال دفع الرجلين (السراج وحفتر) إلى التفاهم. وقد برز ذلك في استفراد فرنسا بالدعوة إلى «قمة» جمعتهما في يوليو (تموز) 2017. ثم في قمة ثانية في مايو (أيار) من العام الماضي، بحضور ممثلين عن مجموعة دول، بينها إيطاليا، وغسان سلامة الموفد الجديد للأمم المتحدة. وقد كانت حصيلة القمة الثانية التفاهم على «خارطة طريق»، أبرز ما فيها الاتفاق على انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية 2018. وتوحيد المؤسسات بما فيها العسكرية. وكان لماكرون جملة «معبرة» بشأن التوفيق بين الرجلين، إذ اعتبر أن السراج يمثل «الشرعية السياسية»، بينما يمثل حفتر «الشرعية العسكرية».
عمليا، ساعدت باريس حفتر من خلال دفعه إلى الواجهة، وإسباغ نوع من الشرعية عليه، وتمكينه من أن يصبح «رقما صعبا» في المعادلة الليبية، و«جزءا من الحل وليس المشكلة». بيد أن باريس وضعت، عمليا، في صف حفتر إلى جانب دول عربية أخرى، إضافة إلى روسيا. وقد اتهمت باريس بعرقلة صدور بيان عن الاتحاد الأوروبي بشأن ليبيا. وساهمت الصحافة الإيطالية في تأجيج الحملة على باريس من خلال اتهامها بـ«إعطاء» الضوء الأخضر لحفتر لإطلاق عمليته العسكرية تجاه الغرب الليبي، الأمر الذي رد عليه قصر الإليزيه بالتأكيد على أنه «لم يكن على علم» بهجوم حفتر، وأنه ليس لباريس «أجندة سرية» في ليبيا.
من هنا كان واضحا للمسؤولين الفرنسيين أن عليهم التحرك لـ«توضيح» الصورة، وقد تم ذلك على مستويين: الرئاسة الفرنسية من جهة، والخارجية من جهة أخرى. كما قام مندوب فرنسا في الأمم المتحدة فرنسوا دو لاتر بجهود في مجلس الأمن. وهكذا، تواصل الرئيس ماكرون مع أمين عام الأمم المتحدة والسراج وحفتر لوضع الأمور في سياقاتها، واستفاد من القمم الأوروبية لتوضيح رؤية بلاده. أما وزير الخارجية فتواصل مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، ومع غسان سلامة، ومع أطراف أوروبية وعربية معنية بالدرجة الأولى بالملف الليبي. ونتيجة لهذه الاتصالات فإن الموقف الفرنسي الرسمي يقوم اليوم على الدعوة لـ«وقف سريع لإطلاق النار»، والعودة من غير تأخير للمسار السياسي، ودعم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة.
وأول من أمس، جاء في بيان للخارجية الفرنسية أن باريس «أعلنت معارضتها» للحملة العسكرية، وأنها «تدعم حكومة الوفاق»، وهي «تقيم تعاونا أمنيا وثيقا، يتجسد خصوصا في تأسيس الحرس الرئاسي، وتعزيز القوات البحرية الليبية». لكن اللافت في رد باريس على اتهامات وزير الداخلية الليبي تساؤلها عما إذا كان كلامه «يعبر عن وجهة نظر كل حكومة الوفاق».
وردا على الذين يتهمون باريس، ضمنا، بعرقلة التوصل إلى موقف دولي لوقف إطلاق النار، أكدت الخارجية الفرنسية أنها «تعمل دون هوادة» مع شركائها في مجلس الأمن من أجل اعتماد قرار يدعو إلى وقف النار. وفي بيان سابق أعقب اتصال لو دريان بغسان سلامة أكدت باريس أنها «تعتزم مواصلة بذل جهودها إلى جانب الليبيين، وشركائها الأوروبيين، والبلدان المجاورة لليبيا من أجل التوصّل إلى تسوية قائمة على التفاوض حول هذا النزاع، إذ يمثّل إنهاؤه رهاناً بالغ الأهمية لأمن القارة الأوروبية، ولاستقرار حوض البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الساحل، ولضبط موجات الهجرة».
لا يبدو أن هذه البيانات ستكون كافية لإبعاد باريس عن شبهات التحيز. لكن إطالة أمد المعارك يضع باريس في موقف «صعب» إزاء الضغوط التي تمارس على المستوى الدولي، والتي لا تستطيع أن تواجهها علنا. من هنا «تشيدها» على وقف سريع لإطلاق النار من غير أن يصل ذلك إلى «إدانة» خطط حفتر. وما يبدو شبه مؤكد هو أن باريس تريد دولة قوية في ليبيا، بالنظر لما لها من مصالح استراتيجية واقتصادية وسياسية في شمال أفريقيا وبلدان الساحل. فضلا عن ملف الهجرة، وما له من انعكاسات على الوضع السياسي الداخلي في فرنسا، وفي أوروبا، خصوصا أنها تقف على عتبة الانتخابات الأوروبية المقررة نهاية مايو القادم، والتي يريد اليمين المتطرف والشعبوي الاستفادة منها لبسط توازنات سياسية جديدة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».