البرهان في مواجهة «برهان» الولاء للثورة

أصدقاؤه نفوا علاقته بتنظيم «الإخوان»

البرهان يتحدث مع المعتصمين أمام مقر القيادة العامة قُبيل تنصيبه (أ.ف.ب)
البرهان يتحدث مع المعتصمين أمام مقر القيادة العامة قُبيل تنصيبه (أ.ف.ب)
TT

البرهان في مواجهة «برهان» الولاء للثورة

البرهان يتحدث مع المعتصمين أمام مقر القيادة العامة قُبيل تنصيبه (أ.ف.ب)
البرهان يتحدث مع المعتصمين أمام مقر القيادة العامة قُبيل تنصيبه (أ.ف.ب)

تفاجأ الثوار السودانيون بضابط رفيع يدخل عليهم في ميدان الاعتصام، كان ذلك قبل أن يُعلن الرجل رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم السودان عقب إطاحة الرئيس عمر البشير.
استقبل الثوار الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، بهتافات تنادي بإسقاط سلفه عوض بن عوف، وذلك بعد يوم واحد من تلاوته لبيان انحياز الجيش للشعب، وخلع البشير استجابة للإرادة الشعبية.
في ذلك اللقاء وعد الرجل الثوار بتحقيق مطالبهم، ثم أخذ معه إلى مكتبه رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق إبراهيم الشيخ، وتم تداول أن الشيخ أبلغه مطالب «قوى الحرية والتغيير» المعارضة، فأجابه بـ«أنهم» على استعداد لقبول طلباتهم كافة.
فجأة أطلق جنود الحراسة والجنود المنتشرون بين الثوار، الرصاص في الهواء بكثافة تعبيراً عن فرحهم، بـ«إشارة» وردت إليهم أن نائب الرئيس السابق عوض بن عوف، تنازل عن منصبه رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي، وعين الفريق البرهان مكانه.
الثوار تقافزوا فرحاً، وعلت أصواتهم مرددين الهتافات: «سقطت تاني»، معتبرين تنحية بن عوف انتصاراً لثورتهم، وفي وقت وجيز توافد عدد إضافي إلى ساحة الاعتصام قبالة القيادة العامة، قدرتهم تقارير صحافية بـ«الملايين»، لكن الثوار هتفوا فوراً «ما ماشين... ما ماشين»، استمراراً الاعتصام.
الرائد متقاعد أحمد بابكر التجاني، وهو دفعة البرهان في الكلية الحربية، لكنه أحيل للتقاعد بعد مشاركته في المحاولة الانقلابية الشهيرة بـ«حركة رمضان» 1990 ضد نظام البشير، ونجا من الإعدامات التي رافقتها بأعجوبة، يقول: «البرهان عسكري قح».
ويضيف: «زاملته في الكلية الحربية السودانية الدفعة 31. وعلاقتي معه كانت وطيدة، ومن أصدقائي المقربين»، ويتابع: «برهان عسكري متميز، كان من الأوائل في دفعته، يحظى بحب واحترام عساكره ومرؤوسيه».
عمل برهان بعد تخرجه برتبة الملازم في قوات حرس الحدود، ثم تنقل في عدد من الوحدات العسكرية، كما عمل طويلا في «أعالي النيل» بجنوب السودان، لكن معظم خدمته كانت في القيادة الغربية للقوات البرية بمدينة «زالنجي» بدارفور.
تدرج البرهان في الرتب العسكرية، حتى ترقى لرتبة الفريق، وتم تعيينه رئيساً لأركان القوات البرية، قبل أن تتم ترقيته لفريق أول وتعيينه «مفتشاً عاماً» للجيش السوداني، وهي الوظيفة التي ظل يشغلها حتى إعلانه رئيسا لـ«المجلس العسكري الانتقالي» أمس.
رفض الثوار سلفه عوض بن عوف، لأنه ينتمي لتنظيم الإخوان المسلمين، ولأنه كان جزءًا من نظام البشير، لكن البرهان وفقاً للتجاني «لا علاقة له بالسياسة، وهو بلا لون سياسي»، ويتابع: «لا ينتمي للإخوان أو يميل إليهم، وترقى في الجيش لكفاءته ومهنيته».
ويوضح أن برهان وصل لمكانته لتمتعه بكفاءة نادرة، وليس لأنه موالٍ للحزب الحاكم، ويضيف: «حصافته وشطارته وصبره وذكاؤه، أهلته للترقي والبقاء في القوات المسلحة».
يقول التجاني، ظل الرجل وفياً لأصدقائه وأبناء دفعته ولم يغير تعامله معهم ويضيف: «حتى الأسبوع الفائت كان جالساً معنا في بيت أحد الزملاء، وهو تقليد حرصنا على إقامته أسبوعياً كأبناء دفعة».
أما زميله اللواء معاش عبد الرحمن عبد الحميد، فيقول، التقيته أول مرة في الكلية الحربية 1980. و«من ذلك الوقت نحن أولاد دفعة»، يتمتع الرجل بذكاء لافت وحكمة بائنة، هادئ ومرتب وبسيط، لا يعرف الحقد.
بحسب عبد الحميد، فإن الابتسامة لا تفارق وجهه، يقبل النقد والرأي الآخر، وكتوم لا يتحدث عما يضايقه، ويثق فيمن يتعاملون معه، ويجعلهم يثقون فيه.
ويوضح أن الرجل بدون انتماء سياسي، ويتابع: «ليس كل الضباط إخوان، ناسهم معروفون، نحن دخلنا الجيش قبل الإنقاذ، المتسلقون هم انتموا للمؤتمر الوطني»، كان الأكفأ لذلك بقي في الجيش ما أوصله للرتبة بـ«العسكرية وليس بالانتماء».
ويتابع: «الضباط غير الإسلاميين، يجدون مضايقات شتى، ولا يحصلون على امتيازات كثيرة، لكنا ودفعتي البرهان بقينا في القوات المسلحة لأنا رضعنا من شطر الوطنية الممثل في القوات المسلحة»، ويضيف: «حاشاه أن يكون مؤتمر وطني، أنا شخصياً أحلت للتقاعد لأنهم كانوا يريدون شخصاً موالياً لهم»، ويستطرد: «كفاءة البرهان هي من أبقته في الجيش وليس ولاءه».
أصدقاء الرجل يصفونه بأنه رجل المرحلة، لكن أحد زملائه الضباط قال لـ«الشرق الأوسط»، إن برهان، وعلى التزامه وصرامته، قد لا يصلح رئيساً فالرئاسة تحتاج لقدرات أخرى غير القدرات والصرامة العسكرية.
رأى عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن النور عام 1959 بمنطقة قندتو، ضواحي شندي بشمال السودان، وينتمي من جهة الأم إلى أسرة الشيخ «علي الحفيان» صاحب خلاوي تحفيظ القرآن الشهيرة.
وتقول مصادر، إن ثمة علاقة رحم تجمعه بالرئيس السوداني الأسبق «الفريق إبراهيم عبود» من جهة الأب، لكن زملاءه ودفعته قالوا إنه لم يذكر هذه القرابة.
متزوج من السيدة «فاطمة» قريبته من جهة الأم، وهي إحدى سليلات «الشيخ علي الحفيان»، ورزق منها بخمسة أبناء «ولدين وثلاث بنات» هم على التوالي: «منذر، محمد، رؤى، وئام، وأصغرهن ليم».
لكن الرجل رغم سيرته العسكرية والأسرية الحافلة، مطلوب منه البرهنة على التزامه بتحقيق أهداف الثورة التي أطاحت البشير أول الأمر، ثم أطاحت ابن عوف ثانياً، ثم أجلسته على «كرسي القيادة الساخن».



المجاعة تهدد أطفال غزة وأمهات يبحثن عن الحليب

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
TT

المجاعة تهدد أطفال غزة وأمهات يبحثن عن الحليب

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)

تبحث أميرة الطويل في صيدليات قطاع غزة عن حليب لإطعام طفلها يوسف، الذي يحتاج إلى علاج وغذاء، لكن كل محاولاتها لتأمينه باءت بالفشل. يستلقي يوسف بجسده النحيل على السرير في مستشفى الأقصى في دير البلح وقد ربطت رجله بحقن وريدية.

تقول الطويل لوكالة الصحافة الفرنسية: «يوسف يحتاج إلى علاج وغذاء جيد، الحليب غير متوفر نهائياً». وتضيف الأم: «أُطعمه حالياً بعض القمح، لكن لا حليب. هذا ما يجعله يعاني من الانتفاخ، طلبوا مني أن أجري له فحصاً لحساسية القمح».

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 32 شخصاً بسبب سوء التغذية.

وقالت «منظمة الصحة العالمية»، السبت، إن أكثر من 4 من أصل 5 أطفال أمضوا يوماً كاملاً من دون تناول الطعام مرة واحدة على الأقل خلال 3 أيام.

وقالت المتحدثة باسم «منظمة الصحة العالمية» مارغريت هاريس، في بيان، إن «الأطفال يتضورون جوعاً».

وبحسب منظمات الإغاثة، فإن ارتفاع معدلات سوء التغذية بين أطفال غزة دون الخامسة سببه عدم وصول المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة إلى من يحتاجون إليها.

إغلاق المعابر

بدأت الحرب في قطاع غزة مع شنّ «حماس» هجوماً غير مسبوق على الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر تسبّب بمقتل 1189 شخصاً، معظمهم مدنيون.

وردّت إسرائيل متوعدة بـ«القضاء» على «حماس»، وهي تشنّ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمر على قطاع غزة، تترافق مع عمليات برية، ما تسبب بسقوط 36439 قتيلاً، معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة التابعة لـ«حماس».

بعد فحص أجراه مكتب «الأمم المتحدة» لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لأكثر من 93400 طفل دون الخامسة في غزة للتأكد من سوء التغذية، خلصت النتائج إلى أن 7280 منهم يعانون سوء تغذية حاداً.

وينتشر سوء التغذية في شمال قطاع غزة بشكل خاص حيث لم يتلقَّ من بقوا هناك من السكان سوى قليل من المساعدات في الأشهر الأولى من الحرب.

في الأسابيع الأخيرة تم تحويل جزء كبير من المساعدات الغذائية عبر المعابر، وذلك بعد تحذيرات من مجاعة وشيكة.

أما الطفل سيف فقد بدا منهكاً للغاية وبالكاد يستطيع التنفس.

وتقول والدته نهى الخالدي: «طوال الليل وهو يتألم ويعاني المغص والانتفاخ، تم تأجيل العملية التي كانت مقررة له، وهذا يمكن أن يسبب له انفجاراً في الأمعاء».

وتضيف الأم: «نعتمد على ما يأتي من مساعدات لإعطاء الأولاد، وهذا يؤثر كثيراً على صحتهم لأنهم اعتادوا على حليب يتناسب مع أجسادهم».

لكنها تتدارك وهي تحاول حبس دموعها «لا يتوفر أي نوع حليب في الأسواق».

ويؤكد طبيب الأطفال في مستشفى الأقصى، حازم مصطفى، أن إغلاق إسرائيل للمعابر أدى إلى تفاقم الوضع.

ويعدّ معبر رفح المنفذ الرئيسي لدخول المساعدات إلى قطاع غزة من مصر، قبل أن تقوم إسرائيل في 7 مايو (أيار) المنصرم بعملية برية وتسيطر على المعبر الحدودي.

ومنذ ذلك الوقت، لم تسمح إسرائيل بدخول أي مساعدات إلى قطاع غزة، كما لم يتمكن أي من الجرحى والمرضى من الخروج للعلاج.

ويقول الطبيب مصطفى، وخلفه على شاشة الحاسوب صورة أشعة لقفص صدري لأحد المرضى، إن الأخير يعاني «ضعفاً شديداً في جسمه وسوء نمو بسبب منع الاحتلال دخول الأغذية، وخصوصاً الحليب للأطفال».

ويطالب بـ«إدخال كميات وافرة من الحليب حتى تتمكن الأمهات من إعطاء أطفالهن الغذاء المناسب ليكونوا بصحة جيدة».