ينسق عدد من الوزارات والهيئات الرسمية السعودية فيما بينها، من أجل التوصل إلى صيغة مناسبة وقانونية لتنظيم السوق الإلكترونية في السعودية، في وقت شددت فيه مؤسسة النقد العربي السعودي من مراقبتها للحسابات البنكية التي تجري عليها عمليات نشطة، خصوصا الفردية منها، حيث تهدف إلى مكافحة غسل الأموال أو أي أنشطة مرتبطة بها.
ويأتي هذا التنسيق الأكثر جدية في وقت تتوسع فيه التجارة الإلكترونية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل («تويتر»، «فيسبوك»، «إنستغرام»، و«الواتس آب»)، حيث تعرض من خلال هذه الوسائط بضائع، ابتداء من المأكولات حتى الكماليات، وهي الأكثر انتشارا، وتحوّل الأموال - عادة - من المشتري إلى البائع، قبل أيام من موعد التسليم المتفق عليه، من خلال حوالة مالية، وأحيانا يكون تسلم المبلغ وقت تسلم البضاعة، ويجري تسليم النقد مباشرة، وبعدها يُودع من يمارس هذا النوع من التجارة - غالبا - المبلغ في البنك الذي يتعامل معه، محاولا إخفاء مصدر الأموال، على اعتبار أنه لا يملك التصريح لممارسة هذا النوع من التجارة.
ويودع ممارس هذا النوع من النشاط التجاري المداخيل التي يوفرها له النشاط في الحساب الشخصي الخاص به، مما يجعل هناك تضاربا في المعلومات المالية التي أفصح عنها العميل للبنك، حينما وقع اتفاقية فتح الحساب، ويعرّض الحساب الشخصي في حال وجود تضارب في المعلومات المقدمة والحركة الحقيقية على الحساب للإغلاق ومساءلة صاحب الحساب من البنك أولا، ومن ثم من مؤسسة النقد، التي تنضوي تحتها البنوك السعودية ممثلة عن الحكومة.
وأقرّت مؤسسة النقد العربي السعودي إجراءات مشددة لمراقبة الحسابات الشخصية، خصوصا للأجانب الذين يستقدم الغالبية العظمى منهم للسعودية بهدف الانضمام إلى القطاع الخاص بعقد وراتب، ولكن هناك من يستخدم حسابه الخاص لأغراض الجهة التابع لها من القطاع الخاص، مما يرفع من احتمالية غسل الأموال، وهذا ما جعل مؤسسة النقد تشدد على البنوك بضرورة عدم التساهل في تطبيق القانون.
ووسط هذه التحركات الحكومية، وفي مقدمتها وزارة التجارة لتنظيم هذا النوع من الاستثمار وجعله مشروعا، حسب أنظمة وإجراءات محددة تحمي البائع والمشتري - على حد سواء - يسود القلق لدى شريحة واسعة من المتعاملين مع هذا النوع من الاستثمار، من تعرض حساباتهم للإغلاق والتعرض للمساءلة القانونية، في حال لزم الأمر.
من جانبه، كشف مصدر مسؤول في وزارة التجارة والصناعة السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، فضّل عدم ذكر اسمه، أن الوزارة لديها تحركات جدية لتنظيم هذا النوع من الاستثمار وترخيصه، وجعله أكثر مشروعية لحماية المتعاملين فيه من الإجراءات القانونية، حيث يجري تنسيق مع جهات حكومية عدة للتكامل في عملية التنظيم وإقرار التشريعات.
وبيّن أن الوزارة تهدف إلى إقرار تشريعات بهذا الشأن، تحمي البائع والمشتري - على حد سواء - بحيث تكون العملية مضمونة، وتتراجع نسب الاحتيال فيها، خصوصا من قبل البائع الذي يعرض صورا - عادة - في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن في أحيان كثيرة وحسبما يرد للوزارة من معلومات، لا يقدم نفس المنتج المتفق عليه، وليس هناك قانون يحمي المشتري من خلال التجارة الإلكترونية، على العكس تماما في التعاملات التجارية التي تقع تحت المراقبة المباشرة من وزارة التجارة.
وعن هذا النوع من التجارة والتهديد الذي بات يحاصرها قانونيا، قال المتخصص في التجارة الإلكترونية مازن الضراب، لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن أن يكون هذا النوع من التجارة مشروعا ولا يلاحق ممارسه في هذه الفترة قبل إقرار التشريعات اللازمة، من خلال الحصول على سجل تجاري من وزارة التجارة والصناعة، وفتح حساب بنكي باسم المؤسسة التي تمارس هذا النوع من النشاط، وهذا ما سيعزز من مصداقية هذا النوع من التجارة، بحيث تحول الأموال إلى حساب المؤسسة، ويوضح سبب تحويلها، وتجري العملية سلسة بين المشتري والبائع وبطريقة قانونية، كون مصدر الأموال المودعة في البنوك سيكون معروفا».
ويضيف الضراب: «فعلا هناك من دخل سوق التجارة الإلكترونية وشوّه سمعتها من خلال النصب والاحتيال، وهذا بكل تأكيد موجود في أي مجال، ولكن في النهاية المسؤولية تقع على المشتري بأهمية التعامل مع الجهات الموثوق بها، وإذا كانت هناك ضرورة أو حالة استثنائية للتعامل مع جهات غير معروفة، خصوصا الأفراد منهم، فمن المهم أن يكون الشرط هو تسليم المبلغ متزامنا مع تسلم البضاعة، والتأكد من سلامتها، وهذا النوع من التعامل يكون أكثر مصداقية ويلقى الرواج الأكبر في هذا النوع من التجارة، ومن المهم التركيز على التعامل مع مؤسسات وليس مع أفراد».
وشدد على أهمية ألا يتعدى التدخل الحكومي في هذا النوع من التجارة التنظيم فقط، وليس تعكيرها والتضييق على ممارسيها بشكل منفّر يجعل السوق السوداء حاضرة بقوة، ويكثر الغش التجاري، خصوصا أن الدول التي تنشط فيها التجارة الإلكترونية المرخصة لا يكون فيها التدخل الحكومي سوى للتنظيم وليس التضييق عليها بأنظمة مشددة، مبينا أن التنظيم الحكومي لهذا النوع من التجارة سيكون له أثر في تحقيق المتطلبات، وفي مقدمتها مكافحة غسل الأموال والغش التجاري، وكذلك النصب والاحتيال.
وكشف عن أن هناك تواصلا يجري من قبل ممارسين لهذا النوع من التجارة مع الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة، ووضعت مقترحات لترخيص هذا النوع من التجارة بشكل رسمي، ولكن هذا يتطلب بكل تأكيد عرض الأمر على هيئة الخبراء ومجلس الشورى قبل إقراره من مجلس الوزراء، وهذا قد يتطلب فترة زمنية تصل إلى ثلاث سنوات.
من جانبه، قال بدر العبد الكريم عضو اللجنة التجارية بغرفة الشرقية «إن هناك أهمية لتنظيم التجارة الإلكترونية، خصوصا أن ممارسيها غالبيتهم من أصحاب الدخل الضعيف، ويسعون إلى تعزيز دخلهم، من خلال هذا النوع من التجارة غير المكلفة، وهناك شريحة واسعة من الفتيات المهنيات بدأن ممارسة هذا النوع من التجارة، سواء ببيع المنتجات اليدوية من الضروريات أو الكماليات أو حتى الأغذية، ولكن يتوجب تنظيمها بشكل يحفظ الحقوق لأصحابها ولا يتعارض مع أنظمة الدول في الكسب غير المشروع».
وبيّن أن هناك ثلاث جهات يجب أن يكون لها دور في ذلك، في مقدمتها وزارة التجارة، وهيئة الاتصالات، ممثلة بمدينة الملك عبد العزيز، ومؤسسة النقد العربي السعودي، بحيث ينتج عن تكامل وتعاون هذه القطاعات الحكومية، تنظيم هذا النوع من التجارة الحديثة.
وزارات وهيئات حكومية سعودية تتعاون لتنظيم سوق التجارة الإلكترونية
بعد نموها بشكل كبير وسط مخاوف من استخدامها في غسل الأموال
وزارات وهيئات حكومية سعودية تتعاون لتنظيم سوق التجارة الإلكترونية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة