تركيا: حزمة إصلاحات جديدة تركز على تعزيز رؤوس أموال البنوك الحكومية

فشل محاولات الاتفاق مع روسيا على تخفيض سعر الغاز

التراجع الحاد في سعر الليرة التركية يؤثر على معدل التضخم
التراجع الحاد في سعر الليرة التركية يؤثر على معدل التضخم
TT

تركيا: حزمة إصلاحات جديدة تركز على تعزيز رؤوس أموال البنوك الحكومية

التراجع الحاد في سعر الليرة التركية يؤثر على معدل التضخم
التراجع الحاد في سعر الليرة التركية يؤثر على معدل التضخم

أعلنت الحكومة التركية حزمة إصلاحات هيكلية جديدة في إطار البرنامج الاقتصادي متوسط الأجل الذي أطلقته في سبتمبر (أيلول) الماضي. وقال وزير الخزانة والمالية التركي برات ألبيراق، في مؤتمر صحافي أمس (الأربعاء) عرض خلاله الحزمة الجديدة، إن «القطاع المالي يقع ضمن مجال إصلاحاتنا، والقطاع المصرفي سيكون الأول في هذا الخصوص».
وأضاف ألبيراق أن هدف الخطوة الأولى لحزمة الإصلاحات هو تعزيز رؤوس أموال البنوك الحكومية، مشيرا إلى عزم الحكومة اتخاذ خطوات في مجال قطاع الاقتصاد الحقيقي بهدف ضمان سير العمل في القطاع المالي بشكل أفضل.
وقال إن «مشروع الوحدة الوطنية في الزراعة» سيكون الخطوة الأهم على صعيد مكافحة التضخم في قطاع الأغذية، الذي ارتفع بشكل كبير، وسنعمل على خفض الإعفاءات والاستثناءات في النظام الضريبي الجديد، وتخفيض ضرائب المؤسسات تدريجيا. وتابع: «سنعد خطة لوجيستية عامة من خلال الصندوق السيادي، لجعل بلدنا مركزا لوجيستيا إقليميا في التجارة الدولية... كما نهدف إلى استقبال 70 مليون سائح وجني 70 مليار دولار من قطاع السياحة، خلال 4 أعوام، عبر خطة عامة».
وكان ألبيراق تعهد قبل الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا في 31 مارس (آذار) الماضي، بأن تدخل البلاد فترة إصلاحات اقتصادية بعد هذه الانتخابات، واعدا بأن تعود أسواق الأسهم والسندات إلى طبيعتها أيضاً.
وسيلتقي ألبيراق مسؤولين من صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن بين يومي 12 و14 أبريل (نيسان) الجاري، لتسليط الضوء على خريطة الطريق الجديدة للاقتصاد التركي.
وأعلن ألبيراق في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن الحكومة التركية حققت أهدافها في 2018 من خلال تحسين نسبة التضخم وأسعار الصرف والفائدة في إطار البرنامج الاقتصادي متوسط الأجل الذي يقوم على 3 قواعد رئيسية هي التوازن والانضباط والتغيير.
ولم تستجب الليرة التركية مع الإعلان عن الإصلاحات الجديدة واستمرت على خسائرها لليوم الثاني على التوالي بتراجع 1.5 في المائة بسبب الجدل المتصاعد حول نتائج الانتخابات المحلية في مدينة إسطنبول التي يتمسك الحزب الحاكم بإلغائها بعد أن أظهرت أوليا فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو برئاسة بلديتها وظلت الأوضاع معلقة فيها بسبب اعتراضات حزب العدالة والتنمية.
ويؤثر التراجع الحاد في سعر الليرة التركية التي ظلت على خسائر تفوق 30 في المائة منذ العام الماضي على معدل التضخم الذي يلامس حدود الـ20 في المائة، بينما يشكل الارتفاع في أسعار المواد الغذائية أكبر العوامل الضاغطة على جهود خفض التضخم.
على صعيد آخر، توقع مدير معهد الطاقة الوطنية بموسكو، سيرغي برافوسودوف أن تتوصل روسيا وأنقرة في نهاية المطاف إلى حل وسط حول أسعار بيع الغاز الروسي لتركيا، دون أن تؤثر الخلافات بين البلدين على مصير مشروع خط أنابيب «السيل التركي» (تورك ستريم) لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا دون المرور بالأراضي الأوكرانية.
وفي الوقت الذي تطالب فيه تركيا بخفض أسعار الغاز للحد من تكلفة مشترياتها بعد تراجع سعر صرف الليرة، تعتبر روسيا أن إمدادات الغاز تجري وفقا لأسعار سائدة في السوق لا يحددها عملاق الغاز الروسي «غازبروم».
ويتوقع أن يتوصل الجانبان إلى حل وسط في ظل اعتماد أحدهما على الآخر بدرجة كبيرة.
وقال برافوسودوف لصحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية أمس: «هذه ليست سابقة. لنتذكر قصة مشروع خط أنابيب (السيل الأزرق) من روسيا إلى تركيا الذي يعمل حاليا. عندما تم بناؤه، حيث أعلنت تركيا أن أسعار الغاز الروسي عالية ويجب خفضها. لكن تدريجيا، تم ملء خط الأنابيب بنسبة 100 في المائة واحتواء الموقف».
ورجح الخبير الروسي أن يكون أحد الحلول الوسط الممكنة هو خفض أسعار الغاز المصدّر مقابل تأسيس شركة مشتركة ستعمل بسوق التجزئة الداخلية التركية، حيث الأسعار النهائية أعلى.
وتوقعت نائبة رئيس قسم التحليل بشركة «ألباري» للتداول، ناتاليا ميلتشاكوفا، بدورها احتواء جميع القضايا المتعلقة بأسعار الغاز بين موسكو وأنقرة قبل تشغيل الأنبوب الأول من خط «السيل التركي» في نهاية العام الحالي. ولم يسفر اللقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، في موسكو الاثنين الماضي، عن اتفاق على أسعار الغاز في ظل تمسك كل طرف بمواقفه.
وكانت مصادر تركية قالت لـ«رويترز»، الثلاثاء، إن تركيا طلبت من روسيا خفضا على أسعار صادرات الغاز الطبيعي، بعد هبوط عملتها، الذي أدى إلى ارتفاع حاد في تكلفة مشتريات أنقرة من موسكو. وقال أحد المصادر إن «روسيا ستدرس هذا الطلب. من الممكن أن يكون هناك خفض، وربما لا يقل عن 10 في المائة»، بينما امتنع أليكسي ميلر، الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم، عن التعليق حينما سُئل، يوم الاثنين، عما إذا كانت تركيا طلبت تخفيضا في السعر.
وروسيا هي أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى تركيا، التي تعتمد اعتمادا كليا تقريبا على الواردات في تلبية احتياجاتها من الطاقة، وأسهمت روسيا بنسبة 47 في المائة من واردات تركيا من الغاز الطبيعي العام الماضي والتي بلغت 50 مليار متر مكعب.
في سياق قريب، بلغت قيمة صادرات تركيا إلى روسيا خلال الربع الأول من العام الحالي، 866 مليونا و551 ألفا و222 دولارا.
وبحسب معطيات اتحاد مصدري شرق البحر الأسود، شهدت صادرات تركيا إلى روسيا ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 5 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وصدرت تركيا إلى روسيا 621 ألفا و744 طنا من المنتجات في 27 قطاعا، خلال الفترة بين شهري يناير ومارس الماضيين. واحتلت الفواكه والخضراوات الطازجة المرتبة الأولى، من بين الصادرات إلى روسيا، بقيمة 147 مليونا و28 ألفا و391 دولارا.
وجاءت آليات النقل والصناعات الفرعية في المرتبة الثانية بقيمة 125 مليونا و287 ألفا و221 دولارا، تبعتها المواد الكيميائية بقيمة 93 مليونا و691 ألفا و527 دولارا.
وصدرت منطقة شرق البحر الأسود وحدها، خلال الفترة ذاتها، 49 ألفا و672 طنا من منتجات 22 قطاعا، بقيمة 37 مليونا و759 ألفا و447 دولارا. وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا نحو 20 مليار دولار غالبيتها صادرات روسية من الغاز لتركيا.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.