بوتفليقة... من رئيس فائق النفوذ إلى الاستقالة «مُكرهاً»

بورتريه بوتفليقة

TT

بوتفليقة... من رئيس فائق النفوذ إلى الاستقالة «مُكرهاً»

اعتبر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لفترة طويلة صانع السلام، ومهندس المصالحة الوطنية، لدوره في إنهاء الحرب الأهلية في بلاده، وتحوَّل إلى رئيس فائق النفوذ، قبل أن يصاب بالمرض ويضعف، ثم يستقيل تحت ضغط الشارع الذي اتهمه بالتشبث بالحكم.
وأمضى بوتفليقة (82 عاماً) رقماً قياسياً في سنوات الحكم، إذ انتخب أول مرة رئيساً عام 1999. لكن منذ تعرضه لجلطة دماغية سنة 2013، أقعدته على كرسي متحرك وأفقدته القدرة على الكلام، لم يعد الرجل يظهر علناً إلا نادراً.
وبوتفليقة الذي كان في سن 26 عاماً أصغر وزير خارجية في العالم، لم يظهر خلال السنوات الماضية إلا صامتاً وجالساً على كرسي متحرك. وهو مشهد متناقض جداً مع بداية ولايته الأولى عام 1999، حين نال أصوات 80 في المائة من الناخبين، وكان قيادياً كثيف الحركة في بلاده والعالم، وخطيباً مفوها.
ولد بوتفليقة في الثاني من مارس (آذار) 1937 في وجدة بالمغرب، وسط أسرة تتحدر من تلمسان في شمال غربي الجزائر. وانضم حين كان عمره 19 عاماً إلى جيش التحرير الوطني، الذي كان يكافح الاستعمار الفرنسي.
وعند استقلال الجزائر عام 1962، وكان عمره حينها لا يتجاوز 25 عاماً، تولى بوتفليقة منصب وزير الرياضة والسياحة، قبل أن يتولى وزارة الخارجية حتى 1979. وفي سنة 1965 أيد انقلاب هواري بومدين، الذي كان وزيراً للدفاع ومقرباً منه، حين أطاح بالرئيس أحمد بن بلة.
كرس بوتفليقة نفسه ساعداً أيمن لبومدين، الذي توفي عام 1978؛ لكن الجيش أبعده من سباق الخلافة، ثم أبعده تدريجياً من الساحة السياسية. وبعد فترة من المنفى في دبي وجنيف، فاز بوتفليقة بدعم من الجيش، في الانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) 1999 التي خاضها وحيداً، بعد انسحاب ستة منافسين نددوا بما قالوا إنه تزوير. وكانت الجزائر حينها في أوج الحرب الأهلية التي اندلعت في 1992 ضد الإسلاميين. وخلفت تلك الحرب، بحسب حصيلة رسمية، نحو 200 ألف قتيل. لكن الرئيس الجديد عمل حينها على إعادة السلم في بلاده.
في سبتمبر (أيلول) 1999، صوت الجزائريون بكثافة في استفتاء على قانون عفو عن المسلحين الإسلاميين، الذين لم يقترفوا جرائم قتل أو اغتصاب، وقبلوا بتسليم أسلحتهم. وأعقب ذلك استسلام آلاف الإسلاميين. وفي 2005 أُجري استفتاء جديد يعفو عن ممارسات قوات الأمن أثناء الحرب الأهلية.
وعمل بوتفليقة الذي اتهمه خصومه بأنه دمية بيد الجيش، على تفكيك نفوذ هذه المؤسسة القوية في الحكم، ووعد بأنه لن يكون «ثلاثة أرباع رئيس».
أعيد انتخاب بوتفليقة كل مرة من الدورة الأولى، في 2004 (85 في المائة من الأصوات)، و2009 (90 في المائة)، وذلك بعد تعديل الدستور الذي كان يحدّ الولايات الرئاسية باثنتين. وفي 2011 وفي خضم أحداث الربيع العربي، اشترى بوتفليقة السلم الاجتماعي بالعائدات السخية للنفط، الذي ارتفعت أسعاره إلى أعلى مستوى حينها، عن طريق التقديمات الاجتماعية.
لكن إيداعه المستشفى لنحو ثلاثة أشهر في باريس في 2013، بعد الجلطة الدماغية التي أصابته، أثار شكوكاً في قدرته على الحكم. لكن رغم اعتراضات معلنة حتى داخل الجهاز الأمني، ترشح بوتفليقة، ونجح في الفوز بولاية رابعة في 2014 (81.5 في المائة من الأصوات).
ورغم اعتلال صحته، عزز بوتفليقة سلطته، وحلّ في بداية 2016 إدارة الاستخبارات والأمن الواسعة النفوذ، بعد أن أقال رئيسها الجنرال الشهير محمد مدين، المكنى توفيق.
وظل بوتفليقة متمسكاً بالسلطة أطول وقت ممكن؛ لكنه رضخ للشارع وأعلن عدوله عن الترشح لولاية خامسة. إلا أنه أرجأ الانتخابات إلى موعد غير محدد، في تمديد فعلي لولايته الرابعة. ثم أعلن أنه سيستقيل قبل موعد انتهاء الولاية الرابعة في 28 من أبريل. وانتهى بأن قدم استقالته أول من أمس.
هكذا إذن تنحى الرجل، الذي قال يوماً: «أنا الجزائر بأكملها»، عن السلطة، تاركاً وراءه بلداً يعاني من أزمة اقتصادية كبيرة، ويرافقه سخط شعب، قال كثير من أفراده إنهم شعروا بـ«الذل» بسبب صورة البلاد التي كان يعكسها هذا الرئيس المريض والصامت.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».