الفرنسي المثير للجدل لوك بيسون يعوم على سطح الماء بين قارتين

معارك المخرج ما زالت مفتوحة مع النقاد حول فيلمه الجديد «لوسي»

الممثلة سكارلت يوهانسن في «لوسي»  -  المخرج لوك بيسون  -  لقطة من «ليو: المحترف»
الممثلة سكارلت يوهانسن في «لوسي» - المخرج لوك بيسون - لقطة من «ليو: المحترف»
TT

الفرنسي المثير للجدل لوك بيسون يعوم على سطح الماء بين قارتين

الممثلة سكارلت يوهانسن في «لوسي»  -  المخرج لوك بيسون  -  لقطة من «ليو: المحترف»
الممثلة سكارلت يوهانسن في «لوسي» - المخرج لوك بيسون - لقطة من «ليو: المحترف»

بينما نال فيلم لوك بيسون الأخير «لوسي» علامات استحسان فوق المتوسط في الصحافة الفرنسية، استقبل بعلامات ما دون المتوسّط في الولايات المتحدة. الفارق بين الاثنين أن النقاد الأميركيين لم يجدوا في الأفكار التي تدلت خارج الفيلم ما يمكن أن يثير الاهتمام، بينما تحدّث نقاد موقع «كالتشر بوكس» وصحيفة «الباريسي» عن تلك الرموز الكبيرة والمهمّة في هذا الفيلم والبعض، مثل الناقد بيير مورات كتب في «تيليراما» عن «تلك الأبعاد التي تحلى بها الفيلم».
وفي حين أن نقد الفيلم يحتمل وجهات النظر، ولو أن الحقيقة في النهاية تبقى واحدة، إلا أن المؤكد هو أن المخرج الفرنسي بيسون أقلع من جديد فوق سطح المحيط الأطلسي محققا فيلما آخر له باللغة الهوليوودية، أو إذا ما أردت تسميتها أيضا بـ«اللغة الإنجليزية».
بيسون يعترف بأنه ابن لهوليوود وُلد في فرنسا. لم يتكلف عناء الذهاب إلى «السينماتيك فرنسيز» ولا التحق بركب مشاهدي مخرجي الأمس الكبار ولم تكن لديه النيّة في أن ينجز أفلاما فنيّة.
وُلد بيسون في باريس سنة 1959 ولو أن سنوات عمره السبعة عشر الأولى قضاها ما بين اليونان وكرواتيا بسبب عمل والديه. عندما عاد في السبعينات شابّا إلى باريس انشغل بالصور. وهو، حسب مقابلة أجرتها معه صحيفة «الغارديان» البريطانية سنة 2000 دخل المجال السينمائي على نحو غير طارئ:
«كنت أحب الكتابة والتقاط الصور ثم فكّرت أنها قد تكون فكرة عظيمة لو أنني حضرت تصوير فيلم». كان فيلما قصيرا عمل فيه كمساعد مخرج ثالث، لكنه أيقن هناك أنه يريد أن يسرد قصصا بالصور المتحركة. لم يدرس السينما بل جلس وكتب عددا من الحكايات نفّذ أولها وهو في الثالثة والعشرين من العمر باسم «المعركة الأخيرة» (1983) والحكم كان قاسيا. حسب «كاييه دو سينما»: «لو اختصر منه ثلاثة أرباعه لأصبح فيلما قصيرا مقبولا».

* نكهة فرنسية
كانت صفعة تلقاها بيسون، لكنه مضى صوب فيلمه الثاني «محطات المترو» Subway سنة 1985 مع حظ أوفر من النجاح. هذه المرّة أنتج فيلمه بنفسه كما كتبه (مع آخرين) وجلب إليه كل من كريستوفر لامبرت وإيزابيل أدجاني. الأول يعيش تحت الأرض حيث محطات المترو والثانية هي فتاة جميلة قام الأول بسرقة محفظتها وأخذ يبتزها بعدما كشف سرّها.
ومن تحت الأرض إلى تحت سطح الماء بعد ثلاث سنوات عندما أنجز فيلم «الأزرق الكبير». أراده استعراضا كبيرا ولو على حساب العمق ما أثار حفيظة الذين شاهدوه في عرضه العالمي الأول في مهرجان «كان» سنة 1988. وجاء ناطقا بثلاث لغات (الإنجليزية والفرنسية والإيطالية) موزّعا البطولة بين الأميركية روزانا أركيت والفرنسيين جان رينو وجان مارك بار كما الإيطالي سيرجيو كاستاليتو.
مرّة أخرى، لم ينثن بيسون عن العمل رغم موقف نقاد «كان». فرأيناه في عام 1990 يحقق شريطه التشويقي الأول «الأنثى نيكيتا» مع آن باريلو ومارك دوريه في البطولة. كان هذا أول مرّة يمنح المرأة دور «سوبر هيرو» كما الحال مع بطلته الجديدة سكارلت جوهانسن في «لوسي». فنيكيتا امرأة كان محكوما عليها بدخول السجن، لكن أحدا قرر أن الحكومة الفرنسية تستطيع الاستفادة منها عبر تدريبها وإطلاقها كقاتلة محترفة. ملصق الفيلم لخّص عنصري الإثارة المستخدمين في هذا الفيلم: آن باريلو جالسة على الأرض بفستان قصير كاشف ورافعة مسدسها مستعدة لاستخدامه: هي بذلك الأنثى الجميلة والقاتلة المحترفة.
بعده جرب الأفلام التسجيلية بـ«أتلانتيس»، الذي غاص فيه داخل البحر مرّة ثانية ليلتقط حياة الأسماك والحيوانات البحرية التي فيه. صفّق للفيلم معجبون كُثر لكنه لم ينجز تجاريا أمواجا وموجات. على إثره انشغل بيسون بإنتاج أفلام من إخراج آخر حتى عام 1994 عندما عيّن جان رينو بطلا لفيلم بوليسي تشويقي آخر هو «ليو: المحترف» لجانب غاري أولدمن وداني أييلو ونتالي بورتمن.
«ليو: المحترف» لم يكن فيلما رديئا على الإطلاق. معالجة بيسون كانت محتوية على العناصر الهوليوودية المنتشرة لكن نكهته الفرنسية كانت لا تزال تميّز العمل من نواح عدّة ما يجعل الفيلم مختلقا عن الأفلام الأميركية الشبيهة بقدر ما هو تابع لخطواتها وكنية علاقتها مع الجمهور.
في عام 1997 أخرج فيلما من الخيال العلمي حقق عبره النجاح الأكبر إلى ذلك الحين. الفيلم هو «العنصر الخامس» ومع هذا الفيلم خطى بيسون خطوة أكثر وثوقا في سبيل تعزيز مكانته العالمية، وفي هوليوود أساسا. ليس فقط أن الفيلم ناطق بالإنجليزية وأن بطله الأول هو نجم هوليوودي باب أول حينها (بروس ويليس) بل هي المعالجة الكليّة التي هضمت كيف تفكّر هوليوود حين تصنع أفلام الدهشة والتشويق وتأتي من الخارج في مسعى لبزّها بلطف.

* خلاف مع بيغلو
في العام ذاته (1997) سعى إليه الممثل البريطاني غاري أولدمان لكي يساعده إنجاز فيلمه الأول كمخرج. النتيجة فيلم رائع ومهدور لم يعره نقاد ذلك العام الكثير من الاهتمام هو «لا شيء في الفم» Nil By Mouth: دراما جيدة عن حياة فرد مسؤول عن أسرة يواجه أوضاعا قد تتلف مستقبله. شيء لم يعمد إلى تحقيقه لوك بيسون مطلقا كمخرج.
لكن بيسون كان لديه طموح مختلف: أراد تحقيق فيلم ديني عن «جان دارك» وأراد من زوجته الممثلة ميلا جوفوفيتش (التي التقى بها عندما اختارها للبطولة النسائية في «العنصر الخامس») القيام ببطولته. في البداية كان مكتفيا بإنتاجه واتصل بالمخرجة الأميركية ذات المراس الصعب كاثرين بيغلو طالبا منها تحقيق الفيلم. لكن بيغلو لم تجد في زوجة بيسون الممثلة الصحيحة ما أدّى إلى خلاف ثم إلى قضية رفعتها المخرجة بيغلو ضد المخرج بيسون لكن جرى حلها خارج المحكمة. على ذلك لم يشأ بيسون التراجع عن خطّته وجلب زوجته إلى حلبة ذلك الفيلم الديني وشهد معها إخفاق الفيلم تجاريا ونقديا.
حدث ذلك سنة 1999 وبعد ذلك العام تجنّب الجلوس في كرسي الإخراج وانطلق في الإنتاج المتواصل. النصف الأول من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أنتج ما لا يقل عن خمسة عشر فيلما فرنسيا. في النصف الثاني خمسة عشر فيلما آخر بعضها بالإنجليزية مع استثناء وحيد إذ أخرج سنة 2005 فيلما فرنسيا بعنوان «الملاك A» مع جمال دبوس في البطولة.
مع مطلع 2007 عاد إليه الحلم بإنشاء إمبراطورية فرنسية أميركية كبيرة فأنتج «ترانسبورتر 3» و«مخطوفة». وهذا الثاني أنجز نجاحا جيّدا دفعه للعودة إليه في جزء ثان سنة 2012 وحاليا يحضّر لعرض الجزء الثالث ثم لاستكمال حلقات «ترانسبورتر» وذلك من بين مشاريع أخرى.
طوال هذه السنوات وإلى اليوم، ومعارك بيسون مع النقاد مفتوحة. إنه ليس الفنان المحبوب بين النقاد الفرنسيين ولا هو بالمرحّب به كثيرا بين النقاد الأميركيين. إنتاجاته ربما حفظت الدرس الهوليوودي جيّدا وسلسلة «مخطوفة» Taken خير دليل، لكن كمخرج ما زال، كما الحال في «لوسي» يسعى لجلجلة من الأصوات والأضواء والقليل من الفعل الفني والأسلوبي.
حين كتب أحد النقاد الفرنسيين مقالا عاب فيه على بيسون توجهه إلى هوليوود قرر بيسون تأديبه فرفع دعوة عليه ساهمت في رفع أعداد المجلة الصغيرة التي نشر فيها الناقد مقالته (اسمها «برازيل» تيمنا بفيلم تيري جيليام على الأرجح) وفي انخفاض جديد في شعبيته بين المثقفين ما دفعه لسحب الدعوى وإغلاق ملفّها. قبل ثلاث سنوات صرّح بأنه لن يقوم بالإخراج مرّة أخرى بل سيكتفي بالإنتاج، لكن «لوسي» يثبت أن نيّته تلك لم تكن نهائية وها هو يعود لينجز ما يعتقد هو أنه تحفة سينمائية خلاّبة.

* شخصيات واحدة
لكن حتى يكون المرء عادلا، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن لوك بيسون إذ ترك الوجه الفرنسي للسينما لأترابه الراغبين في مواصلة تحقيق أفلام تنبع من ثقافة فرنسية خالصة، لم يسقط في الفراغ بل أسس فعلا عالمه الخاص وأصبح، كما الحال اليوم، أحد كبار المنتجين العاملين ما بين الاستوديو الذي شيده في سان دنيز (ضواحي باريس على نهر السين) وبين هوليوود. لم يجهده أن وضع قدما هنا وقدما هناك بل أنجز ما سعى إليه من دون خجل. بالنسبة إليه السينما الأميركية هي العالم السينمائي، ونقل عنه أنه قال لصحافي: «لك حرية أن تعتقد ما تريد وأن تشجع السينما التي تحب، لكن السينما العالمية الوحيدة وتلك التي استهوتني وأنا صغير هي السينما الأميركية وليس عندي مشكلة في تحقيق أفلام على منوالها».
هذا المنوال لا يميّز أفلامه وحده، بل هناك رديف مهم. بيسون أنتج لليوم نحو 120 فيلما وكتب منها 77 فيلما وأخرج 21 فيلما طويلا. وما حافظ عليه في كتاباته لأفلامه وأفلام سواه من المخرجين على نحو غالب هو جلب بطل من خارج البطولة. شخص هامشي الأثر حتى وإن كان محترف قتل وتركه يواجه المؤسسات الكبرى. لوسي في «لوسي» هي نيكيتا كما لعبتها آن باريلو وكلتاهما نسخة منقّحة من شخصية جان رينو في «ليو: المحترف» وهذا ليس بعيدا في ملامحه الشخصية عن شخصية كوربن كما مثلها بروس ويليس في «العنصر الخامس». أما ليام نيسون في «مخطوفة» فهي تنهل من هذه الشخصيات مرّة أخرى. كلها في نهاية المطاف تبقى أميركية وفرنسية تعود بجذورها إلى أفلام هوليوودية قدّمها مخرجو الأربعينات والخمسينات والستينات وأحبها، قبل بيسون، مخرجون فرنسيون قام بعضهم، مثل جان بيار ملفيل، بنقلها بأمانة إلى أفلامه. لكن ملفيل لم يفكّر في أن يصنع أفلاما أميركية، بل فرنسية. لم يكترث لأن يمد جسرا فوق الأطلسي بل قنع بأن يوظّف حبّه للسينما البوليسية الأميركية فيما يفيد سينماه الفرنسية وحسنا فعل.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».