لبنان: التأزم الاقتصادي يحاصر الحكومة والبرلمان

معالجته تبدأ بموازنة «غير شعبوية»... وأجواء زيارة بومبيو قد تسهّل الحل

TT

لبنان: التأزم الاقتصادي يحاصر الحكومة والبرلمان

تحوّل الاهتمام في لبنان إلى الأزمة الاقتصادية والمالية التي تحاصر البلد وباتت أكثر إلحاحاً لتوفير الحلول لها، بعد انشغالٍ بزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، التي استمرت يومين من دون أن تترك تداعيات سلبية تدفع باتجاه استحضار انقسام داخلي حول «أمر العمليات» الذي حمله في مواجهة واشنطن لطهران وحليفها في لبنان «حزب الله» كان يمكن أن يعيق الالتفات إلى معالجة الوضع الاقتصادي.
وباتت هناك ضرورة للخروج من التباطؤ الحكومي في تحقيق الإصلاحات التي لفت إليها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأيضاً للشروع في اتباع سياسة شد الحزام التي تتطلّب وقف الإنفاق وحصره في رواتب العاملين في القطاع العام من دون إسقاط الحقوق المتوجبة على الدولة في المجال الصحي.
ومع أن الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء شهدت إشكالاً، كما كشف أحد الوزراء لـ«الشرق الأوسط»، بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ووزير المال علي حسن خليل كاد يتطوّر لولا مبادرة وزراء إلى تدخّل أسفر عن إقناع خليل بعدم مغادرة الجلسة، فإن الحكومة مدعوّة اليوم قبل الغد إلى الانتهاء من مناقشة خطة الكهرباء التي وضعتها وزيرة الطاقة ندى البستاني. وعلمت «الشرق الأوسط» أن ملف الكهرباء هو الذي أشعل إشكالاً بين الرئيس عون والوزير خليل، وإنما هذه المرة على خلفية الوضع الدقيق الذي تمر به المالية العامة للدولة والذي بات في حاجة إلى حلول من نوع آخر لتفادي الانهيار.
لكن الإشكال هذا، حال دون استكمال النقاش، بطلب من الرئيس عون للعودة إلى البحث في البنود الأخرى المُدرجة على جدول أعمال الجلسة، كما أن تدخّل رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الوقت المناسب ومبادرته إلى الاتصال برئيس الجمهورية أوقفا السجال الذي حصل بين مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة المال، بعد أن تبين أن المؤسسة تسرّعت في رمي المسؤولية عليها في حال تقرر خفض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي بسبب التأخّر في صرف الاعتماد لتأمين شراء الوقود.
وتبين أن اقتراح القانون الذي أقره البرلمان بإعطاء سلفة مقسطة لمؤسسة كهرباء لبنان لتأمين شراء الوقود لا يزال موجوداً لدى رئاسة الجمهورية، وهو في حاجة إلى توقيع عون، وهذا ما حصل نتيجة اتصال بري به.
لكنّ هناك صعوبة في انتهاء اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري من دراسة خطة الكهرباء التي كانت قد أحالتها البستاني إلى مجلس الوزراء للنظر فيها بأسرع وقت ممكن وفي مهلة أقصاها أسبوع، مع أن زعيم «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، كان قد لمح خلال جولته، أول من أمس، على عدد من البلدات في قضاء الضنّية في شمال لبنان، إلى أن الخطة في حاجة إلى أسبوع لإقرارها.
وفي هذا السياق، يقول وزير عضو في اللجنة الوزارية لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا اختلاف على وضع خطة للكهرباء، وإنما لا يمكن الموافقة على ما تقدّمت به الوزيرة البستاني على بياض من دون إدخال أي تعديل عليه، خصوصاً أنها لا تأتي لا من قريب ولا من بعيد على تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وتحصر تلزيم إنشاء المعامل وتأهيل المعامل الأخرى القائمة حالياً باللجنة الوزارية بدلاً من إدارة المناقصات».
كما أن من مهمة اللجنة الوزارية حسم مسألة الاستملاكات، وتحديداً في منطقة سلعاتا في البترون المشمولة بإنشاء معمل جديد، إضافة إلى ضرورة الربط بين الحل الدائم والآخر المؤقت وعلى قاعدة العمل لتأهيل خطوط النقل وشبكات التوزيع قبل زيادة الإنتاج لوقف الهدر من جراء الأعطال الفنية التي هي في حاجة إلى إصلاح.
وهناك من يدعو إلى تشكيل لجنة اقتصادية برئاسة الحريري تباشر أعمالها بالتلازم مع مناقشة خطة الكهرباء، ويعود السبب إلى أن الوضع المالي في حاجة إلى اهتمام فوق العادة، لأنه من غير الجائز عدم الالتفات إليه مع قرار الحكومة إعادة النظر في مشروع الموازنة الذي يحمل أرقاماً يمكن أن تزيد من نسبة العجز، خصوصاً أن سلة الضرائب والرسوم التي كانت قد استُحدثت لتأمين الموارد لتغطية تكاليف صرف سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام جاءت أقل بكثير مما كانت تتوقّعه الحكومة، حتى إن عائداتها تدنّت بشكل ملحوظ عما كانت عليه قبل إقرار السلسلة.
وتبيّن أن مكافحة الفساد ووقف الهدر لن يكفيا لتأمين موارد مالية جديدة ما لم تأتِ هذه الخطوة الإصلاحية مقرونةً بتشديد وقف التهريب، وهذا ما لفت إليه أحد الوزراء بقوله إن توفير التكلفة المالية لصرف سلسلة الرتب والرواتب استدعى زيادة الضرائب والرسوم على استيراد الدخان الأجنبي والمشروبات الروحية.
لكن المفاجأة كانت، كما يقول الوزير، أن الموارد المالية جاءت أقل مما كانت عليه قبل هذه الزيادة، كاشفاً عن أن «شبكات التهريب استفادت من زيادة الرسوم وقامت باستحداث معابر غير شرعية للتهريب تربط الأراضي السورية بالأراضي اللبنانية». وأكد في الوقت نفسه أن عمليات التهريب «الدسمة» تتم عبر مرفأ طرطوس في الساحل السوري إلى داخل المناطق اللبنانية. وعليه يجب أن يستحوذ الوضع الاقتصادي على اهتمام جدي ولو لمرة واحدة، وبصورة استثنائية وهذا لن يكون في متناول اليد ما لم يتم التوافق بين البرلمان والحكومة على خريطة طريق تبدأ بعقد اجتماعات بين وزارة المال والكتل النيابية للاتفاق «بعيداً عن الشعبوية» على مشروع موازنة يكون وازناً ويؤدي إلى خفض العجز، وتنتهي بلجنة اقتصادية وزارية برئاسة الحريري.
وتلفت المصادر إلى أنه «لا بد من قرارات موجعة لخفض العجز وخدمة الدين العام لأن البديل سيكون أكثر إيلاماً للبلد الذي يستعد لتقديم أوراق اعتماده للمجتمع الدولي من خلال مؤتمر (سيدر) بأنه على قدر الاستجابة لمساعدته على النهوض».
وربما ما يشجع في هذا السياق أن لبنان اجتاز بهدوء المفاعيل السياسية لزيارة بومبيو التي لم يترتب عليها أي تراشق إعلامي أو سياسي بين الأطراف المحلية من موقع فريق رافض وآخر مؤيد، وهذا ما قد يحفز المضيّ في البحث عن حلول لأزمته الاقتصادية، استناداً إلى شراكة بين البرلمان والحكومة لتوفيرها قبل فوات الأوان.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».