يحتفل أكراد سوريا بـ«عيد نوروز» (رأس السنة الكردية)، ويعني بالعربية «اليوم الجديد»، الذي يصادف اليوم، 21 مارس (آذار)، وأحيت مناطق شمال شرقي سوريا الاحتفالات عشية العيد بإطلاق المسيرات وإشعال النيران وحرق الإطارات عند غروب الشمس، وإحياء الطقوس التقليدية لمراسم العيد، وسط مخاوف من المكوّن العربي، لتنامي دور الأكراد عسكرياً، بعد بسط سيطرتهم على كامل مناطق شرق نهر الفرات.
في سوق القامشلي المركزية، بدت مظاهر الاحتفالات من خلال رفع أعلام كردية ورايات القوات العسكرية التي شكّلها الأكراد بعد اندلاع الأزمة السورية، ربيع 2011. وعبّر سكفان (32 سنة) المتحدّر من مدينة القامشلي الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، عن فرحته بالاحتفال، وقال: «(نوروز) بالنسبة لنا بداية فصل الربيع، هو احتفال قومي حُرمنا من ممارسته إبان الحكومات المتعاقبة على سدّة الحكم في سوريا».
أما بيريفان (26 سنة)، التي كانت تلبس زياً كردياً فلكلورياً طغى عليها الألوان الزاهية الخاصة بالعيد، شاركت بالاحتفالات مع أكثر من 5 آلاف شخص تجمعوا بالقرب من مدينة القامشلي، فقد أعربت عن فرحتها، وارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة، لتقول: «شعور جميل الاحتفال بيوم العيد والربيع يعمّ كل مكان. ننتظر هذا اليوم من كل عام. نأمل أن تنتهي هذه الحروب ويعمّ السلامُ شعبَنا».
وحتى عام 2011، كان الاحتفال بـ«عيد نوروز» غير معترف به رسمياً، وممنوعاً، باعتباره عيداً قومياً كردياً يعزز الروابط القومية لدى أكراد سوريا، وغالباً ما ترافق باعتقالات للنشطاء والسياسيين ومنظمي الحفلات ومطلقي المسيرات وحتى حاملي المشاعل.
وشارك جمشيد (45 سنة) ويعمل مدرساً بإحدى مدارس الإدارة الذاتية التي فرضت منهاجاً كردياً، برفقة أسرته في الاحتفالات، وعبّر عن سعادته لسماعه الأغاني الكردية والرقصات الفلكلورية الخاصة بهذا اليوم، وقال: «هذا اليوم كردي بامتياز، اللباس والغناء والرقص، نحن شعب نعيش في هذه الدولة، ونختلف عن باقي المكونات بخصوصيتنا القومية، لكننا مواطنون في هذه الدولة».
بينما اعتبر زيدان (35 سنة) المتحدر من مدينة القامشلي، ويمتلك متجراً لبيع الأدوات الكهربائية بسوق القامشلي، أنّ «اليوم هو عيد الأم، ورسمياً يحتفل به كل السوريين»، مشيراً إلى تنامي دور حزب «الاتحاد الديمقراطي» و«قوات سوريا الديمقراطية»، منوهاً بأن «هذه الجهات فرضت السيطرة عسكرياً على المنطقة، وهناك ترقب وخوف من أن تكون المعركة القادمة بينها وبين القوات النظامية».
وتعهدت الحكومة السورية باستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة، وقال وزير الدفاع السوري العماد علي عبد الله أيوب خلال مؤتمر صحافي عقده في دمشق مع نظيريه العراقي والإيراني، الاثنين الماضي: «الورقة المتبقية مع القوات الأميركية هي قسد (قوات سوريا الديمقراطية) وسنتعامل معهم، إما بالمصالحات وإما بتحرير الأرض بالقوة».
وفي ردّه على تصريحات وزير الدفاع السوري، يرى شاهوز حسن رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، أحد أبرز الأحزاب السياسية التي تدير مناطق شرق الفرات، أن الإدارة الذاتية مع لغة الحوار، وليس التهديد العسكري، وقال: «دمشق تتهرب من الحلول السلمية الديمقراطية»، مؤكداً أنهم مع الحوار... «حوارنا سيكون على أساس التفاوض حول تشكيل دستور جديد يحفظ حقوق جميع المكونات، وأنوه بأنه لن يكون على حساب ثوابتنا الوطنية والديمقراطية».
ويرى حسن أن إصرار الإدارة الذاتية على التفاوض مع دمشق دون شروط، مردّه وضع حد للنزاع الدائر الذي دخل عامه التاسع، مضيفاً: «أي مفاوضات يجب أن تكون بضمانات دولية، نتحدث عن خريطة طريق تمهّد للبدء بمفاوضات الحل السوري الشامل».
وعَقَد ممثلو «مجلس سوريا الديمقراطية» الذراع السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مع مسؤولين أمنيين من النظام السوري محادثات رسمية، منتصف العام الماضي، بطلب من الأخير، وجاءت المحادثات بعد تهديدات الرئيس السوري بشار الأسد لـ«قوات سوريا الديمقراطية»: «إمَّا الجلوس إلى طاولة المفاوضات أو الحسم العسكري»، وذلك عبر مقابلة تلفزيونية بُثَّت، بداية يونيو (حزيران) 2018.
ويحث قادة الأكراد الذين أزعجهم قرار واشنطن بالانسحاب من سوريا، موسكو وحليفتها دمشق، على إرسال قوات لحماية الحدود من التهديدات التركية، والأخيرة تطالب بمنطقة آمنة على طول حدودها الجنوبية مع سوريا، والمنطقة المعرضة للتهديد تمتد لتشمل نحو ثلث البلاد، معظمها يقع شرق نهر الفرات، إلى جانب مدينتي منبج الواقعة غرب الفرات، والطبقة، وتقع جنوب الفرات.
ويرى الدكتور شوقي محمد الخبير في اقتصادات الطاقة والنفط أنّ الحل الأمثل التفاوض بين الإدارة الذاتية الحكومة السورية برعاية دولية «خصوصاً روسيا لعلاقاتها المتميزة مع دمشق، وبناء أرضية سليمة للتفاوض عبر رسائل ثقة والتعامل بمبدأ الوطنية لا العقلية الأمنية أو العروبية».
وإذا أُبرم الاتفاق بين ممثلي «مجلس سوريا الديمقراطية» والحكومة السورية فإنه سيوحِّد مجدداً أكبر منطقتين في البلد الذي مزقته الحرب الدائرة، وسيترك منطقة واحدة في شمال وغرب البلاد في أيدي جهات إسلامية وفصائل المعارضة المسلحة المناهضة للأسد والمدعومة من تركيا.
وذكر الخبير شوقي محمد أنّ وثائق وأدبيات حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية لم تحتوِ على الانفصال، منوهاً بأنه «لطالما كرَّر مسؤولوها حرصهم على وحدة الأراضي السورية، والتمسك بالحوار السوري - السوري، فضلاً عن أن الأكراد لا يجدون أنفسهم خارج حدود الوطن»، مشيراً إلى أنّ الفرصة متاحة للتوصل إلى اتفاق بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية، وإنْ حدث فسيخدم الطرفين «لحماية قوات (قسد) من التهديدات التركية واجتياح المنطقة وإنهاء وجودهم، كما يخدم الحكومة السورية من خلال عودتها للمنطقة الثرية والغنية بالموارد، وبسط سيطرتها على الثروات المائية والحقول النفطية».
وعلى الرغم من أن الحكم الذاتي الذي يريده الأكراد يتعارض بشكل واضح مع ما تريده دمشق، فقد تجنبت القوات الكردية إلى حد بعيد الصراع المباشر مع القوات الحكومية الموالية للأسد خلال الحرب الدائرة منذ 8 سنوات، بل وفي بعض الأحيان كانت تقاتل خصوماً مشتركين، كتنظيم «داعش» الإرهابي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة في معركة الباغوز، شرق سوريا.
بدوره، يرى محمد إسماعيل عضو المجلس الرئاسي لـ«المجلس الوطني الكردي» المعارض، أن حزب الاتحاد الديمقراطي السوري وبشكل منفرد تواصل مع روسيا للتوسط لدى النظام الحاكم، وقال: «مساعي حزب الاتحاد تهدف للمحافظة على بقائه بأي ثمن، أما النظام فليست لديه أي مرونة تجاه حقوق الشعب الكردي أو باقي المكونات»، ولفت إلى أن تجارب جميع المناطق التي عقدت مصالحات وتسويات مع النظام: «أثبتت أنه يريد المواطن (الصالح) وإعادة الحكم إلى ما قبل 2011، وكأن شيئاً لم يكن، وهذا الأمر غير واقعي».
وهددت تركيا مراراً بشن عملية عسكرية في شرق الفرات، بعد تصاعد نفوذ «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تشكل العماد العسكرية لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، وشدّد القيادي محمد إسماعيل على أنّ تركيا قلقة من وجود حزب «الاتحاد الديمقراطي السوري» وقواته العسكرية على حدودها الجنوبية مع سوريا. وقال: «تركيا لها دور مؤثر وفاعل في سوريا، لذلك لن تسمح باستمرار بقاء الحزب، كما أن لديها مشكلات داخلية من حزب العمال الكردستاني المتداخلة مع حزب الاتحاد»، ويرى أن تركيا لا تستطيع التدخل دون توافق دولي، لا سيما من الجانب الأميركي، منوهاً بأنه «لا بد أن يكون هناك مخرج لدرء المخاطر بإيجاد بدائل تتوافق عليها جميع الأطراف المعنية من جميع مكونات المنطقة، عوضاً عن الحل العسكري الذي من شأنه أن يحرق الأخضر واليابس».
أكراد سوريا يحتفلون بـ«نوروز»... ويطالبون بدستور ورعاية دولية
«الشرق الأوسط» ترصد قلق مناطق شرق الفرات من هجوم دمشق
أكراد سوريا يحتفلون بـ«نوروز»... ويطالبون بدستور ورعاية دولية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة