الانقسامات العشائرية في الأنبار تعقد مساعي الحكومة لفرض الأمن فيها

شيخ عشيرة: أصبحنا أمام محرمين هما الجيش و«القاعدة»

الانقسامات العشائرية في الأنبار تعقد مساعي الحكومة لفرض الأمن فيها
TT

الانقسامات العشائرية في الأنبار تعقد مساعي الحكومة لفرض الأمن فيها

الانقسامات العشائرية في الأنبار تعقد مساعي الحكومة لفرض الأمن فيها

للمرة الثانية في غضون أقل من عقد من السنوات، تجد عشائر محافظة الأنبار (كبرى محافظات العراق مساحة) ذات الأكثرية السنية أمام أزمة مركبة عشائريا وسياسيا. فبالإضافة إلى أن هذه المحافظة كانت إحدى المحافظات الغربية الخمس المحسوبة على النظام السابق، فإنها وجدت نفسها ساحة لدخول المسلحين العرب والأجانب بعد نحو سنتين من سقوط بغداد في أبريل (نيسان) 2003، لتبدأ أولى المواجهات تحت اسم «المقاومة» بين هذه المجاميع والقوات الأميركية بوصفها قوات احتلال.
ومع تزايد حدة الشعور بالتهميش والإقصاء للعرب السنة في العراق، بدءا من عملية كتابة الدستور ومن ثم إجراء الانتخابات البرلمانية الأولى (عام 2005) وقبلها تشكيل الجمعية الوطنية المؤقتة والمجلس الوطني الانتقالي والحكومات التي تشكلت منذ حكومة مجلس الحكم (عام 2003)، فإن الإحساس بالغبن والخديعة تحول إلى هاجس لدى سكان هذه المحافظات وكل المحافظات الغربية عموما، زاد منه القيام بالعديد من الإجراءات القاسية مثل قانون اجتثاث البعث، وفي ما بعد المساءلة والعدالة وإبعاد أبناء هذه المناطق عن الجيش والمؤسسة الأمنية، بل وبلغ الشعور بالغبن والتهميش حتى على صعيد السلطات العليا، فرغم أن العرب السنة ممثلون في البرلمان والحكومة (رئيس البرلمان ونائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء وعدد من الوزراء) فإنهم يرون أنهم ليسوا مشاركين في صناعة القرار السياسي. هذا الخلل الذي تلى عملية احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة ولم تتمكن السلطة الجديدة التي أقامت العملية السياسية على مبدأ المحاصصة لم يصلحه القادة الجدد، الأمر الذي أدى إلى تسلل قوى الإرهاب والعناصر المتطرفة التي حاولت اختطاف هذه المحافظة بالدرجة الأولى، مما جعلها إحدى أبرز حواضن تنظيم «القاعدة».
لكن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها الكثيرون هي أن عشائر الأنبار، من خلال قوات الصحوة التي تشكلت أواخر عام 2007 بمساعدة الأميركيين، هي التي تمكنت من طرد «القاعدة». وبعد سنوات ومع انسحاب الأميركيين (أواخر عام 2011) وجد أبناء الصحوات أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، بعد أن تنكرت الجهات الرسمية لحقوقهم على أثر فشل مشاريع المصالحة الوطنية في استيعابهم. ففي حين تعدهم الكثير من الجهات الحكومية بأنهم كانوا مع «القاعدة» وتمردوا عليها فإن تنظيمات القاعدة تنظر إليهم كـ«عملاء» للحكومة، وبذلك أصبحوا تحت مرمى نيران الطرفين. وحيال ذلك انقسم المجتمع العشائري في الأنبار. فإثر المظاهرات التي انطلقت أواخر عام 2012 في محافظة الأنبار أصبح زعيم صحوة العراق السابق، أحمد أبو ريشة، أحد قادة الحراك الشعبي، بينما شكل رئيس الوزراء نوري المالكي صحوات جديدة بزعامة وسام الحردان، الحليف العشائري السابق لأبي ريشة وغريمه الحالي، وهو ما أدى إلى انقسام عشائري وجدت الحكومة أنها يمكن أن تستفيد منه في مواجهة «القاعدة» أولا، وفي مواجهة ساحات الاعتصام، التي ترى أنها اختطفت من قبل «القاعدة»، ثانيا.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن الحكومة شكلت مجالس جديدة من أبناء العشائر أطلقت عليها تسمية «أبناء العراق» بزعامة محمد الهايس، شقيق رئيس مجلس إنقاذ الأنبار حميد الهايس. ويقول هذا الاخير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المجالس هي التي تقاتل (القاعدة) وليس من تحالف مع (القاعدة) خلال المظاهرات والذي يريد الآن ركوب الموجة من جديد»، مشيرا بذلك إلى الشيخ أحمد أبو ريشة الذي عاد ليلتقي المالكي مرتين خلال هذه الفترة بعد أن أعلن أنه كان على الدوام ضد «القاعدة» التي قتلت العشرات من أفراد عائلته في مقدمتهم شقيقه الأكبر عبد الستار أبو ريشة، أول زعيم للصحوات، الذي ينظر إليه العراقيون بوصفه بطلا.
اليوم، وفي ظل هذا الانقسام الحاد في المجتمع الأنباري، تبدو أمام الحكومة وقواتها المسلحة مهمة صعبة وهي تسعى لبسط الأمن في مدنها خاصة الرمادي والفلوجة. وفي هذا السياق، يقول الشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي، شيخ عشائر البوفهد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأمور اختلطت علينا بطريقة بات يصعب فرزها، إذ إننا نهاجم من قبل جماعات مسلحة هناك من يرى داخل الأنبار أنهم مجاهدون». وبحسرة وألم يضيف الشيخ الفهداوي أن «المفارقة هي أننا نطالب الحكومة والجيش بتخليصنا منهم، لكن هناك من يدعو لغير ذلك، وهذه أمور بات من الصعب تحملها». ويضيف أن «العوائل الآمنة تهاجم وتهجر من منازلها، مع ذلك فإن هناك من يرى دخول الجيش بوصفه أمرا محرما، وبالتالي أصبحنا أمام محرمين.. الجيش و(القاعدة)».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.