بعد أسبوع تقريباً على حادثة الطائرة الإثيوبية التي أودت بحياة 157 شخصاً، كان معظمهم متجهاً إلى المشاركة في المؤتمر العالمي حول البيئة وتغير المناخ في العاصمة الكينية، تواصل الأمم المتحدة، تحت وقع الصدمة، إطلاق صفّارات الإنذار وتوجيه التحذيرات من تفاقم الوضع المناخي، الذي يدفع الكرة الأرضية نحو كارثة بيئية، حسب كل التقارير التي تطالب الحكومات بالتحرّك الفوري قبل أن يفوت الأوان.
في غضون ذلك، شهدت مئات العواصم والمدن في شتّى أنحاء العالم، مظاهرات حاشدة، احتجاجاً على التقاعس في التصدّي للأزمة المناخية ومعالجة تداعياتها البيئية، بينما كانت الحركات الطلابية تمسك بزمام المبادرة، وتعلن بداية مرحلة من التحركات المفتوحة، للضغط من أجل اتخاذ إجراءات سريعة وفاعلة لوقف التدهور البيئي.
التقارير العلمية الدامغة التي عرضها خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ترسم صورة قاتمة، تبعث على الاكتئاب لما وصل إليه العالم بعد سنوات من الدراسات والقرائن، وعشرات القمم والتعهدات التي بقي معظمها مجرد حبر على ورق.
لم تعد هناك منطقة واحدة في العالم بمنأى عن تداعيات التغيّر المناخي... فقدان التنوّع الحيوي بلغ مستويات كارثيّة في النبات والحيوان على السواء... انخفاض كبير في مخزون المياه الصالحة للشرب... تلوّث خطير في الهواء يتسبب في ملايين حالات التسمم والوفيات... وتكدّس كميّات هائلة من البلاستيك في المحيطات ومجاري المياه، هي العناوين المخيفة لتقرير «آفاق البيئة العالمية» الذي يقع في أكثر من 700 صفحة، وينذر باقتراب سريع من كارثة شاملة في عالم يُقدَّر أن يرتفع عدد سكانه من 7.5 مليار حاليّاً إلى عشرة مليارات في عام 2050.
ويفيد التقرير بأن العالم لا يسير في الطريق السليم لتحقيق الأهداف التي توافقت عليها الدول في المؤتمرات الدولية حول تغيّر المناخ والتنمية المستدامة وحماية البيئة، ويطالب الدول باتخاذ إجراءات فورية لوقف التدهور الناجم عن «أنماط غير مستدامة من الإنتاج والاستهلاك» تقضي على النتائج الإيجابية القليلة التي حققتها بعض الدول. ويشدّد التقرير على ضرورة «اتخاذ تدابير سريعة على نطاق غير مسبوق لوقف التدهور وحماية صحة الإنسان والبيئة»، ويدعو الدول إلى احترام التزاماتها وتطبيق الإجراءات الوقائية المثبتة علميّاً، والملحوظة في الاتفاقات والمواثيق الدولية، مثل اتفاقية باريس حول تغيّر المناخ وأهداف التنمية المستدامة.
ويحذّر التقرير، وهو السادس في سلسلة التقارير التي صدر أوّلها عام 1997، من أن «التقدّم الضئيل الذي يحصل بطيء جداً، وفي معظم الحالات الوضع إلى تدهور»، ومن نتائج إخفاق الدول في اتخاذ الإجراءات السريعة اللازمة، وأثره على الموارد الطبيعية الأساسية والصحة البشرية.
لكن ما الآثار السلبية الفورية المرتقبة من الاستمرار في هذا المسرى الانحداري؟ يؤكد التقرير الذي وضعه 250 من أبرز العلماء والخبراء الدوليين «أن تغيّر المناخ يؤدي إلى تغيير أنماط الأحوال الجوّية، الذي بدوره له تداعيات واسعة وعميقة على البيئة والاقتصاد والمجتمع، ويهدّد سبل الرزق والصحة والموارد المائية والأمن الغذائي ومصادر الطاقة، ويزيد من حدّ الفقر والهجرة والنزوح والنزاعات».
ويفيد التقرير بأن الأدلّة العلمية المتوفّرة عن تغيّر المناخ أصبحت دامغة، إذ تبيّن أن معدّل حرارة سطح الكرة الأرضية قد ارتفع بمقدار 1.2 درجة مئوية منذ عام 1880، وأن العشريّة المنصرمة شهدت ثماني سنوات من بين السنوات العشر الأكثر حرارة في التاريخ المسجّل، وأنه إذا استمرّت انبعاثات غازات الدفيئة على الوتيرة الحالية، فإن المعدّل العام للحرارة سيواصل الارتفاع، ويتجاوز الحدود التي وضعتها اتفاقية باريس حول تغيّر المناخ.
ويؤكد الخبراء أن الامتثال للأهداف التي حددتها اتفاقية باريس، له مردود اقتصادي كبير، مقارنة بعدم الامتثال لها، وأن تلوّث الهواء هو العامل الأساسي في ارتفاع معدّل الوفيات؛ إذ يُقدَّر أن 7 ملايين شخص يموتون سنويّاً في سنّ مبكرة، بسبب تعرضهم لمستويات عالية من التلوّث، يعاني منها 95 في المائة من سكّان العالم.
ويشير التقرير إلى الدراسة التي وضعها البنك الدولي مؤخراً، ومفادها أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الوفيات المبكرة وانخفاض معدّل الإنتاجية والأمراض بسبب تلوّث الهواء، تعادل إجمالي الناتج القومي لليابان.
ويفرد التقرير باباً خاصاً لفقدان التنوّع الحيوي، الذي يشكّل أحد أخطر تداعيات التغيّر المناخي، ويشير إلى مخاطر التحوّلات الجذرية في استخدام الأراضي، وتدهور الموائل الطبيعية للكائنات الحيّة والأجناس النباتية، والممارسات الزراعية غير المستدامة، وانتشار الأنواع الغازية والتلوّث، والإفراط في استغلال الموارد. كما يحذّر من الآثار المدمّرة للقطع الجائر لأشجار الغابات، والتجارة غير المشروعة بالأجناس البريّة التي تقدّر قيمتها بنحو 240 مليار دولار سنويّاً.
وتفيد آخر الدراسات بأن 42 في المائة من اللافقريّات البريّة، و34 في المائة من المائية تواجه خطر الانقراض، وأن الفقريّات البريّة فقدت 60 في المائة من تنوّعها الحيوي منذ عام 1970 إلى اليوم. ويحذّر التقرير من أن التنوّع الوراثي الذي يعتبر حيويّاً بالنسبة للحياة البريّة وتنوّع الحبوب والسلالات الحيوانية، يتراجع باطراد، ويشكّل تهديداً مباشراً على الأمن الغذائي، خصوصاً للفقراء الذين يعتمدون بنسبة 70 في المائة على الموارد الطبيعية.
وليست البحار والمحيطات في حال أحسن من المناطق البرّية، إذ تتعرّض هي أيضاً لمعدّلات خطيرة من التلوّث المناخي، الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة الحموضة في المياه، تضاف إليه حركة النقل البحري، والإقبال المتزايد على استغلال الموارد المائية لإنتاج الأغذية، ناهيك عن النفايات البلاستيكية الهائلة المنتشرة في كل بحار العالم، والتي تشكّل 75 في المائة من مجموع النفايات البحرية.
ويفيد التقرير بأن «ثمانية ملايين طن من النفايات البلاستيكية تنتهي سنويّاً في البحار والمحيطات؛ حيث تتحلّل منها مواد سامّة تتراكم في الحيوانات البحرية، وتنتقل منها إلى الإنسان، فتؤثّر على خصوبته وعلى النمو العصبي عند الأطفال». ويحذّر الخبراء من أن عدم اتخاذ إجراءات فاعلة وسريعة، على نطاق واسع، لمعالجة تلوّث البحار، من شأنه أن يؤدي إلى تدمير النظم الإيكولوجية البحرية، والقضاء على الخدمات الحيوية التي توفّرها للإنسان. المياه العذبة انخفض مخزونها العالمي، وتراجعت جودتها منذ عام 1990، بسبب التلوّث العضوي والكيميائي الناجم عن استخدام الأسمدة والمبيدات وترسبّات المعادن الثقيلة والنفايات البلاستيكية، بينما يُقدّر أن ثلث سكان العالم يفتقرون إلى خدمات مناسبة للصرف الصحّي.
ويحضّ التقرير على تحسين استخدام المياه للأغراض الزراعية، التي تستهلك 70 في المائة من المياه العذبة في العالم. وتصل هذه النسبة إلى 90 في المائة في بعض البلدان الفقيرة. زحف الصحراء على الأراضي الخضراء، هو أيضاً من المخاطر التي يحذّر منها التقرير إذا لم تتخّذ الإجراءات اللازمة، إذ يقدّر أن 40 في المائة من سكان الأرض سيعيشون في مناطق صحراوية، خصوصاً في البلدان الآسيوية والأفريقية الفقيرة، بحلول عام 2050.
معظم التوصيات والاستنتاجات التي يخلص إليها التقرير، تركّز على تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك، كشرط أساسي لعكس هذا المنحى «الانتحاري» الذي إذا استمرّ، فسيؤدي إلى عجز العالم عن إطعام سكانه الذين سيبلغون عشرة مليارات في أقل من ثلاثين عاماً، مما قد يطلق «منافسة مستميتة على الماء والغذاء والموارد الطبيعية».
مظاهرات حاشدة في مئات المدن احتجاجاً على فشل التصدي للأزمة المناخية
مظاهرات حاشدة في مئات المدن احتجاجاً على فشل التصدي للأزمة المناخية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة