السلطة ترد على «قرصنة» أموالها بالمقاطعة وطلب تفعيل شبكة الأمان العربية

لجأت إلى تقليص الرواتب والاقتراض من البنوك في مواجهة العجز المحتمل

شابات فلسطينيات في سوق بغزة منتصف الشهر الجاري (رويترز)
شابات فلسطينيات في سوق بغزة منتصف الشهر الجاري (رويترز)
TT

السلطة ترد على «قرصنة» أموالها بالمقاطعة وطلب تفعيل شبكة الأمان العربية

شابات فلسطينيات في سوق بغزة منتصف الشهر الجاري (رويترز)
شابات فلسطينيات في سوق بغزة منتصف الشهر الجاري (رويترز)

وضعت السلطة الفلسطينية خططا مختلفة لمواجهة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتطاع نحو 138 مليون دولار من عوائد الضرائب المستحقة للسلطة، ردا على استمرارها في دفع رواتب شهرية إلى عوائل مقاتلين فلسطينيين وأسرى في السجون الإسرائيلية.
وقال نائب رئيس حركة فتح محمود العالول، إن اللجنة المكلفة بتنفيذ قرارات المجلس المركزي قررت اتخاذ عدة خطوات لمواجهة قرار إسرائيل، ومن بينها مقاطعة البضائع الإسرائيلية. وأضاف العالول متحدثا عن اجتماع ترأسه الرئيس الفلسطيني لوضع خطط «لقد تم تشكيل لجنة من أجل إعداد قائمة المنتوجات الإسرائيلية التي لها بديل محلي من أجل منع إدخال هذه المنتوجات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية».
وهذه ليست أول مرة يجرب فيها الفلسطينيون مقاطعة البضائع الإسرائيلية ردا على قرارات بحجز أموال فلسطينية أو لأسباب أخرى، لكنها المرة الأولى التي يجري فيها الأمر بقرار رسمي. وكانت السلطة قررت قبل سنوات وقف التعامل مع بضائع المستوطنات من دون أن يشمل ذلك البضائع الإسرائيلية، متجنبة المس بالاتفاقات الاقتصادية مع إسرائيل.
وحسب أرقام رسمية يبلغ حجم الواردات الفلسطينية السنوية من إسرائيل ما يقارب 4 مليارات دولار، وتشكل ما نسبته 68.7٪ من واردات الفلسطينيين السنوية. ويستهلك الفلسطينيون منتجات شركات مثل «شتراوس» و«تنوفا» و«أوسم» و«عيليت» و«بريغات» و«يعفورا»، الإسرائيلية أكثر من غيرها من البضائع الفلسطينية.
وينتظر أن يشكل القرار الفلسطيني إذا ما دخل حيز التنفيذ ضربة لهذه الشركات الإسرائيلية وبالتالي للاقتصاد الإسرائيلي. وهذه الخطوة هي واحدة من بين خطوات أخرى.
وقال العالول إنه «تم تشكيل لجنة ثانية تضم مجموعة من المسؤولين للالتقاء بسفراء وقناصل الدول الأوروبية لإطلاعهم على تداعيات قرار الاحتلال بخصم مستحقات اسر الشهداء والأسرى». وأضاف: «تقرر كذلك إرسال رسالة للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، كون بلاده راعية لاتفاق باريس الاقتصادي للضغط على حكومة الاحتلال ومنعها من قرصنة أموال المقاصة».
وتابع بأن «اللجنة قررت كذلك الذهاب للمحاكم الدولية لمحاسبة إسرائيل على سرقة أموال الضرائب إضافة إلى اتخاذ قرارات تتعلق بإعادة النظر في كل أشكال العلاقة مع إسرائيل على كافة الأصعدة». وأكد العالول أن القيادة ستتخذ إجراءات إضافية على كل الأصعدة للضغط على الاحتلال، بما في ذلك تفعيل المقاومة الشعبية السلمية والعمل مع الدول العربية من أجل توفير شبكة أمان مالية.
وخاطبت فلسطين بشكل رسمي الجامعة العربية، لتفعيل شبكة الأمان المالية المقدرة بقيمة 100 مليون دولار، بحسب ما قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي. وكانت القمة العربية بالكويت عام 2010 أقرت «شبكة أمان مالية عربية»، قيمتها 100 مليون دولار شهريا، يتم تفعيلها في حال ضغطت إسرائيل على الفلسطينيين مالياً.
وأضاف المالكي، في مؤتمر صحافي، عقده بمقر وزارة الخارجية الفلسطينية، بمدينة رام الله، أمس: «إن القرار الإسرائيلي بقطع جزء من أموال المقاصة يحمل انعكاسات سياسية ومالية واضحة». وتابع: «لا نستطيع الفصل بين قرار إسرائيل بحجز جزء من أموال المقاصة، وقرار الولايات المتحدة الأخير بوقف المساعدات المالية، لإخضاع الفلسطينيين».
وقررت إسرائيل اقتطاع مبلغ محدد كل شهر من الضرائب التي قد تزيد عن 150 مليون دولار شهريا وتصل إلى 200 مليون، لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رد بقراره رفض تسلم أي أموال إذا خصمت إسرائيل منها. وتشكل هذه الأموال الدخل الأكبر للسلطة، وهو ما يعني أن أزمة مالية حادة بانتظار الفلسطينيين.
وأقر وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة بوجود صعوبات كبيرة.
وقال بشارة في مؤتمر صحافي، أمس، إن الفلسطينيين ينتظرون أياما صعبة، مؤكدا أن القرار الإسرائيلي سيزيد العجز في ميزانية العام الجاري. وأضاف: «نحن مقبلون على أيام صعبة في الأسابيع المقبلة، وسنتعامل مع الرواتب بحكمة وإنصاف قدر الإمكان». وشرح كيف أن الحكومة ستواجه العجز بسلسلة إجراءات ستبدأ بتخفيض رواتب الموظفين المرتفعة وتقنين المصاريف وترحيل بعض الالتزامات، إلى جانب الاقتراض من البنوك.
وقال وزير المالية: «هناك رواتب عالية قد لا تصرف كاملة، أما الرواتب الدنيا فسنحافظ عليها. في أزمة 2014 صرفنا أول ألفي شيقل من الراتب لجميع الموظفين، هذا يعني أن كل من راتبه أقل من 2000 شيقل تلقى راتبا كاملا، كما حافظنا على صرف جزء من رواتب باقي الموظفين بحد أدنى ألفي شيقل». ويستثنى من ذلك «رواتب المتقاعدين وعوائل الشهداء والجرحى والأسرى» التي «ستصرف كاملة بنسبة 100 في المائة».
وتحدث بشارة عن وقع عميق وأثر ملموس على الموازنة العامة إذا نفذت إسرائيل قراراها بخصوص المقاصة، موضحا «سيرفع العجز من 450 مليون دولار إلى 600 مليون دولار»، لافتا إلى العجز المزمن منذ قيام السلطة الوطنية في ظل الاحتلال، «إنهم يتحكمون في كل شيء، ومن المستحيل الحفاظ على اقتصاد مستدام، والقرار الإسرائيلي الجديد يزيد الأمور تعقيدا. العجز سيزداد».
ولمح بشارة إلى اتخاذ إجراءات لإعادة ترتيب العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، المحكومة لبروتوكول باريس الاقتصادي. كما أشار إلى جملة من الإجراءات لمواجهة تداعيات القرار الإسرائيلي، لكنه شدد على أن رفع الضرائب ليس من بين الخيارات التي تدرسها الحكومة. وقال: «نحن واضحون تماما، لن نرفع الضرائب ولو مليما واحدا. بل نحن ندرس خفضها على السلع الفلسطينية، ونرى في القرار فرصة لذلك».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.