في مديح المثقفين العراقيين

في مديح المثقفين العراقيين
TT

في مديح المثقفين العراقيين

في مديح المثقفين العراقيين

وسط الخراب العراقي الشاسع، الممتد منذ هولاكو إلى آخر حاكم في بغداد، تشع دائماً نقطة مضيئة لا يبدو أن أحداً قادر على إطفائها. ليس الآن فقط، بل منذ فجر تاريخ هذا البلد: الثقافة. العراق الذي نعرف ليس سوى ثقافة. لم يكن أي شيء آخر، ولن يكون. إنه لا يجيد أي شيء. فشل حتى في صناعة سياسي واحد من وزن ثقيل طوال تاريخه الحديث، منذ دخوله عصبة الأمم 1932، كأول بلد عربي يدخل هذا المحفل الأممي. وإذا استطعنا، بعد تفكير طويل، أن نعثر على سياسي واحد من هذا الطراز، أو اثنين، في أحسن الأحوال، فهذا ليس في صالحه، بل ضده. لكن العراق ماهر في صناعة المثقفين، ونستطيع أن نتجاوز قليلاً ونقول: مثقفين عضويين.
منذ 1922، نقل مثقفون من طراز حسين الرحال، والروائي محمود أحمد السيد، وفاضل محمد البياتي، بواكير الفكر التنويري للعراق. وما إن حلت الأربعينات والخمسينات، حتى أصبحت أفكارهم تشكل السمة الغالبة في الثقافة العراقية. كان الجواهري الكبير يلهب المتظاهرين في وثبة كانون 48. والسياب ينشد قصيدته العظيمة «أنشودة المطر»، وعبد الوهاب البياتي يطلق «أباريقه المهشمة»، وفؤاد التكرلي يتأمل في «الوجه الآخر». وفي المقابل، كان القتلة يترصدون!
إنهم يعرفون جيداً خطورة الكلمات! بعد الانقلاب البعثي الأول، عام 1963، الذي صادفت ذكراه الأليمة الثامن من هذا الشهر، لم تكد تعثر على مثقف عراقي واحد إلا في السجن، منهم من عاد، ومنهم من لم يعد أبداً، من رئيس جامعة بغداد العالم الفيزيائي الشهير عبد الجبار عبد الله، الذي قدرته أميركا بتدريس نظرياته بينما سحق البعثيون رأسه بأحذيتهم القذرة وهو عاجز في السجن، إلى الشاعر مظفر النواب الذي قضى وزملاؤه سنين طويلة في سجن الحلة، حتى نجح بالفرار عبر حفر نفق طويل في جدران السجن، أوصله إلى المنفى الذي ما يزال ساكناً فيه، متعب الجسد.
فعلها البعثيون مرة أخرى عام 1979، بعد أن استولوا على السلطة عام 1968؛ ابتدأوا بالمثقفين أيضاً قبل السياسيين. والحق يقال، فإنهم فعلوا أولاً ما يستطيعون لشراء هذا أو ذاك خلال هدنة سياسية قصيرة؛ كان حصاداً هزيلاً، فلم يبقَ سوى سلاحهم المفضل: القمع والسجن. وإن لم يؤديا إلى نتيجة، فالقتل. وهكذا، امتلأت السجون مرة أخرى بالمثقفين. وهناك، مات تحت التعذيب الأكاديمي صفاء الحافظ، والشاعر خليل المعاضيدي، وكاتب القصة قاسم محمد حمزة، على سبيل الأمثلة فقط. أما الهاربون، فتجاوزوا رقماً لم يعرفه أي بلد، ما عدا ألمانيا في الفترة النازية. ووثقت الأرقام أكثر من 500 مثقف هارب حتى عام 1980 فقط. ولكن قسماً من هؤلاء المثقفين ترك نعيم أوروبا، لينضم إلى فصائل الأنصار التي كانت تقاتل صدام حسين من جبال كردستان.
ما زال المثقفون العراقيون عصيين على الترويض. ومقابل ذلك، ما يزال القتل مستمراً. كم سياسياً اغتيل في العراق منذ 2003؟ لا أحد! لا سياسي في العراق الآن يمكن أن يشكل خطراً على أكبر سراق في تاريخ العراق، القديم والحديث، فيستهدفونه. ثم، لماذا يغتال بعضهم بعضاً وهم شركاء في كل شيء، وإن اختلفوا أمام شاشات التلفزيون؟ هناك عدو واحد مشترك: المثقفون المزعجون، كما كانوا دائماً.
في عام 2004، قتلوا الناقد الناشط السياسي قاسم عبد الأمير عجام، مدير عام دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة آنذاك. وقالت الوزارة، في بيانها بعد الاغتيال، إن عجام «استشهد إثر حادث إجرامي جبان مدبر».
وفي 2008، اغتالوا المثقف الناشط كامل شياع. وقالت الحكومة، في بيانها، إن «مسلحين مجهولين أطلقوا النار من مسدسات كاتمة للصوت على سيارة تقل كامل شياع عبد الله، مستشار وزير الثقافة».
وفي 2011، اغتيل المسرحي الإعلامي هادي المهدي، على «يد مسلحين مجهولين».
وآخر القتلى الروائي علاء مشذوب، على «يد مسلحين مجهولين» أيضاً!
أربعة أمثلة من أمثلة كثيرة على القتل المبرمج، المدروس تماماً.
القتلة يعرفون جيداً خطورة الكلمات، ربما أكثر منا.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».