الجمارك تنهش الأسواق السورية

لمكافحة تهريب البضائع التركية عبر شبكات يرعاها ضباط كبار

ساحة المرجة القريبة من أسواق الحميدية في دمشق الشهر الماضي (أ.ف.ب)
ساحة المرجة القريبة من أسواق الحميدية في دمشق الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الجمارك تنهش الأسواق السورية

ساحة المرجة القريبة من أسواق الحميدية في دمشق الشهر الماضي (أ.ف.ب)
ساحة المرجة القريبة من أسواق الحميدية في دمشق الشهر الماضي (أ.ف.ب)

خلال أقل من أسبوع على إعلان الحكومة السورية خطتها لمكافحة التهريب، حصدت الضابطة الجمركية غرامات بقيمة 300 مليون ليرة سورية، مع توقعات بأن تصل إلى مليار ليرة قبل انتهاء الأسبوع الثاني من إطلاق الحملة، وذلك وسط حالة شلل شبه تام للأسواق السورية.
وقد حررت الضابطات الجمركية في مدينة دمشق وحدها، أكثر من 40 أمر تحرٍّ شملت العديد من الأسواق والمناطق التجارية في دمشق، أهمها الزبلطاني وزقاق الجن ومحال ومستودعات في دمشق القديمة. وتم ضبط مهرَّبات معظمها أدوات صحية ولوازم شبكات وألبسة أطفال والعديد من المواد والبضائع ذات المنشأ التركي.
وذلك وفق تصريحات رسمية لمسؤول في الضابطة الجمركية التي قامت قبل أيام قليلة بتغريم وإغلاق عشرات المحلات التجارية في أسواق المناطق الراقية بدمشق، مثل المالكي وكفرسوسة والطلياني وأبو رمانة والمزة والروضة والشعلان والقصاع، لوجود بضائع مهربة ذات منشأ أجنبي من مواد غذائية ومستحضرات تجميل وألبسة وأحذية وسجاد بلغت غراماتها 115 مليون ليرة سورية.
وجاءت حملة مكافحة التهريب لتوجه ضربة قاسية إلى الأسواق التجارية السورية في وقت ترزح فيه البلاد تحت حالة ركود قاهر جراء انخفاض قيمة الليرة (520 ليرة مقابل الدولار) وتفاقم أزمة الوقود ومواد الطاقة (الغاز والمشتقات النفطية والكهرباء). لكن حكومة دمشق ترى أن «ضبط التهريب هو الأساس في تحقيق سياسات ترشيد المستوردات والحفاظ على القطع الأجنبي وحماية الاقتصاد الوطني»، طارحة خريطة طريق تهدف إلى «إعلان سوريا دولة خالية من المواد المهربة» مع نهاية العام الجاري 2019.
وجاء ذلك عقب اجتماع عاصف بداية شهر فبراير (شباط) الجاري، عقدته الحكومة مع عدد من كبار المسؤولين والضباط في الجمارك، أطلق خلاله رئيس الوزراء عماد خميس، تحذيرات «شديدة اللهجة» حسب البيان الرسمي، وشملت الخطة إلغاء منح الموافقات والاستثناءات الخاصة بنقل المشتقات النفطية بين المحافظات، وبخاصة إلى القرى والبلدات المتاخمة للمناطق الساخنة، وإلغاء تجديد التراخيص للمعامل الواقعة في هذه المناطق، وإدخال منتجاتها التي يجري التلاعب في منشئها وإلصاق علامة المنشأ السوري عليها تزويراً، ومنع تمرير أي سلعة من تلك المناطق إلى المحافظات السورية باستثناء بعض المواد الغذائية الضرورية ولا سيما الزراعية منها.
وتستهدف تلك الإجراءات بالدرجة الأولى محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة، والتي باتت حسب الحكومة، «تعد مركزاً أساسياً لإدخال البضائع التركية» إلى مناطق سيطرة النظام، عبر شبكات تهريب يرعاها ضباط كبار في النظام. وتشير المعلومات الحكومية الرسمية، إلى أن البضائع التركية تدخل إلى تلك المعامل المرخصة في إدلب ليتم تعديل بيانات المنشأ والصلاحية. قبل أن تجد طريقها إلى الأسواق في مناطق سيطرة النظام.
ويشار إلى أن الحملة انطلقت بدايةً في ريف حماة الشمالي المتاخم لمحافظة إدلب، وتمت مداهمة مستودعات البضائع المهربة في بلدتي قمحانة وربيعة، بدورية من 100 سيارة تقدمها محافظ حماة، إلا أن الحملة باءت بالفشل وذلك لتصدي الأهالي لها. والمعروف أن بلدتي قمحانة وربيعة من أكبر الخزانات البشرية لقوات النظام، ومعظمهم ينتمون إلى مجموعات «الطرماح» التابعة لقوات العميد سهيل الحسن الملقب بـ«النمر» المدعومة من القوات الروسية. وكادت الحملة تودي إلى اشتباك بين الجمارك وأهالي قمحانة لولا تدخل اللجنة الأمنية في المنطقة لاحتواء الأزمة، وبررت الضابطة الجمركية فشل مداهمة مستودعات قمحانة وربيعة التي تعدها الحكومة من أهم نقاط تغذية الأسواق بالبضائع والمواد المهربة، بأن المهربين أخلوا المستودعات قبيل وصول دورية الجمارك. ومع ذلك اعتبر مسؤول في الضابطة الجمركية أن «الحملة حققت نتائجها في المحافظات خصوصاً حماة، التي باتت مؤخراً تشكل أهم المعابر والممرات للبضاعة التركية المهربة».
تاجر دمشقي وصف سياسات الحكومة بـ«الكارثية»، معتبراً خطتها في مكافحة التهريب «حقاً يراد به باطل». ويقول: «قد تكون الخطة محقة لكن ليس في بلد حرب ينشط فيه اقتصاد بديل قوامه الأساسي التهريب، فالزراعة والصناعة بكثير من مستلزماتهما الأساسية تعتمدان على المواد المهربة كالمبيدات والأعلاف وبعض المواد الخام، وهي مواد إذا تم استيرادها بشكل نظامي ستزيد سعر التكلفة عدة أضعاف، بينما تنعدم القيمة الشرائية لدى السوريين». ويستغرب التاجر من أن «الحكومة نفسها تعمد إلى التهريب تحايلاً على العقوبات الدولية»، مؤكداً أن حملات الجمارك تسير «خبط عشواء لا يراد منها دعم الاقتصاد بل نهش بأنياب من حديد رؤوس المال الصغيرة والضعيفة المتحركة في الأسواق. وإلا كانوا سيطروا على المعابر وهي معروفة ومعروف من يديرها».
من جانبها أكدت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أن الحملة المستمرة منذ سنوات «ساهمت في تحقيق إيرادات كبيرة ودعمت الخزينة العامة بالأموال الوطنية والقطع الأجنبي».
وتشهد الأسواق السورية جموداً غير مسبوق منذ ثلاثة أشهر، تفاقم في الأسابيع الأخيرة بعد إطلاق الحملة، وتراجع القيمة الشرائية وتردي الوضع المعيشي، والذي تعزو حكومة النظام أسبابه إلى العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على سوريا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.