بعد 8 سنوات.. سقوط المالكي بتوافق دولي ومحلي

خادم الحرمين يهنئ الرئاسات الثلاث ويدعو إلى إعادة اللحمة بين أبناء الشعب واستعادة العراق مكانته في العالمين العربي والإسلامي

صورة من موقع رئاسة الوزراء العراقية لرئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي خلال اجتماعه بالقيادات الأمنية والعسكرية
صورة من موقع رئاسة الوزراء العراقية لرئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي خلال اجتماعه بالقيادات الأمنية والعسكرية
TT

بعد 8 سنوات.. سقوط المالكي بتوافق دولي ومحلي

صورة من موقع رئاسة الوزراء العراقية لرئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي خلال اجتماعه بالقيادات الأمنية والعسكرية
صورة من موقع رئاسة الوزراء العراقية لرئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي خلال اجتماعه بالقيادات الأمنية والعسكرية

بعد أقل من 24 ساعة على تكليفه بمهمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ترك حيدر العبادي الباب مفتوحا أمام رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي للمشاركة في الحياة السياسية. وفي حين عدّ خبير قانوني عراقي بارز تكليف رئيس الجمهورية للعبادي بتشكيل الحكومة دستوريا وألا أثر سيترتب على توجه المالكي إلى المحكمة الاتحادية لنقض قرار التكليف، فإن العبادي حظي بتوافق نادر داخليا من الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية، وخارجيا من أهم حليفين للمالكي حتى وقت قريب، وهما إيران والولايات المتحدة اللتين أيدتا تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
وقال العبادي في كلمة له إن «المالكي أخ ورفيق درب»، مشيدا بما سماه «إنجازاته الهائلة». وفي السياق نفسه، دعا العبادي «الكتل السياسية العراقية إلى تقديم رؤاها بشأن الإسراع في تشكيل الحكومة المقبلة، وإلى التوحد لإيجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها العراق». كما دعا العبادي «القوات الأمنية والمتطوعين للاستمرار في الدفاع عن الوطن، ونشيد بحجم تضحياتهم من أجل وحدة العراق وسلامة أهله». كما أشاد العبادي بمواقف المرجعية الدينية الشيعية التي وصفها بالشجاعة.
من جهته، أكد إبراهيم بحر العلوم، عضو البرلمان العراقي عن المجلس الأعلى الإسلامي ووزير النفط الأسبق، لـ«الشرق الأوسط» أن «النقلة التي حصلت في العاشر من أغسطس (آب) بتكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة إنما تمثل عودة بالعراق إلى ما قبل يوم العاشر من يونيو (حزيران) الماضي (في إشارة إلى سيطرة تنظيم (داعش) على محافظتي الموصل وصلاح الدين) لا سيما أن هناك اتجاها للتغيير قادته في الدرجة الأولى المرجعية الدينية، وهو ما أدى إلى تسريع عملية الانتقال نحو مرحلة جديدة من العمل السياسي والوحدة الوطنية». وأضاف بحر العلوم أن «العبادي شخصية مقبولة، وهو يجمع بين ما هو سياسي وما هو تكنوقراط، فضلا عن أنه شخصية معتدلة، ويميل إلى الانفتاح على الفضاء الوطني وهو الأهم اليوم في المرحلة التي نعيشها، وهو ما يعني أن هذا التغيير سيمثل بوابة أمل للعراق في الخروج من الأزمة التي يعانيها منذ سنوات». وشدد بحر العلوم على أهمية أن «تكون هناك خريطة طريق مع كل القوى الوطنية، وتحديد الأولويات، ومن أبرزها التخلص من المحاصصة الطائفية المقيتة والتأكيد على المواطنة بالدرجة الأساس».
في السياق نفسه، أكد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ووزير العلوم والتكنولوجيا السابق رائد فهمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المحتوى السياسي لخطوة التغيير أمر مهم وينبغي تعزيزه بدعم القوى الوطنية جميعا، لأن المالكي تحول خلال الفترة الماضية إلى عقبة ولم يتعاون بشكل جدي مع الآخرين»، مبينا أن «ما حصل فتح كوة أمل وصفحة جديدة نأمل أن تكتمل بتشكيل حكومة تمثل الجميع ولا تقصي أحدا لكي نتوجه جميعا إلى محاربة الإرهاب والفساد معا».
في غضون ذلك، انحسرت تماما الإجراءات الأمنية التي سادت الشارع العراقي خلال اليومين الماضيين؛ إذ انسحبت القوات الأمنية المنتشرة في مدخل ومحيط المنطقة الخضراء وسط بغداد إلى داخلها. وقال مصدر أمني في تصريح صحافي أمس إن «انسحاب تلك القوات الأمنية جاء بعد تلقيها أوامر عسكرية من قيادات أمنية بضرورة الانسحاب».
وفي حين فشل اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي أمس، بسبب عدم حضور غالبية الوزراء، بمن فيهم نائبا رئيس الوزراء حسين الشهرستاني وصالح المطلك، مما يشكل أكبر ضربة سياسية للمالكي، فإنه اجتمع بالقيادات العسكرية داعيا إياهم إلى عدم التأثر بالأجواء السياسية، وهي التفاتة مهمة يريد من خلالها الرد على ما قيل عن تحركات باتجاه انقلاب عسكري. وجاء في بيان نشر على موقع المالكي أن «رئيس الوزراء (نوري المالكي) حث القادة الضباط ومنتسبي الأجهزة الأمنية على الابتعاد عن الأزمة السياسية والالتزام بواجباتهم الأمنية والعسكرية لحماية البلاد، وأن لا يتدخلوا فيها»، وأن «يتركوا هذا الموضوع للشعب والسياسيين والقضاء».
من جهته، وردا على شكوى المالكي للمحكمة الاتحادية بشأن «عدم شرعية» تكليف العبادي، رأى الخبير القانوني طارق حرب أن «قرار رئيس الجمهورية بتكليف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة قام على الأساس الدستوري واعتمد المبدأ الديمقراطي، فالدستورية تحققت في هذا القرار لأن العبادي عضو في الكتلة النيابية الأكثر عددا وهي كتلة دولة القانون». وبين أن «هذا التكليف يعني أن القرار التزم بأحكام المادة 76 من الدستور الخاصة بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا لتشكيل الحكومة»، مشيرا إلى أن «الديمقراطية في الترشيح تحققت أيضا عندما أيد أكثر من نصف عدد نواب هذه الكتلة العبادي في الترشيح لهذا المنصب، ذلك أن 50 نائبا من كتلة دولة القانون عاضد العبادي في الترشيح من مجموع عدد نواب هذه الكتلة الذين يبلغون أقل من 100 نائب».
وفي سياق متصل، فإن حركة «عصائب أهل الحق»، وهي كبرى الفصائل المؤيدة للمالكي، أعلنت تأييدها للعبادي. وقالت الحركة في بيان لها إنه «في خضم الأحداث الأمنية الخطيرة التي تعصف بالبلاد وتعرضها إلى أشرس هجمة تكفيرية تستهدف الحياة فيها وتحاول تفكيك النسيج المجتمعي وتقطيع أوصال هذا الوطن الجريح، نشهد أحداثا سياسية في غاية الخطورة يُمكن أن تزيد الوضع سوءا وتعقيدا». وأضافت: «وإننا إذ ندعو أبناء شعبنا العراقي الكريم بكل دياناته ومذاهبه وقومياته لضرورة التمسك بوحدة العراق أرضا وشعبا وتفويت الفرصة على الأعداء، نريد الإشارة إلى بعض النقاط المهمة؛ فقد ذكرنا في أكثر من مُناسبة موقف الحركة من منصب رئاسة مجلس الوزراء وأنه حصة الأغلبية من أبناء هذا الوطن، وأنه بغض النظر عن الكتل الأكبر قانونيا، فإن الممثل السياسي لهذه الأغلبية في الوقت الحاضر هو التحالف الوطني، والمحافظة على وحدة التحالف الوطني هي مسؤولية كبرى تقع على عاتق الجميع».
وتواصل الترحيب الدولي أمس بتكليف العبادي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. ودعت البيانات والتصريحات الصادرة بهذا الشأن إلى وحدة أطياف الشعب في مواجهة الهجوم الذي يشنه مسلحو «داعش».
وفي طهران، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني: «نهنئ حيدر العبادي على تعيينه رئيسا للوزراء، وكذلك المرجعية العراقية». ودعا شمخاني «جميع الأطياف والتحالفات العراقية إلى الوحدة للحفاظ على المصالح الوطنية وسيادة القانون في مواجهة التهديدات الخارجية»، كما نقلت عنه وكالة أنباء إسنا. كما أكد «دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للعراق الموحد والآمن من أجل تقديم خدماته للشعب والرقي بمكانته الإقليمية».
وهذا هو أول موقف إيراني يؤكد أن المالكي لم يعد يحظى بدعم طهران التي كانت تراه حليفها الرئيس في المنطقة. وقال شمخاني إن «الأطر القانونية التي يتضمنها الدستور العراقي ميثاقا وطنيا هي الأساس لانتخاب رئيس الوزراء من قبل أكبر كتلة في البرلمان العراقي». وكانت إيران تدعم المالكي لكنها أكدت أنها ستؤيد خيار البرلمان العراقي لرئيس الوزراء.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) عن وسائل إعلام كردية عراقية أن إيران قدمت مساعدة إنسانية وطبية إلى كردستان العراق مع بدء الأزمة. وبعث رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني برسالة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني ليشكر له مساعدته، حسب المصدر نفسه.
وقد حث وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، العبادي على الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية. وقال كيري في سيدني: «نحثه على تشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت ممكن، والولايات المتحدة مستعدة لدعم حكومة عراقية جديدة تجمع كل الأطراف، وخصوصا في قتالها مسلحي (داعش)». وأضاف كيري: «سأكون واضحا، لقد أردنا على الدوام حكومة جامعة تمثل كل العراقيين. هذا هو الهدف».
وأول من أمس، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن العراق اتخذ خطوة واعدة بتكليف رئيس الوزراء الجديد وتعهد بدعم الحكومة العراقية الجديدة. وقال أوباما للصحافيين من ماساتشوستس، حيث يقضي عطلة مع أسرته، إن العراق اتخذ خطوة مهمة في مواجهة مسلحي تنظيم داعش منذ أذنت الولايات المتحدة بشن هجمات جوية على التنظيم الأسبوع الماضي. وحث أوباما على سرعة تشكيل حكومة عراقية تمثل كل العراقيين وتلبي مطالبهم. وحسب وكالة رويترز، أضاف أوباما: «اليوم اتخذ العراق خطوة واعدة في هذا المسعى الحاسم».
وتشير تصريحات أوباما ومكالمته الهاتفية للعبادي إلى توقعات الإدارة أو أملها في انتهاء حكم المالكي الذي استمر ثماني سنوات، حتى وإن لم يظهر المالكي تخليه عن السلطة. وقال مايكل نايتس، الباحث في الشؤون العراقية بمعهد واشنطن، عن العبادي: «إنهم يعاملونه كما لو كان رئيس الوزراء بالفعل». وأضاف: «يمكن الآن للولايات المتحدة المضي قدما في عرضها لتعزيز التعاون الأمني مع العراق».
وأوضح أوباما أنه تحدث مع العبادي لتهنئته وحثه على سرعة تشكيل حكومة جديدة تمثل الطوائف العرقية والدينية المختلفة في العراق. وقال أوباما: «هذه القيادة العراقية الجديدة أمامها مهمة صعبة... عليها استعادة ثقة مواطنيها واتخاذ خطوات لإظهار إصرارها».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.