العلاقة الوطيدة بين الأم وابنها والخصوصية التي تحيط بها هي عادة ما تكون العنوان الكبير الذي يربط ما بين الصبي ووالدته. وفي علم النفس تعتبر هذه العلاقة أساسية في تكوين شخصية الرجل وتؤسس للتوازن في علاقاته مع النساء عامة. وعادة ما يقال: «ابحث عن الأم» في حال فشل الصبي أو العكس في تواصله مع الجنس اللطيف. وفي معرض «لور ومازن بيني وبينك» في متحف سرسق تحضر هذه العلاقة المميزة بين لور غريب الشاعرة والرسامة والناقدة الفنية وابنها مازن كرباج الفنان المتخصص في الرسوم المصورة والموسيقى. فلفائف الورق والدفاتر والرسوم والتعليقات المعروضة تظهر عمق العلاقة بينهما، التي ترجماها بالحبر الصيني والأقلام الملونة وعبارات محببة وأخرى غاضبة تنصهر مع بعضها لتؤلّف بانسيابتها شريط حياة كاملا بينهما.
من الصعب أن تفرّق في معرض «لور ومازن بيني وبينك» بين رسومات الأم وتلك الخاصة بابنها. فذوبانها ببعضها عن طريق استخدامهما أسلوب الـ«4 أياد» تماما كما يحصل عندما يقدّم ثنائيا عازفا عرضا موسيقيا على آلة البيانو، تصلك في نغمات غنية بنوتات المشاعر والأحاسيس التي تجتاحهما في خضم تلك العلاقة.
فقد قام الفنانان عبر السنوات بتطوير ممارسة ذات أربع أياد (يرسم كلّ منهما بكلتا يديه) وأسلوب فريد من نوعه، حيث تندمج التفاصيل الدقيقة لأعمال لور مع صور ظلّية كبيرة لمازن. ليست هناك حاجة إلى معرفة من المسؤول عن الفوضى والتشابك في رسوماتهما ومراسلاتهما إذ يحتاج المرء ببساطة إلى مواكبة جنونهما وطموحهما.
ويتألف المعرض من لوحات فردية لكل منهما، معلقة على الشق العلوي للجدران وتنضم إليها في القسم السفلي لفائف ورق عملاقة تنتشر على نحو 100 متر في القاعة المخصصة لهذ الحدث، أنجزاها لور ومازن معا.
بعض أعمال المعرض بدأ العمل عليها عام 2006، التي كانت منطلقاً لاشتراك الاثنين في الفن، فقد كانت لور تتابع أحداث حرب تموز جالسة على مقعدها متسمّرة أمام الشاشة، حين اقترح عليها مازن أن يوثّق الاثنان ما يحدث بطريقتهما ومن منظوريهما المختلف في العمر والطريقة والتقنية والخطوط والجيل.
وبين عناوين رسمات «أنت وأنا» و«شبح» و«أنطوان» و«حرب» اختارتها لور غريّب من معارض سابقة لها تطالعك لفائف ورق امتدت على أمتار طويلة من أرجاء المعرض، لتخبرك قصصا تتراوح موضوعاتها بين الرومانسية والإنسانية والحرب والسلم. وتلتقي فيها برموز حكايات الحب أمثال عنتر وعبلة وروميو وجولييت ومارك أنطوني وكليوبترا وجان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وغيرهم من أبطال حكايات العشق والغرام. وتمّ تقديمها في قالب ساخر حينا وملامح وجوه نافرة بالأبيض والأسود ترافقها رسوم منمنمة ملونة حينا آخر.
تعزّز لديك هذه الصور ارتسام الابتسامة على شفتيك بصورة تلقائية، فحضور عبارات وتعليقات مكتوبة باليد ومطبوعة ببراءة أنامل الأطفال، تزوّدك بمشهدية نادرة تكمن جماليتها بعفويتها وجنونها معا. ويطلّ مازن كرباج بخياله الواسع بين صور أبطال الحب ليلونها برسمين لوالده الممثل أنطوان كرباج ووالدته لور غريّب، لكونه يعتبرهما من رموز قصص الحب أيضا. فهما يعيشان قصتهما منذ أكثر من 50 عاما. ومع وجوه منتفخة وأخرى تنفر منها أنوف ضخمة وعيون مبحلقة وأفواه بشفاه عريضة مرة وملونة بالأحمر مرات أخرى، سيطول تدقيقك في هذه الرسوم ذات الإيقاع السريع بحيث تشعر أن ساعات طويلة لن تكفيك لتلحق بأفكارها موضوعاتها.
وفي وسط المعرض يطالعك صندوق مستطيل ذو واجهة زجاجية يذكرك بـ«صندوق الفرجة» للرسوم والعناوين التي تكتنف معروضاته. وهي كناية عن مراسلات بالرسومات تبادلها الفنانان بين عامي 2015 و2017 استخدما فيها الحبر الصيني وأقلام تلوين. مجموعة من الذكريات بين أم عمرها 88 عاما وابنها ذي الـ44 سنة، يحتويها معرض «لور ومازن بيني وبينك» الموثّق بلوحات حديثة ساهم الابن الشاب بولادتها مباشرة. فهو ظلّ يراسل والدته حتى بعيد انتقاله إلى العيش في برلين. وقبلها أحضر ورقا بطول 100 متر وقسمه بينهما ليتراسلا من وراء المحيطات بواسطة رسومهما التشكيلية.
«لور ومازن بيني وبينك»... شريط حياة أم وابنها في صور
«لور ومازن بيني وبينك»... شريط حياة أم وابنها في صور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة