ماكرون في زيارة لمصر تغلب عليها الملفات السياسية

ماكرون في زيارة لمصر تغلب عليها الملفات السياسية
TT

ماكرون في زيارة لمصر تغلب عليها الملفات السياسية

ماكرون في زيارة لمصر تغلب عليها الملفات السياسية

ثلاثة محاور رئيسية ستدور حولها زيارة الرئيس الفرنسي إلى مصر التي ستدوم يومين ونصف اليوم (من الأحد وحتى منتصف الثلاثاء): السياسة والأمن، والاقتصاد والثقافة والآثار. وتعول باريس، وفق ما شرحته مصادر قصر الإليزيه أمس، في معرض تقديمها، كثيرا عليها بالنظر لـ«العلاقة الاستراتيجية القديمة» القائمة بين البلدين و«لدور مصر في التوازنات الإقليمية ولاستقرار وأمن المنطقة».
وفي المحور الأول، تعتبر باريس أن التقارب بينها وبين القاهرة إزاء الملفات الإقليمية الساخنة (سوريا، وليبيا، وفلسطين، وأفريقيا) هو «كلمة السر» التي تربط الطرفين إلى درجة أن المصادر الرئاسية تصف مصر بأنها «الشريك الأساسي لدبلوماسيتنا في كل المسائل الاستراتيجية» وأولها ليبيا التي يشكل وضعها المتسم بالفوضى «تحديا أمنيا» للدولتين ولكن أيضا لبلدان الساحل وحتى أوروبا، وبالتالي فإن «للطرفين مصلحة» في إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية. كذلك تعول باريس كثيرا على القاهرة في الملف السوري إذ إنها ترى أن لمصر «دورا مهما في المحادثات السياسية» حول سوريا كما أنها تلعب دورا مهما بالنسبة لملف غزة والملف الفلسطيني بكليته «المصالحة الفلسطينية، والعلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية» فضلا عن ذلك، تجد باريس كثيرا من الفوائد في التعاون مع مصر في الشؤون الأفريقية حيث سترأس مصر بداية فبراير (شباط) المقبل الاتحاد الأفريقي فيما ستكون أفريقيا بمشكلاتها وتحدياتها «الهجرات، والفقر، والأمن والاستقرار» على لائحة أعمال مجموعة الدول السبع الأكثر تصنيعا التي تعود رئاستها هذا العام لفرنسا. وتريد باريس التعاون مع القاهرة بشأن جميع هذه الملفات إضافة إلى محاربة الإرهاب والتطرف. ولا ينفصل ملف التعاون الدفاعي عن المسائل السياسية إذ إنه «جزء» من الشراكة الاستراتيجية.
وفي السنوات الأخيرة، تعمق هذا التعاون وبرز من خلال مشتريات مصر (24 طائرة عسكرية من طراز رافال، وطوافات، وسفن حربية وأنظمة أسلحة متنوعة). إلا أن مصادر الإليزيه سارعت إلى نفي احتمال التوقيع على عقود دفاعية جديدة إبان الزيارة دون أن تستبعد إمكانية الوصول إلى عقود جديدة لاحقا. ونفت أوساط الإليزيه عدم التوقيع على عقد جديد خاص بطائرة رافال لوجود «فيتو أميركي أو أي ضغوط من أي نوع». وسيكون للملف الليبي أهمية خاصة في المحادثات السياسية، خصوصا أن باريس والقاهرة عضوان في مجموعة عمل من ست دول كان من المفترض أن تعقد اجتماعا أمس في لندن للبحث في الملف الليبي والتحركات العسكرية في جنوب البلاد. وترى باريس أن لمصر دورا كبيرا في هذا الملف، خصوصا في الجوانب الأمنية والعسكرية وتحديدا توحيد القوى الأمنية. وتسعى باريس لتنسيق مواقفها مع القاهرة في الدفع نحو حل سياسي وإجراء الانتخابات الربيع المقبل. وفي الملف السوري الذي تسعى باريس للعودة إليه عبر البوابة الكردية، فإن الجانب الفرنسي ما زال يأمل بأن يسفر التقارب بين مجموعتي آستانة (روسيا وإيران وتركيا) والمجموعة المصغرة (الدول الغربية والأردن والسعودية ومصر) في الدفع باتجاه الحل السياسي. إلا أن أنظار باريس موجهة اليوم إلى شمال وشمال شرقي سوريا وإلى عزم واشنطن على سحب قواتها من هناك ورغبة تركيا بإقامة «منطقة آمنة». وترى باريس، كما قال وزير خارجيتها أمس وقبلها يوم الأربعاء الماضي في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، أن المسائل الغامضة في مشروع المنطقة الآمنة كثيرة: كيف ستنشأ؟ ومن سيتولى إنشاءها وتفاصيل ذلك؟ والجهات الضامنة وكيفية المحافظة على حقوق الأكراد، ويضاف إلى ذلك كله الموقف من نظام الرئيس الأسد وسعي بعض الأطراف لتطبيع العلاقات معه. وترى باريس وجود تقارب بين الموقفين الفرنسي والمصري إزاء هذا الملف حيث إن البلدين «غير مستعجلين» على ذلك لا بل إن باريس، حتى الآن، تربط التواصل معه والمشاركة بإعادة الإعمار بانطلاق الحل السياسي.
ثمة موضوع وصفته مصادر الإليزيه بـ«الحساس» ويتناول ملف الحريات وحقوق الإنسان في مصر. وقالت هذه المصادر إن العلاقة بين البلدين تسمح بأن «يحصل حوار صريح» حوله، خصوصا أن باريس تشعر بـ«القلق» إزاءه وأنها، في الوقت عينه، تعتبره «في قلب العلاقة» مع الطرف المصري. وأضافت هذه الأوساط أن اجتماعات أجريت مع بعض الجمعيات الناشطة خلال الأسبوع المنتهي وأن ماكرون «سيثير هذه المسائل خلال اجتماعاته بما فيها بعض الحالات الفردية».
ويصل ماكرون والوفد المرافق إلى مصر غدا الأحد بادئا زيارته بزيارة معبد أبو سنبل يعقبها في القاهرة لقاء مع مثقفين وفنانين مصريين وجلسة مع الوفد الصحافي المرافق قبل أن يلتقي الاثنين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث سيعقد الرئيسان اجتماعا مغلقا ثم ينضم إليه الوزراء والمستشارون من الطرفين. وسيتم بعدها مباشرة وبحضور الرئيسين توقيع سبع اتفاقيات اقتصادية وثقافية. وفي الاقتصاد، وعلى هامش الزيارة، تستضيف القاهرة منتدى اقتصاديا لرجال الأعمال من البلدين وستتوج آماله بالتوقيع على ما لا يقل عن 30 اتفاقا مدنيا في كثير من المجالات (الصحة، والنقل، والطاقة المتجددة، والثقافة». وكما في هذا النوع من الزيارات، سيعقد الرئيسان مؤتمرا صحافيا مشتركا في القصر الرئاسي، فيما يستضيف القصر المذكور عشاء رسميا بحضور الرئيسين وزوجتيهما وشخصيات فرنسية ومصرية.
أما اليوم الأخير للزيارة وقبل توجه ماكرون إلى قبرص في زيارة قصيرة، فإنه سيخصص للحوارات الدينية حيث سيلتقي ماكرون بالبابا تواضروس الثاني في مقره الروحي، كذلك سيلتقي إمام الأزهر الشيخ الطيب.
وزيارة ماكرون لمصر هي الأولى من نوعها منذ وصوله إلى الإليزيه ربيع عام 2017. وباستثناء زيارة سريعة إلى ألمانيا للتوقيع على معاهدة صداقة وتعاون جديدة بين البلدين، لم يقم ماكرون بزيارات خارجية في الأسابيع الماضية بسبب الحركة الاحتجاجية المتمثلة بالسترات الصفراء.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.