حالة إبداعية تضفي إشراقة فنية على قلب القاهرة، تعكسها لوحات ومنحوتات من معرض «ذاكرة للأجيال» المقام بصالون «أتيليه القاهرة»، الذي يقدم أعمال 65 فناناً وفنانة من أجيال مختلفة.
توزَّعت اللوحات والمنحوتات بتناغم يتيح للمتلقي الاستمتاع بالحالة الإبداعية لكل عمل كمتتالية فنية، حتى إنك تشعر بنسيج العلاقة بينها وبين الفنانين المشاركين، كحالة فنية مترابطة.
يقول الفنان أحمد الجنايني، رئيس «أتيليه القاهرة»، لـ«الشرق الأوسط»: «الهدف من الصالون هو الاستفادة من التواصل بين الفنانين الكبار والفنانين الشباب، ليحدث نوع من أنواع المثاقفة الفنية بين الأجيال. والحفاظ على صالون (الأتيليه) هو تأريخ للذاكرة الفنية في هذا الصرح الثقافي المهم، حيث بدأ الصالون تقليداً فنياً منذ تأسيسه في مارس (آذار) 1953، وأزعم أنه مستمر منذ ذاك الوقت».
يحتفي الصالون هذا العام برمزين من رموز «الأتيليه»، هما شيخ النقاد الراحل كمال جويلي، وأيضاً الفنان والناقد التشكيلي محمود بقشيش. وحول «الثيمة» الأساسية للمعرض، يضيف الجنايني: «طالبنا الفنانين بالتخلص من الأدبيات، وأن يحقق الفنان كتلاً ومساحات وفراغات تشغل أعين المتلقي. صحيح المدارس الفنية مهمة، لكن يجب أن يكون كل فنان واسع الأفق يستلهم الماضي والتراث، لكن يطلق العنان لمشاعره لتخرج على اللوحات»، موضحاً: «هذا العام فتحنا المجال لمشاركة الفنانين العرب والأجانب دون شرط العضوية بـ(الأتيليه) لخلق نوع من الحراك الإبداعي والفني».
ويشارك كضيف شرف من العراق الفنان أمير الخطيب، والفنانة الفلسطينية الأردنية وفاء النشاشيبي، والفنان الفرنسي الكردي دلشاد كريستاني.
«الشرق الأوسط» تجولت في أرجاء المعرض الممتد على طابقين، حيث تتنوع لوحات ومعروضات المعرض ما بين مجالات الرسم والتصوير والغرافيك والنحت، وتمزج بين المدارس الفنية.
تستوقفك أيضاً لوحتان للفنانة د. ميسون قطب، عميدة كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، التي تحمل أكثر من بُعد، وكأنها تأخذك في رحلة عبر الزمن مع الفن الإسلامي ورموزه، وعن اللوحتين تقول: «اللوحتان تحملان اسم (رؤية معاصرة للتراث) واستوحيتهما من التراث الإسلامي بالوحدات النباتية الزخرفية الإسلامية، مع لمسة معاصرة بتقنية (الإير برش) بحيث يستوحي المتلقي من العمل الفني روح التراث الإسلامي بطريقة غير مباشرة وغير تقليدية، لأترك لخياله العنان تجاه الخطوط والرموز التي تضمها، حسب خبراته الخاصة ورؤيته للوحة».
وفي ركن الطابق الأرضي من «الأتيليه»، تأخذك لوحة الفنان الفرنسي دلشاد كريستاني بطابعها التجريدي لآفاق لا محدودة من التأمل، مقدماً دعوة للبحث عن الذات.
وعن العمل يقول كريتساني لـ«الشرق الأوسط»: «أشارك في صالون (أتيليه القاهرة) بلوحة واحدة فقط تعكس العلاقة بين الروح والأرض والضوء، أردتُ أن أعبّر عن الأمل، وكم هو ضروري ليعيش الإنسان، أحاول أن أقدم من خلال اللوحة رسالة بأن الأمل مستمر حتى بعد الممات، فالحياة يتسلم رايتها شخص آخر. إنها دعوة لحب الحياة».
النوبة كان لها نصيب كبير من معرض «ذاكرة للأجيال»، حيث يختبر المتلقي انفعالات متنوعة للفنانين تجاهها. وعن لوحته التي شارك بها د. حسن عبد الفتاح، يقول: «النوبة مصدر إلهام ووحي كبير لأي فنان، لأن بها مناظر طبيعية خلابة تستثير الفنان، وقد حاولت تجنب الواقعية الشديدة في لوحتي، وقدمتُ أداءً انفعالياً وتأثيرياً مع لمحات تجريدية وتعبيرية، ليخرج العمل مازجاً بين هذه المدارس الفنية».
وبلوحة تمزج التعبيرية بالتجريدية، قدمت الفنانة راندا إسماعيل بضربات فرشاتها نبض النوبة الهادئ، حيث تجسد اللوحة 3 سيدات على تلة وادعة (وقارباً فارغاً وبيوتاً متراصّة) ينتظرنَ شيئاً ما.
تقول راندا إسماعيل عن لوحتها: «استلهمتُ العمل من جزيرة هيسا النوبية الواقعة شرق مدينة أسوان، التي تعتبر منعزلةً نوعاً ما، على عكس الجزر الأخرى التي تستقطب السياح».
الفنانة الشيماء مسعد وقفت بجوار بروازين لقطعتين من الحلي، وتقول: «استعنتُ بتوليفة من الخامات من البيئة المصرية و(موتيفات) من التراث المصري الشعبي: المثلث والدائرة والشكل المعيّن... صلصال حراري مع صدف، مع خيوط وخرز».
وبلوحة كولاج مميزة تعكس التحولات التكنولوجية التي نعايشها، شاركت الفنانة «نيها» بلوحة «صراعات زمنية»، وتقول: «استعنتُ بتقنية (الميكس ميديا) وخامات مختلفة من الألوان، كالزيت والأكريليك وبعض المعادن وورق طباعة أصلي من حفر زنك وحفر خشب (مونو برينت)».
تحفل اللوحة برموز من الماضي (الراديو والرموز الكتابية) والحاضر (الرقائق التكنولوجية)، كما يظهر في اللوحة نجيب محفوظ وألفريد نوبل رمزين للعلم والأدب، وعن تداخل الألوان التي تخترق كل مكونات اللوحة من ورق وأقمشة، تقول: «إنها تعبِّر عن دوامات الحياة التي تجرفنا في ظل عصر التكنولوجيا والمعلوماتية».
«ذاكرة للأجيال»... صالون «أتيليه القاهرة» يتمرد على أدبيات الفن التشكيلي
«ذاكرة للأجيال»... صالون «أتيليه القاهرة» يتمرد على أدبيات الفن التشكيلي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة