موسكو تدعم حوار أنقرة مع دمشق لتطوير اتفاق أضنة

TT

موسكو تدعم حوار أنقرة مع دمشق لتطوير اتفاق أضنة

«لم تكن قمة موسكو منصة لحسم التباينات؛ بل لإطلاق آليات مشتركة لتجاوزها» بهذه العبارة أوجز دبلوماسي روسي، أمس، نتائج لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في موسكو، مبرراً بذلك سبب التحفظ الذي بدا في عبارات الرئيس الروسي حيال الملف الأبرز الذي كان مطروحاً على الطاولة، وهو موضوع إنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.
في كل الملفات الأخرى، تعمد الرئيسان توجيه رسائل واضحة بأن المواقف تكاد تكون متطابقة، وحتى في موضوع تشكيل اللجنة الدستورية الذي راوح طويلاً، عند الممانعة التركية للاقتراحات التي تم التوافق عليها بين موسكو ودمشق وطهران، والمطالبة بإضفاء قدر أكبر من «التوازن» على التشكيلة التي قدمت إلى الأمم المتحدة، برز تراجع في اللهجة التركية واقتراب قوي من موقف موسكو.
ودفع الموقف الذي أعلنه إردوغان عن «استغرابه» بسبب التحفظات الأوروبية المقدمة إلى الأمم المتحدة في ملف «الدستورية»، عدداً من المحللين الروس إلى ترجيح أن تكون «درجة التفاهمات التي تم التوصل إليها خلف أبواب مغلقة، أوسع بكثير مما أعلن»، خصوصاً أنه استخدم عبارات تكاد تكون منقولة حرفياً عن موقف الرئيس الروسي.
كان الرئيسان قد عقدا جلسة مطولة وحدهما بحضور مترجمين فقط، قبل أن ينتقلا إلى عشاء انضم إليه وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية في البلدين. في تلك الجلسة المغلقة كان ثمة «نقاش تفصيلي لكل نقطة من النقاط المطروحة على جدول الأعمال».
مع اقتراب المواقف حيال «الدستورية» من التطابق، ومع اتفاق الزعيمين على نقل ملف إدلب للنقاش على المستوى العسكري، مع تأكيد «موقف مشترك» بضرورة «عدم السماح للإرهاب أن يتمدد ويعزز وجوده» بدا أن الطرفين وضعا خريطة طريق مشتركة للتعامل مع الجزء الأكبر من الملفات المطروحة، استعداداً للانتقال إلى المهمة الأصعب، وهي آليات التعامل مع الانسحاب الأميركي المحتمل، و«ضرورة الحيلولة دون نشوء فراغ في مناطق سيطرة واشنطن».
هذه العبارة التي قالها إردوغان، فُسِّرت لدى أوساط المحللين بأن النقاش يدور حول إعادة تقاسم مناطق النفوذ في الشمال، بشكل يلبي مصالح الطرفين، ومن خلفهما إيران والحكومة السورية.
وفي هذا الإطار، فإن تعامل موسكو مع الاقتراح التركي بإنشاء المنطقة العازلة، عكس بوضوح عدم وجود اتفاقات بعد. ووفقاً لدبلوماسي تحدثت معه «الشرق الأوسط»، فإن موسكو تنظر إلى هذا الملف في إطار واسع؛ لأنه يجب أن يشكل تفاهمات كاملة مع الحكومة، ويجب ألا يؤثر على وجود المكون الكردي في إطار أي تسوية سياسية مقبلة. بمعنى أن الموافقة على إنشاء هذه المنطقة لا يمكن أن تفسر بأنها «تغييب للمكون الكردي لاحقاً»؛ بل أن تبقى ضمن تفسيرها المحدد بأنها ضمانة للمصالح الأمنية لأنقرة.
بهذا المعنى جاءت عبارة بوتين عن ضرورة تنشيط الحوار بين دمشق والأكراد، رغم التصنيف التركي للإدارة الذاتية والقوى العسكرية الكردية.
ووفقاً للمنطق نفسه، فإن روسيا تريد أن ينخرط النظام في النقاش حول الموضوع، وأن يكون إنشاء أي منطقة عازلة قائماً على أساس قانوني. هنا أيضاً برزت عبارة بوتين الذي ذكر بأن «لدى الطرفين (سوريا وتركيا) اتفاقاً موقعاً في عام ،1998 يتمحور على عمل مشترك لمحاربة الإرهاب، وهو يشكل قاعدة أساسية للنقاش، ولإغلاق كثير من المسائل العالقة، وخصوصاً لجهة ضمان تركيا أمنها في المناطق الحدودية الجنوبية».
بعبارة أخرى، يدعو الرئيس الروسي لتطوير اتفاق أضنة، والشروع في نقاش لتحويله أساساً قانونيا للتحرك التركي في الشمال السوري. وقال بوتين: «ناقشنا هذا الموضوع بالتفصيل ونتعامل معه».
لذلك لم يكن غريباً في اليوم التالي للقمة أن تتحدث الدبلوماسية التركية عن اتفاق أضنة، وعن حوار مع دمشق، فهذان الأمران تم النقاش حولهما «تفصيلياً» خلال القمة.
ولا تخفي موسكو سعيها إلى دعم حوار أنقرة ودمشق بشكل مباشر أو غير مباشر عبر وساطتها؛ لأن المهم هو التوصل إلى تفاهمات كاملة تؤمن لكل الأطراف الحد الأدنى الممكن من مطالبها، وتحفظ مصالح اللاعبين الرئيسيين. ويبدو أن تتويج هذا الخط سيتم خلال القمة الثلاثية لضامني «آستانة»، المتوقع أن تنعقد في موسكو الشهر المقبل.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.