> لم نسترح بعد في غزة من أصوات الصواريخ والقذائف ورائحة البارود والنار التي غطت شوارعنا، حتى استفقنا اليوم مجددا على أزيز الطائرات الإسرائيلية الحربية وهي تلقي بقنابلها في كل اتجاه من مدينة غزة التي تجتهد كثيرا من أجل الخروج من المأساة التي أصابتها، بحثا عن حياتها التي اعتادت عليها.
انفجارات متلاحقة ومتتابعة غطى غبارها سماء المدينة الجميلة التي تطل على ساحل المتوسط ترقب حريتها منه. أخرجت رأسي من النافذة لكي أنظر فرأيت الدخان ينبعث من كل مكان فأسرعت فورا لرفع «شبابيك» النافذة، خوفا من أن تتضرر مجددا، خاصة أنني سارعت مع بدء الهدنة لإصلاح نوافذ منزل عائلتي الذي تضرر في قصف سابق، وهكذا فعل الكثيرون ممن رأيتهم من الجيران الذين خافوا أيضا على أن يلحق بمنازلهم ضرر آخر.
لم تتوقف الغارات، ومع ذلك لم تقف الحياة في غزة، كما جرى مع اشتداد الغارات السابقة، استمر الناس في حياتهم يمضون إلى حيث يريدون، لكن الهلع والخوف أصاب الأطفال من أن تعود الحرب تشل حياتهم وتحرمهم من اللعب واللهو في أزقة الشوارع الصغيرة هنا، أمام كل منزل في غزة.
من أمام منزل أحد جيراننا في مخيم الشاطئ، أثناء خروجي لصلاة الجمعة، كان مجموعة من الأطفال يلهون وهم يسمعون صوت الغارات والقصف، فإذا بطفلة لا تتعدى الأعوام السبعة من عمرها، توجه لي سؤالا ببراءة الأطفال الذين أفقدتهم طفولتهم تلك الطائرات والصواريخ، فقالت لي: «عمو، ليش رجعوا يقصفوا، مش فيه تهدئة وإلا بكذبوا علينا». لم أجد جوابا بسيطا لهذا السؤال من طفلة باتت تعرف مصطلحات السياسة والحرب في هذا الزمان الصعب، وما كان مني إلا أن طلبت منها أن لا تخاف، وأن تبقى تلهو أمام منزل عائلتها، ولا تأبه لشيء ثم واصلت طريقي نحو المسجد.
ولم تخرج خطبة صلاة الجمعة في المساجد عن الوضع القائم الذي يسيطر على حياة كل فلسطيني في غزة، فالمساجد امتلأت بالمصلين، والخطباء طالبوا المواطنين بمزيد من الصبر والصمود من أجل تحقيق المطالب الفلسطينية، والمصلون أدوا صلاة الغائب على أرواح الضحايا الذين قُتلوا خلال الحرب المتواصلة.
ولعل ما ينعش الحياة مجددا في غزة إصلاح بعض خطوط الكهرباء، بحيث باتت تصل إلى السكان نحو ساعتين أو ثلاث ساعات كل 24 ساعة، وهو أمر مقبول في ظل عدم توفرها نهائيا خلال 18 يوما متواصلة، منذ أن قصفت المحطة وخطوط الكهرباء المختلفة المقبلة من مصر وإسرائيل. وتمنح هذه الساعات القليلة ربات المنازل فرصة إتمام أمورهن البيتية، وتمنح الكثير من الناس شحن هواتفهم الجوالة وبعض الأجهزة الكهربائية التي تساعدهم في التواصل مع الخارج، ومعرفة الأحداث المختلفة في غزة وخارجها، وخاصة القاهرة التي تدور فيها حوارات التهدئة التي يأمل الفلسطينيون أن تعلن قريبا.
غزة تحت النار.. مجددا
يوميات مراسل من غزة
غزة تحت النار.. مجددا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة