أحمد بان: مكتب الإرشاد أقصى معارضي جمال مبارك من التنظيم في 2009

القيادي الإخواني السابق قال لـ «الشرق الأوسط» إن «القطبيين» ضيعوا الجماعة.. و«تركتها لتعذّر جاهزيتها لإدارة دولة»

القيادي الإخواني السابق أحمد بان ({الشرق الأوسط})
القيادي الإخواني السابق أحمد بان ({الشرق الأوسط})
TT

أحمد بان: مكتب الإرشاد أقصى معارضي جمال مبارك من التنظيم في 2009

القيادي الإخواني السابق أحمد بان ({الشرق الأوسط})
القيادي الإخواني السابق أحمد بان ({الشرق الأوسط})

قال القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، أحمد بان، إن مكتب إرشاد الجماعة بدأ منذ انتخاباته الداخلية عام 2009 في إقصاء القيادات الإخوانية التي يشتبه في معارضتها لتولي جمال مبارك، نجل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، حكم مصر خلفا لوالده. وأضاف أن قيادات في التنظيم استخدمت «التزوير ما فوق الناعم» لعرقلة صعود أي شخصيات إخوانية إلى مراكز القرار في التنظيم إذا كانت تعارض ترحيب قيادات الجماعة بـ«توريث الحكم» في ذلك الوقت.
ويدير بان في الوقت الحالي مركزا للدراسات في مبنى بوسط القاهرة مجاور لميداني التحرير وطلعت حرب، بعد أن كان أحد مؤسسي حزب «الحرية والعدالة» التابع للإخوان، وعضو المؤتمر العام للجماعة. وتنتشر في محيط المنطقة اللافتات المؤيدة للدستور الجديد، ومعها لافتات منددة بجماعة الإخوان التي جرى تصنيفها من قبل الحكومة الأسبوع الماضي كـ«جماعة إرهابية».
وكشف بان، الذي عاش داخل التنظيم 20 عاما، عن أن سيطرة تيار «القطبيين» داخل الإخوان هي من ضيعت الجماعة. وتابع قائلا في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» إن الجماعة أصدرت أوامر لأعضائها بتجهيز مخيمات التدريب التربوية للموسم الشتوي، بينما كان ملايين المصريين يخرجون للشوارع في ثورة 25 يناير (كانون الثاني) (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت بحكم مبارك.
وانضم بان إلى الإخوان في محافظة القليوبية (شمال القاهرة) ليترأس شعبة هناك، قبل أن يترقى إلى المواقع القيادية بالجماعة، ثم يتركها في استقالة معلنة في مطلع عام 2012 لعدة أسباب متراكمة، منها تردد الإخوان في المشاركة في ثورة يناير، وعدم وجود أي فرص للمناقشة داخل التنظيم، والصدمة التي أصيب بها حين شاهد مستوى نواب الجماعة الذي «لا يمت إلى السياسة بصلة» في أول برلمان بعد ثورة يناير. وإلى أهم ما جاء في الحوار:
* منذ متى انضممت إلى جماعة الإخوان؟
- ارتبطت بالجماعة سنة 1990 في القليوبية. وكان تنظيم الإخوان وقتها شكل هياكله الحركية، الموجودة الآن، وذلك في ما يتعلق بكل المستويات، أي من مكتب الإرشاد إلى المكاتب الإدارية ومجالس المناطق ومجالس الشعب، وذلك كثمرة لجهود بدأت في عام 1982 مع ولاية (المرشد الإخواني الأسبق) محمد حامد أبو النصر رسميا، لكن فعليا كان المرشد وقتها هو مصطفى مشهور.
* يقال إن هذا كان أول بعث جديد للجماعة منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
- الجماعة بدأت تعمل منذ منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي على إعادة إحياء التنظيم. ووصل التنظيم إلى شكله الحالي مع بداية عام 1990. أنا ارتبطت به في ذلك الوقت وكان ما زال تنظيما سريا يعمل تحت الأرض، ولا يحظى بأي وجود قانوني. وحين انضممت إلى الجماعة تصورت أنها يمكن أن تكون رافعة للعمل الوطني الجاد، تنقذ البلاد من حالة الفساد والاستبداد، وحالة التردي القيمي في المجتمع المصري. لكن مع مرور الوقت، وخصوصا منذ عام 2005، بدأت أشعر أن الأمور تحدث فيها خلخلة، ففي هذا العام انتخب 88 نائبا من الإخوان في مجلس الشعب (البرلمان)، وكنت في هذا التوقيت دخلت «اللجنة السياسية» في الجماعة، ثم جرى إعداد لجنة برلمانية لخدمة نواب الجماعة.
* لكن كيف بدأت تشعر أن الأمور فيها «خلخلة»؟
- حين قرأت خطة الجماعة في البرلمان اكتشفت أنها ليست خطة عمل برلماني، وإنما خطة القسم الخاص بنشر دعوة الإخوان والتبشير بأفكار الجماعة من خلال منبر مجلس الشعب، ولا علاقة لها بالعمل السياسي. وأنا كنت ضد هذا، وكان ذلك أول محك بيني وبين التنظيم. كان المطلوب من وجهة نظري أن يقدم نواب الإخوان في برلمان (2005 - 2010) برامج تشتبك مع احتياجات الناس من دون شعارات زاعقة أو رموز تغازل عاطفتهم الدينية. لكن الجماعة كانت تتبع خطا ثابتا، وهو - طوال تاريخها - رفض الاستماع إلا للقيادة. ولا يوجد «أخذ وعطاء (نقاش)» في العلاقة بين الأعضاء والتنظيم. التنظيم كان لا يترك حق الكلام حتى للأفراد إلا في حدود، ولا يؤخذ في الحسبان.
* وكيف تطورت الأمور؟
- من خلال تجربة البرلمان، ومن خلال الكثير من الأحداث الأخرى، اكتشفت أنه لا يوجد عقل داخل هذه الجماعة، التي يمكن أن تصل إلى حكم الدولة، خصوصا أن رياح التغيير كانت بدأت تتحرك في ذلك الوقت، مع الزيارات التي كانت تقوم بها كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية حينذاك. لكن الجماعة أصرت على الاستمرار ببنيتها التقليدية التي تعتمد على أهل الثقة لا أهل الكفاءة. وظلت تعمل في إطار أشكال احتفالية أكثر منها الإعداد لقيادة دولة.
* لكن الجماعة كان لها وجود في الشارع إلى جانب حركات أخرى ظهرت في ذلك الوقت مثل حركة «كفاية».
- حركة «كفاية» هي التي فتحت الأفق السياسي لفكرة التغيير، وليس التعايش مع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. كنا في الإخوان دائما متأخرين خطوة عن حركة «كفاية». طوال الوقت كان لدينا خط أحمر بتجنب المطالبة بإسقاط نظام مبارك. الحديث دائما كان عن إصلاح النظام وليس تغييره. بنية الجماعة نفسها لا ترحب بفكرة الثورة أو التغيير الشامل أو الجذري. ومع حلول عام 2007، وإجراء التعديلات الدستورية آنذاك، بدا أن النظام السياسي حسم خياراته ويجهز لتوريث الحكم (من مبارك لنجله جمال)، وقبلت الجماعة بهذا الأمر وحدث جدل حول الموضوع، وعليه بدأت تحدث تغييرات داخل مكتب الإرشاد من خلال العمل على إبعاد كل العناصر التي تمثل إزعاجا للمجموعة التي لديها اتصالات بالولايات المتحدة وبجهاز أمن الدولة (الأمن الوطني المصري). وعلى هذا جرى تزوير انتخابات مكتب الإرشاد في عام 2009، وإخراج كل العناصر التي تمثل صداعا للقطبيين داخل الجماعة.
* هل كان هناك ما يثبت هذا «التزوير»؟
- يوجد نوعان من التزوير. تزوير خشن وتزوير ناعم. وعند الجماعة يوجد «التزوير فوق الناعم»، بمعنى توجيه الناخبين عن طريق نظام معين من خلال بعض القيادات التي تحظى بكلمة معتبرة داخل التنظيم، مثل القول - في أوساط الإخوان - إن «فلان الفلاني (المطلوب إسقاطه في الانتخابات)، أخ فاضل ربنا يبارك فيه، لكن مشكلته أنه ليس لديه وقت، وأحيانا يتأثر بكلام وسائل الإعلام، وأحيانا يتأثر بالنخب العلمانية ويبدو أن الفكرة (الإخوانية) لم تختمر داخله على نحو كافٍ». وهذا يعني أن فلانا لن يخوض الانتخابات (الداخلية في التنظيم) من الأساس، لأنه أصبحت هناك خشية منه على الدعوة.
* مَن مِن القيادات المعروفة تعرضت لمثل هذا النوع من «التزوير ما فوق الناعم»؟
- جرى صناعة هذا مع الكثير من رموز الجماعة، بدءا من عبد المنعم أبو الفتوح وحتى أصغر إصلاحي. كما أن بعض الرموز الأخرى تركت داخل الجماعة لكي تحسن فقط من مكانة الإخوان إعلاميا لأنها تمتلك القدرة على التفاعل مع النخب العلمانية والنخب السياسية عبر وسائل الإعلام، ولكي تمهد لحالة من حالات القبول وتحسين الصورة الذهنية للجماعة، بينما كان التنظيم ينشط في المحافظات ويقوم بوضع قيادات «قطبية» على كل مفاصل التنظيم بدءا من المكتب الإداري (للمحافظة) حتى مجلس المنطقة، وحتى أصغر وحدة وهي «مجلس الشعبة».
* ما المآخذ على القيادات «القطبية» التي أشرت إلى تمكنها من التنظيم؟
- القيادة القطبية مع حلم الوصول إلى الحكم بأي طريقة، لكنها تستبطن أن هذا المجتمع كافر، أو على الأقل جاهلي. ويرجع تاريخ المجموعة القطبية إلى عام 1965، وحين دخلوا السجون في ذلك الوقت أطلق عليهم «مجموعة تنظيم العشرات» لأنه حكم عليهم بـ10 سنوات في السجن. وخرجوا في عام 1975، وهذه المجموعة هي التي سيطرت على مفاصل المكاتب الإدارية (للإخوان) في مصر، وهي التي سيطرت على أهم لجنة داخل الجماعة وهي «لجنة التربية» لكي تصوغ العقل الجمعي لأفراد الجماعة استنادا إلى أفكار سيد قطب. وسيد قطب لديه فكرة مركزية تدور بين «الحاكمية»، وهي أنه «لا حاكمية إلا لله»، و«الجاهلية» وهي أن «هذا المجتمع ابتعد عن الإسلام»، ومطلوب طليعة (من الإخوان) لتجسيد الإسلام، حتى يقتدي بها المجتمع. ولهذا فإن فكرة التنظيم الحركي، وبدلا من أن تنساب داخل المجتمع، تحولت (بالإخوان) إلى فصيل أو طائفة دينية منعزلة تناصب المجتمع العداء، منذ عام 1965 حتى الآن.
* لكن الجماعة، مع ذلك، ظهرت سياسيا على السطح في عقد السبعينات.
- أجل. هذه المجموعة لجأت منذ ذلك الوقت إلى بعض الأمور الإصلاحية من أجل تسويق صورة ذهنية إيجابية للجماعة، خصوصا منذ ولاية (مرشد الإخوان الأسبق) عمر التلمساني عام 1973، وظهور المجموعة السياسية من الإخوان، خصوصا في الجامعات، في عقد السبعينات، مثل عصام العريان وأبو الفتوح والجزار والدفراوي وغيرهم من القيادات الطلابية في ذلك الوقت. ووضعت الجماعة على قضبان العملية السياسية، لكن مع وفاة التلمساني عام 1986 تعرضت هذه المجموعة لضربة قاصمة وجرى تنحيتها شيئا فشيئا حتى خرجت عن إطار توجيه التنظيم وكانت بعيدة عن تكوين العقل الإخواني، وظلت أقرب إلى «المسهل السياسي» للجماعة.
ومع عام 2010 والتزوير الفج لانتخابات البرلمان، بدا لكل المتابعين أن هناك تحولا خطيرا سيحدث في مصر. وفي هذا التوقيت كمنت الجماعة انتظارا لما سيحدث وترددت في دخول الثورة، وهذا التردد أساء لي وخلف لدي مرارة شديدة. واتصل بي أحد القيادات يوم 24 يناير 2011، وقال لي: نحن لا علاقة لنا بمظاهرات 25 يناير، وإن الجماعة تعد لمعسكرها الشتوي التربوي لأعضاء الإخوان. كان التاريخ يصنع في مصر بينما الجماعة منخرطة في بناء كهوف لأعضائها. وحتى يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 لم تكن صدرت تعليمات لأعضاء الجماعة بالنزول إلى ميدان التحرير، بينما كان الكثير من شباب الإخوان يتوجهون إلى التحرير دون انتظار لتكليفات الجماعة. وبعد ذلك بدأ الإخوان يرسلون متظاهرين للميدان، لكنهم كانوا في نفس الوقت يتفاوضون مع السلطة.
* إذن متى بدأ النزول الفعلي للميادين؟
- لم يبدأ النزول الفعلي إلى المظاهرات إلا يوم 30 يناير 2011 بتكليفات صريحة. وكان لدى الجماعة استعداد للخروج من الميدان في مقابل السماح لهم بحزب سياسي وبحرية العمل للجماعة. لم نعلم بهذا إلا من الأحزاب وائتلافات شباب الثورة التي كانت تتفاوض وقتها مع عمر سليمان (رئيس المخابرات المصرية)، لأننا كنا معزولين عن قيادة الإخوان. وحين انتدبت إلى العمل في القسم السياسي المركزي في الإخوان، بدأت أسمع من قيادات الصف الأول مثل (محمد) البلتاجي و(عصام) العريان، ففوجئت بأنني أتعامل مع أناس براغماتيين جدا يستخدمون الدين كأداة، حتى إن العريان قال في مؤتمر للقسم السياسي (للإخوان) في 19 فبراير (شباط) 2011، في أعقاب تنحي مبارك، إن 90 في المائة ممن يسيرون معنا من تنظيم الإخوان يسيرون معنا بناء على العاطفة بينما نحن لا نعرف إلى أين نسير. وبهذا تكون لدي اعتقاد أنه توجد مجموعة في مكتب الإرشاد ليس لها علاقة بالسياسة ولا تملك الخيال السياسي وليس لديها إدراك للواقع ولتعقيدات الوضع الإقليمي والدولي. هم فقط كانوا قادرين على الرطانة اللطيفة التي تبين للمستمع أن لديهم رؤية، لكن في حقيقة الأمر لم يكن لديهم أي شيء.
* وربما هذا ما تسبب في فشل تجربتهم في الحكم خلال سنة؟
- نعم. ولأسباب كثيرة أخرى. هم لم يكونوا جادين في الانتصار لفكرة الدولة الوطنية الحديثة، والدولة بالنسبة لهم حلقة في مشروع.
* متى تركت جماعة الإخوان؟
- هذا كان قرارا صعبا جدا. استقلت من الجماعة بعد 20 سنة من الانضمام إليها. استقلت فعليا يوم 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وعمري 42 سنة. ومن يصل داخل الجماعة إلى هذه السن لا يعتقد أن أمامه فسحة من الوقت لاتخاذ أي قرارات أخرى، وبالتالي إما أن يبقى عاطفيا مع الجماعة وغير قادر على اتخاذ أي مواقف ضدها، وإما أن ينزوي في صمت. وكنت أريد أن أنزوي لكنّ بعضا ممن أثق فيهم أشاروا علي بالتحدث، وعليه قمت بإعلان استقالة مسببة من الجماعة بعد ذلك، قلت فيها إن الجماعة غير معنية بمصر. وأرسلت الجماعة وفدا جلس معي مدة أربع ساعات لإثنائي عن إعلان قرار الاستقالة، قائلين لي إنها يمكن أن تؤثر على موقف الإخوان في الاستحقاقات الانتخابية التي كانت وقتها قادمة في الطريق، خصوصا في الدائرة التي كنت فيها في شمال القاهرة. ووعدوني بالجلوس مع من أريد من القيادات الكبيرة بمن فيهم المرشد. ووافقت، وبعد فوز الإخوان في انتخابات البرلمان في شهر يناير 2012، وحصولهم على نسبة 47 في المائة من المقاعد، جلست أشاهد أولى الجلسات في التلفزيون، فرأيت المصير الخطير للجماعة وللدولة.
* ولماذا تولد لديك هذا الإحساس؟
- تركيبة أعضاء البرلمان كانت تركيبة مخيفة. لم يكونوا رجال دولة. نواب كتلتي الإخوان مع حزب النور لم يكونوا يصلحون لإدارة دولة، ولم يكن يوجد بينهم نواب حقيقيون تحصيهم على أصابع اليدين. وحين جاءت انتخابات الرئاسة عام 2012، حاولنا من خلال ما كان يسمى بلجنة المائة (كانت تضم 100 من المثقفين والنخب) أن نقنع الإخوان بعدم الترشح للرئاسة. وحاولنا أن نقول للرئيس السابق محمد مرسي أن يتنازل (للمرشحين السابقين وقتها) حمدين صباحي أو عبد المنعم أبو الفتوح، لكن الجماعة كانت مصرة على السير في هذا الاتجاه، لأنه كان لديها تطمينات من الجانب الأميركي. ومرسي كان موظفا لدى الجماعة يجيد سماع تعليمات الإخوان.
* كثيرا ما يجري التطرق إلى علاقة الإخوان بالأميركيين. هل ترى أن هذا حقيقي؟
- تستطيع أن ترصد اجتماعات جرت بين الجانبين منذ عام 2007. ويوجد رصد لكل الاجتماعات العلنية والسرية التي جرت بين ممثلين للولايات المتحدة وجماعة الإخوان في تركيا وغيرها، وجرى فيها وضع الفكرة الرئيسة للتوظيف المتبادل بين الأميركيين من جانب والإخوان في تركيا ومصر وتونس من الجانب الآخر. ولمن يريد أن يتعامل مع المآلات فإنها تقول بوضوح إن الجماعة كانت تحتفظ بعلاقات جيدة جدا مع الولايات المتحدة. طالع ابتسامة المرشد في لقاءاته مع السفيرة الأميركية لدى مصر في ذلك الوقت، ومستوى الحميمية في العلاقات، مقابل تجهمه في وجوه شباب الإخوان، ستجد الفارق.
* ما علاقة جماعة الإخوان بالجمعيات الخيرية التي قررت الحكومة تجميد أرصدة نحو ألف منها الأسبوع الماضي؟
- قامت جماعة الإخوان بتوظيف شبكة العلاقات الاجتماعية بالاتصال مع المجموعات الدينية الأخرى مثل الجمعية الشرعية وأنصار السنة وغيرهما. وجماعة الإخوان تمكنت من توظيف الكثير من مثل هذه الجمعيات لصالحها. حين تترك الدولة فراغا في الاحتياجات الاجتماعية فلا يجب أن تلوم أحدا على أنه ملأ هذا الفراغ، بل يجب على الدولة أن تلوم نفسها. وقد وظفت جماعة الإخوان هذا الفائض المالي في العمل الخيري لصالحها، ومن بينها جمعيات تعود نشأتها لمائة سنة مضت، أي أنها أقدم من نشأة الإخوان. ومن يظهر في الصورة في تقديم الخدمات للمحتاجين يحصل على أصواتهم في الانتخابات، كما حدث مع الجماعة وباقي التيارات الدينية.
* هل يمكن لتصنيف الإخوان كـ«جماعة إرهابية» أن يقلم أظافرها أو يجبرها على الدخول في تفاهمات مع الدولة؟
- الجماعة تاريخيا راكمت كل الخبرات تحت مظلة غياب المشروعية القانونية. فما الجديد؟ وما الفرق عن كونها جماعة منحلة أو محظورة (كما كان في الماضي)؟ النتيجة واحدة. أنت أمام فصيل لا يقل هيكله الإداري عن 50 ألف شخص، أي أنه يوجد للجماعة 30 مكتبا إداريا على مستوى المحافظات، يتبعها 230 منطقة، وهذه الأخيرة يتبعها 2000 شعبة على مستوى الجمهورية، أي أنك أمام 50 ألفا في الجماعة و5 آلاف في الحزب (الحرية والعدالة). فهل في إمكان الدولة أن تلقي القبض على 55 ألفا وتحاكمهم؟ لذلك أرى أن قرار تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية يصعب تطبيقه.
* ما علاقة الإخوان بالتنظيمات المتشددة، حيث إن البعض يذهب إلى أن لها تعاونا مع تنظيم القاعدة، خصوصا في ليبيا؟
- تاريخيا، جماعة الإخوان أول جماعة سلكت طريق العنف، بتأسيسها للنظام الخاص عام 1940 الذي لم تعرف حقيقته إلا عام 1948 عند القبض على سيارة الجيب الشهيرة التي كشفت القضية. وتوالت أحداث العنف والاغتيالات بعد ذلك، لكن الجماعة أيقنت أن هذا المسار مغلق في عام 1966 مع آخر الإعدامات التي طالت سيد قطب ومن معه، لكن خرجت مجموعات أخرى بدأت تنشط منذ عقد السبعينات مع حادثة الفنية العسكرية ثم اغتيال الشيخ الذهبي ثم اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، وبعدها الموجة التي ضربت مصر في الثمانينات والتسعينات على يد جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، لكن حتى غالبية قيادات هذه الجماعات قدمت مراجعات حقيقية (بنبذ العنف) منذ عام 1995، أما القيادات الأخرى فلجأت إلى الاتصال بأيمن الظواهري (تنظيم القاعدة)، وهي التي تنشط الآن سواء في سيناء أو في الوادي. والقوى الأكبر الموجودة منها اليوم «أنصار بيت المقدس»، وهي نتاج تزاوج بين مائة عنصر من عناصر ألوية الناصر صلاح الدين، وهو تنظيم فلسطيني في غزة، مع «التوحيد والجهاد» في سيناء. وخرج عنه أيضا خلية أخرى أكثر تدريبا هي «كتائب الفرقان» وهي الأخطر. وفي هذا التوقيت قامت السلطات المصرية بضرب تجارة الأنفاق وتجارة السلاح (بين سيناء وغزة)، فخرج حلف مقدس بين تجار الأنفاق وتجار السلاح والمجموعات التكفيرية، وهؤلاء يسعون لإنهاك الدولة المصرية، حتى تعود تجارتهم لسيرتها الأولى. وهذا يصب في نفس السيناريو الذي تعمل عليه جماعة الإخوان وهو إنهاك الدولة. أنت اليوم أمام حالة تقاطع مصالح. وجهات التحقيق والقضاء هي من تقول إن كان هذا يحدث بتنسيق أو بتعاطف بين تلك المجموعات وجماعة الإخوان، أم لا.



ما تأثير التوترات بين مصر وإسرائيل على استدامة «اتفاقية الغاز»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
TT

ما تأثير التوترات بين مصر وإسرائيل على استدامة «اتفاقية الغاز»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)

تُصر مصر على أن تضع «صفقة الغاز» مع إسرائيل في إطارها التجاري في ظل تعدد الملفات الخلافية بين البلدين. وعزز ذلك النفي الرسمي القاطع من جانب القاهرة بشأن وجود ترتيبات للقاء يجمع بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يطرح تساؤلات حول تأثير استمرار التوتر على استدامة الصفقة التي تستمر حتى عام 2040.

وقال رئيس «هيئة الاستعلامات» المصرية، ضياء رشوان، إن الحديث عن الترتيب للقاء بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن «شائعة لا أساس لها من الصحة مطلقاً»، مشيراً في تصريحات إعلامية، مساء الجمعة، إلى أن «هذه الأخبار المتداولة يروّجها الإعلام الإسرائيلي في الأساس».

وكانت تقارير إسرائيلية قد أشارت إلى محاولة واشنطن ترتيب لقاء بين السيسي ونتنياهو، ضمن زيارة محتملة من كليهما إلى الولايات المتحدة قريباً للقاء الرئيس دونالد ترمب.

وتتعدد ملفات الخلاف بين مصر وإسرائيل وتتعلق بالأوضاع في قطاع غزة وتحميل إسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية لأن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والتواجد الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا» والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية، ما يتعارض مع توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف.

وظلت «صفقة الغاز» التي أعلن نتنياهو، الأربعاء الماضي، الموافقة عليها أسيرة موقف إسرائيلي رافض لإتمامها رغم الإعلان عنها في أغسطس (آب) الماضي، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة التي تعد شركاتها جزءاً من الصفقة للضغط على إسرائيل لضمان عدم انهيار الصفقة.

وذكرت «الخارجية الأميركية» في بيان، الخميس، أن «موافقة إسرائيل على اتفاقية الغاز التي أبرمتها شركة (شيفرون) مع مصر، إنجاز كبير للأعمال التجارية الأميركية والتعاون الإقليمي». وأضافت أن «اتفاقية الغاز بين إسرائيل ومصر لا تعزز أمن الطاقة فحسب، بل تدعم أيضاً الجهود الأوسع نطاقاً لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار غزة».

واعتبر خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن المصالح الأميركية يمكن أن تضمن استدامة «اتفاق الغاز»، لكن ذلك لا يمنع من تأثر التعاون في مجال الطاقة بين مصر وإسرائيل بالتوترات الإقليمية، وكذلك بما تؤول إليه تطورات الصراع في غزة وانعكاساته على العلاقة بين الطرفين.

سياج أمني على الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

وتمتلك شركة «شيفرون» الأميركية 40 في المائة من حقل «ليفياثان» الإسرائيلي الذي يتم من خلاله تصدير الغاز إلى مصر إلى جانب شركة «نيو ميد إنرجي» الإسرائيلية، وتُقدر احتياطات الحقل بنحو 600 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وسبق أن أوقفت إسرائيل تصدير الغاز إلى مصر دون إخطار مسبق في ظل حربها على قطاع غزة وكذلك مع بدء الضربات على إيران خلال يونيو (حزيران) الماضي، وفي ذلك الحين أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن «الحكومة وفّرت بدائل لتأمين احتياجات البلاد خلال فترات توقُّف الإمدادات الإسرائيلية، عبر تشغيل سفن لاستقبال الغاز المسال لضمان استمرار تشغيل المصانع ومحطات الكهرباء دون انقطاع».

الباحث في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، سعيد عكاشة، قال إن الولايات المتحدة لديها رغبة في استدامة «اتفاقية الغاز» بين مصر وإسرائيل بما يحفظ الحقوق التجارية لشركاتها، وفي حال جرى استخدامه كأداة ضغط سياسي على مصر فإن القاهرة لن ترضخ لذلك وهو ما يجعل الاتفاق لا يترك تأثيرات سياسية على علاقة البلدين.

وأضاف عكاشة أن التحولات الإيجابية في العلاقة بين البلدين تتوقف على بدء دخول المرحلة الثانية من اتفاق «وقف إطلاق النار» وإيجاد مسار واضح لدولة فلسطينية مستقبلية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ووقف أي محاولات من شأنها تهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، موضحاً: «يمكن أن يفتح ذلك المجال أيضاً لعقد لقاء في المستقبل بين الرئيس السيسي ونتنياهو كما يضمن استدامة صفقة الغاز». وأشار إلى أن ملف الطاقة دائماً ما يشكل مشكلة، وسبق أن تسببت الهجمات على أنابيب الغاز المصرية في سيناء في أعقاب الاضطرابات الأمنية في عام 2011 في توقف الإمدادات المصرية إلى إسرائيل، وكان من الصعب تحمل تكلفة التأمين وتضررت القاهرة كما الوضع بالنسبة لإسرائيل.

مصر تعدد خياراتها لتحقيق الاكتفاء المحلي من الغاز الطبيعي (وزارة البترول المصرية)

وأوضح عكاشة أنه «في حال جرى عرقلة الاتفاق الذي أعلن نتنياهو التصديق عليه أخيراً، فإنه سيكون أمام التزامات قانونية يصعب تجاوزها، كما أن مصر أثبتت خلال الأشهر الماضية أنها لن تقبل بأن يتم الضغط عليها سياسياً بورقة الغاز».

وفي مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو رفض التصديق على الاتفاق «بسبب تحركات الجيش المصري في شمال سيناء»، وهدّد بتجميده أو إلغائه إذا لم يُحصَل على موافقته الشخصية على أي خطوات لاحقة، قبل أن يُعاد التصديق عليه بعد استكمال المفاوضات.

ووقّع البلدان صفقة لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر في عام 2019، قبل تعديلها لتنص على توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي لمصر بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040، بمعدل يومي قدره 1.8 مليار قدم مكعب.

خبير أسواق الطاقة، رمضان أبو العلا، يرى أن المصلحة الأميركية في استدامة «صفقة الغاز» تشكّل عاملاً مهماً في التزام إسرائيل بالاتفاق، خاصة أنه يحقق مكاسب إيجابية لجميع الأطراف الموقعة على الصفقة، لكن في الوقت ذاته فإن الحكومة المصرية تتوقع جميع الاحتمالات، ما يجعلها تعتمد على 4 سفن لـ«التغييز» لاستقبال الغاز المسال.

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

وسبق أن تحدث خبراء لـ«الشرق الأوسط» عن توجه القاهرة نحو تنويع مصادر الغاز الطبيعي دون انتظار موقف إسرائيل من الصفقة أبرزها إنشاء 4 محطات لتمويل السفن بالغاز الطبيعي، والتوسع في استيراد سفن الغاز من دول مختلفة، إلى جانب تعزيز الاكتشافات المحلية، وتشجيع الشركات الأجنبية على توسيع عمليات التنقيب.

وتبلغ احتياجات مصر اليومية من الغاز الطبيعي نحو 6.2 مليار قدم مكعب يومياً، وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنهاية العام الحالي إلى نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً، ويُقدر حالياً بنحو 4.2 مليار قدم مكعب يومياً، خاصة مع زيادة الاحتياجات اليومية لنحو 7 مليارات قدم مكعب يومياً في أشهر الصيف، وفق تقديرات حكومية.


«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تسريبات أميركية تشير لوجود خطة بشأن إعمار جزء من قطاع غزة، تحمل اسم «شروق الشمس» أعدها فريق يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترمب، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بينما تتعثر «الخطة العربية الشاملة» بشأن الإعمار الذي يعد أبرز ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع المتعثرة حالياً.

تلك الخطة الأميركية المتداولة، تأتي بينما تبحث مصر إقامة مؤتمر لتمويل إعمار كامل غزة بالشراكة مع واشنطن بعد تأجيله نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويعتقد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه عودة لمخططات تهجير الفلسطينيين مجدداً رغم الرفض المصري والعربي، ما قد يطرح 3 سيناريوهات: المضي في تلك الخطة الأميركية الجزئية في رفح الفلسطينية، ومن ثمّ تأجيل نظيرتها العربية الشاملة؛ أو الدمج بين الخطتين دون تهجير؛ أو تعطيل كل الخطتين لتعثر إتمام الاتفاق».

وتحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الجمعة، عن خطة أعدها كوشنر وويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» بين الحكومات الأجنبية والمستثمرين لتحويل ركام غزة إلى وجهة ساحلية مستقبلية، ونقل سكان غزة «من الخيام إلى الشقق الفاخرة»، و«من الفقر إلى الازدهار»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

وبحسب المسودة «ستبلغ تكلفة المشروع الإجمالية 112.1 مليار دولار على مدى عشر سنوات»، على أن تلتزم الولايات المتحدة بتقديم منح وضمانات ديون لـ«جميع مسارات العمل المطروحة» خلال تلك الفترة، لكن التحديات هائلة، وفق الصحيفة، لافتة إلى أن إعادة إعمار غزة مشروطة بأن تقوم «حماس» بـ«نزع السلاح وتفكيك جميع الأسلحة والأنفاق».

وسيُنفّذ الإعمار عبر أربع مراحل، تبدأ من الجنوب في رفح وخان يونس، ثم تتجه شمالاً إلى «مخيّمات الوسط»، وأخيراً إلى العاصمة غزة، وتتضمن إحدى الشرائح، المعنونة بـ«رفح الجديدة»، تصوراً لجعلها «مقر الحوكمة» في غزة وموطناً لأكثر من 500 ألف نسمة، يعيشون في مدينة تضم أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، و200 مدرسة أو أكثر، وأكثر من 75 منشأة طبية، و180 مسجداً ومركزاً ثقافياً.

وهذه التسريبات تأتي بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

طفل فلسطيني نازح ينتظر مع حاويته لتلقي حصص غذائية متبرع بها في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «خطة ترمب للسلام تعطي منذ البداية مساحة أكبر للأميركيين والإسرائيليين، والخطة الجديدة المطروحة للإعمار من جانب واشنطن، محاولة لتحقيق هدف تهجير الفلسطينيين مرة أخرى».

فيما يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن «خطة شروق الشمس» تؤكد أن الولايات المتحدة لم تتخل عن فكرتها في ترحيل جزئي لسكان غزة مع ضخ استثمارات عقارية تحقق أمن إسرائيل فقط.

ووفق «وول ستريت جورنال»، فإن «بعض المسؤولين الأميركيين الذين اطّلعوا على (خطة شروق الشمس) يبدون شكوكاً جدّيةً بشأن مدى واقعيتها. فهم يستبعدون أن توافق حركة (حماس) على نزع سلاحها لبدء تنفيذ الخطة». وذكرت الصحيفة أنه «حتى في حال حدوث ذلك، يشكّك المسؤولون في قدرة الولايات المتحدة على إقناع دول ثرية بتحمّل تكلفة تحويل بيئة ما بعد الحرب إلى مشهد حضري عالي التقنية».

وعلى مقربة من هذه الشكوك، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في تصريحات الجمعة: «لن تقنع أحداً بالاستثمار في غزة إذا كان يعتقد أن حرباً أخرى ستندلع بعد عامين أو ثلاثة»، وأضاف: «لدينا ثقة كبيرة بأننا سنحصل على المانحين لجهود إعادة الإعمار والدعم الإنساني على المدى الطويل».

ويرى حسن أن روبيو يتحدث بحديث إسرائيل نفسه بشأن نزع سلاح «حماس»، ومن الصعب بدء المرحلة الثانية في ضوء عدم تحقيق التزاماتها مثل نشر «قوات الاستقرار» ونزع سلاح الحركة.

تلك التسريبات الأميركية، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «أننا نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

تجمع فلسطينيون نازحون لتلقي حصص غذائية تبرع بها أحد المتبرعين في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وبعد ذلك قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «إننا سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت ستنظمه القاهرة في نهاية نوفمبر الماضي، أجل دون ذكر السبب، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن ما يطرح أميركياً قد يؤخر عملية الإعمار وفق «الخطة العربية الشاملة»، مشيراً إلى أن تعثر مؤتمر الإعمار بسبب عدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم انسحاب إسرائيل. وحول المتوقع، إزاء الخطة الجديدة للإعمار، أوضح أنه يمكن التزاوج بين الخطتين العربية والأميركية شريطة ألا يحدث تهجير للفلسطينيين.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن مستقبل الإعمار قد يشهد المضي في الخطة الأميركية بشكل منفرد، وتأخير الخطة العربية الشاملة، أو استمرار التعثر لعدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم دخول أي من الخطتين حيز التنفيذ.


الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)

أدانت الأمم المتحدة بشدة قيام الجماعة الحوثية باحتجاز 10 موظفين أمميين إضافيين في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في خطوة وصفتها بـ«الاحتجاز التعسفي»، محذّرة من أن هذا التصعيد يُهدد بشكل مباشر استمرارية العمل الإنساني في اليمن.

وحسب المنظمة الدولية، ارتفع إجمالي عدد موظفيها المحتجزين لدى الجماعة إلى 69 موظفاً، ما يضع واحدة من كبرى عمليات الإغاثة في العالم أمام مخاطر غير مسبوقة.

وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان، إن هذه الاحتجازات «تجعل إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين غير قابلة للاستمرار»، مشيراً إلى أن القيود المفروضة على عمل المنظمة تؤثر بشكل مباشر على ملايين اليمنيين المحتاجين، وتحرمهم من الحصول على المساعدات المنقذة للحياة، في بلد أنهكته الحرب والفقر وانهيار الخدمات الأساسية.

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك (الأمم المتحدة)

وأضاف دوجاريك أن الأمين العام دعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفياً، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة، والعاملون في المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى أفراد من البعثات الدبلوماسية، مطالباً الحوثيين بإلغاء إحالة موظفي المنظمة إلى الملاحقة القضائية.

وشدّد البيان الأممي على ضرورة احترام القانون الدولي، بما في ذلك الامتيازات والحصانات الممنوحة للأمم المتحدة وموظفيها، مؤكداً أن هذه الحصانات «أساسية لتمكين العمل الإنساني في بيئة آمنة ومحايدة»، ولا يمكن التفريط بها دون تعريض حياة العاملين والمستفيدين من المساعدات للخطر.

تحذير من شلل الإغاثة

يأتي هذا التحذير الأممي في ظل تصعيد متواصل من جانب الحوثيين ضد المنظمات الدولية؛ حيث تتهم الجماعة موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني بالتجسس لصالح أطراف خارجية، وهي اتهامات تنفيها الأمم المتحدة بشكل قاطع، وتؤكد أنها لا تستند إلى أي أدلة.

وترى منظمات حقوقية أن هذه الاتهامات تُستخدم غطاءً لاعتقالات تعسفية واسعة، تستهدف تكميم الأصوات المستقلة وإحكام السيطرة الأمنية في مناطق نفوذ الجماعة.

طائرة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي بعد إقلاعها من مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

وخلال السنوات الماضية، لجأ الحوثيون إلى توظيف الجهاز القضائي الخاضع لهم ليكون أداةً للضغط والترهيب، عبر إحالة معارضين وصحافيين وموظفين أمميين إلى محاكم متخصصة بتهم تتعلق بالأمن القومي أو «التخابر»، في مسار يقول مراقبون إنه يقوّض العدالة، ويزيد من عزلة مناطق سيطرة الجماعة التي تحوّلت إلى أشبه بمعتقل كبير.

وتؤكد الأمم المتحدة أن استمرار هذه الممارسات يجعل من الصعب الحفاظ على وجود إنساني فعّال في صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، خصوصاً في ظل المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الموظفون المحليون والدوليون.

وعلى الرغم من ذلك، تُشدد المنظمة على التزامها بمواصلة تقديم الدعم الإنساني لملايين اليمنيين، مع تحذيرها من أن أي تصعيد إضافي قد يفرض إعادة تقييم للأنشطة الإنسانية في بعض المناطق.

مخطط تفجيري

في سياق موازٍ، أعلنت الأجهزة الأمنية في محافظة مأرب (شرق صنعاء) عن تحقيق إنجاز أمني نوعي، تمثل في ضبط قيادي بارز تابع للجماعة الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، في عملية استباقية استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة ومتابعة ميدانية مكثفة.

ونقل الإعلام الرسمي عن مصدر أمني في شرطة مأرب قوله إن الأجهزة الأمنية نفذت العملية «باحترافية عالية»، بعد رصد تحركات القيادي الحوثي (ع.ع.د)، الذي كلفته الجماعة بقيادة عدة خلايا إرهابية داخل المحافظة. وحسب المصدر، كانت هذه الخلايا تعمل على استهداف الأمن والاستقرار وقيادات مدنية وعسكرية، من خلال تصنيع وزراعة العبوات الناسفة في مناطق متفرقة.

حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (أ.ف.ب)

وأوضح المصدر أن العملية نُفذت بتنسيق محكم بين مختلف الأجهزة الأمنية في المحافظة، وأسفرت عن مداهمة مخبأ القيادي الحوثي والقبض عليه، وضبط عدد من العبوات الناسفة المموهة، إضافة إلى أجهزة ومعدات خاصة بعمليات التفجير. وأشار إلى أن المخبأ كان يُستخدم وكراً لتصنيع العبوات الناسفة، ومقراً لإدارة الخلايا الإرهابية وتوجيه عملياتها.

ولفت إلى أن الجماعة الحوثية كانت تُعدّ هذا القيادي ليكون بديلاً عن القيادي السابق أحمد قطران، الذي أُلقي القبض عليه في وقت سابق، وظهر لاحقاً في تسجيل مصوّر بثه الإعلام الأمني، تضمن اعترافات حول مخططات تخريبية استهدفت محافظة مأرب.

وأكّد المصدر الأمني أن التحقيقات مع القيادي الحوثي المضبوط لا تزال جارية، تمهيداً لإحالته إلى القضاء المختص بعد استكمال الإجراءات القانونية، مشيراً إلى أن هذا الإنجاز يضاف إلى سلسلة من النجاحات الأمنية التي حققتها أجهزة الأمن في مأرب خلال الفترة الماضية، ويعكس مستوى الجاهزية واليقظة في مواجهة التهديدات الحوثية.