لم يتوصل أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان التونسي) إلى اتفاق حول رفع السرية المصرفية، أو ما يعرف في تونس بـ«السر البنكي»، وفشلت النقاشات التي دارت في رحاب البرلمان في إقناع معظم النواب برفع السرية، وطالب الشق الأكبر منهم بضرورة الحصول على إذن قضائي مسبق للقيام بالإجراءات المتعلقة برفع السر البنكي الوارد في مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2014، وأجل الحسم في هذا الموضوع إلى حين التوصل إلى صيغة توافقية بين طرفين يتخذان موقفا خلافيا داخل البرلمان وكلاهما متمسك بوجهة نظره.
وتنص الفصول من 32 إلى 35 من مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2014 المعروض حاليا على النقاش بين أعضاء البرلمان التونسي على أنه «... يتعين على مؤسسات القرض التي لها صفة بنك والديوان الوطني للبريد ووسطاء البورصة، موافاة مصالح الجباية المختصة بناء على طلب كتابي في أجل أقصاه عشرة أيام من تاريخ تبليغ الطلب بنسخ من كشوفات الحسابات المشار إليها في صورة عدم تقديمها من قبل المطالب بالأداء لمصالح الجباية في أجل عشرة أيام من تاريخ التنبيه عليه كتابيا».
وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى خلالها الحكومات التونسية المتعاقبة إلى محاولة الضرب على أيدي المتهربين من الضرائب، ولكنها غالبا ما تصطدم بحواجز قانونية كثيرة من أهمها عدم شرعية الاطلاع على البيانات الشخصية. وكانت حكومة علي العريض سنة 2012 قد سعت إلى تنفيذ هذا الإجراء ولكنها سرعان ما تخلت عنه.
وبشأن هذا الإجراء المثير للجدل، عبر سعد بومخلة أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة التونسية لـ«الشرق الأوسط» عن حساسية موضوع رفع السرية المصرفية وأن المسألة قد تتعدى مجرد الكشف عن أموال وحسابات مالية إلى اطلاع مباشر على بيانات شخصية.
وتابع أن هذا الإجراء قد يكون له أسوأ التأثيرات على الاقتصاد التونسي باعتبار أن الكثير من أصحاب رؤوس الأموال قد يحجمون عن التوجه إلى المؤسسات البنكية وادخار أموالهم خوفا من انكشاف الكثير من الحقائق حول أملاكهم الحقيقية.
وأضاف بومخلة أن هذا الإجراء قد يعود بالنفع النسبي على الحكومة التي تسعى بكل الوسائل إلى توفير الموارد الذاتية الكفيلة بسد العجز المتنامي على مستوى الميزانية، ولكن آثاره البعيدة قد تكون أسوأ من منافعه الحينية على الاقتصاد التونسي. ومن الأفضل، على حد تعبيره، اعتماد طرق مراقبة أفضل وأنجع بعيدا عن حساسية الاطلاع على المعطيات الشخصية.
وأبدت عدة أطراف اقتصادية ومالية مخاوف جدية تجاه هذا الإجراء وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن المسألة قد تتحول إلى هجوم على البيانات الشخصية للأشخاص تحت ذريعة ملاحقة الأطراف المتهربة من أداء الواجب الجبائي. ولئن أكدت مصادر من وزارة الاقتصاد والمالية أن هذا القرار لا يشمل إلا المطالبين بالأداء الذين هم في حالة مراجعة معمقة لوضعيتهم الجبائية في تاريخ تبليغ الطلب برفع السرية المصرفية، فإن ذلك لم يجد مبررات مقنعة لدى النقاش الدائر حول هذا الموضوع.
ودافعت المصادر عن وجهة نظرها بالقول إن رفع السر البنكي يجري في نطاق مراقبة معمقة وبواسطة مراقبين محلفين، وهو لا يعد إجراء انتقاميا أو انتقائيا ضد التونسيين، وأضافت أن الهدف الأساسي من ورائه هو تنفيذ سياسة الدولة في مجال الشفافية المالية ودقة المعطيات المتعلقة بالجباية وحقوق المجموعة الوطنية تجاه أصحاب رؤوس الأموال.
تأجيل الحسم في موضوع رفع السرية المصرفية ضمن قانون المالية التكميلي التونسي لسنة 2014
المرة الأولى التي تسعى خلالها الحكومة لمحاولة الضرب على أيدي المتهربين من الضرائب
تأجيل الحسم في موضوع رفع السرية المصرفية ضمن قانون المالية التكميلي التونسي لسنة 2014
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة