تونس: «اتحاد الشغل» يتمسك بالإضراب العام بعد تعثر المفاوضات مع الحكومة

حزب المرزوقي يرفع شكوى قضائية ضد رئاسة الجمهورية

TT

تونس: «اتحاد الشغل» يتمسك بالإضراب العام بعد تعثر المفاوضات مع الحكومة

أكدت قيادات الاتحاد العام التونسي (نقابة العمال) في تصريحات متطابقة استمرار تعثر المفاوضات مع الحكومة حول الزيادات في أجور عمال قطاع الوظيفة العمومية، وهو ما يعني تثبيت موعد الإضراب العام المقرر في 17 من يناير (كانون الثاني) الحالي، الذي قد تنجم عنه، حسب مراقبين للشأن المحلي، احتجاجات واضطرابات اجتماعية غير قابلة للسيطرة.
وقدمت الحكومة التونسية في آخر جلسة تفاوض عقدت بين الطرفين مبلغ 700 مليون دينار تونسي (نحو 233 مليون دولار) كحجم إجمالي للزيادة في أجور عمال قطاع الوظيفة العمومية. غير أن الطرف النقابي رفض هذا الاقتراح، وقال إنه «لا يكفي لتحسين التدهور الحاصل في المقدرة الشرائية للموظفين». علماً أن هذا المبلغ كان في بداية جلسات التفاوض لا يزيد عن 400 مليون دينار، ولذلك سعت الحكومة إلى زيادة هذا المبلغ تحت ضغط القيادات النقابية، التي طالبت بنسبة لا تقل عن 7.5 في المائة تماشياً مع نسبة التضخم الاقتصادي المسجلة في البلاد.
وفي هذا السياق، قال حفيظ حفيظ، المكلف الوظيفة العمومية في اتحاد الشغل، إن المفاوضات «ما زالت متعثرة، ولم يتم التوصل إلى حل يرضي الطرفين، وهو ما يعني أن الإضراب العام ما زال قائماً وفي تاريخه المحدد».
وواصل اتحاد الشغل خلال الأسابيع الماضية حشد مؤيديه في أكثر من مدينة لتهيئة الأرضية المناسبة لإنجاح الإضراب العام، الذي يقول نور الدين الطبوبي، رئيس الاتحاد، إنه لا يرغب في تنفيذه، مشدداً على أن تونس ليست في حاجة إلى مزيد من التوترات الاجتماعية، على حد قوله.
ومن جهته، اتهم سامي الطاهري، المتحدث باسم اتحاد الشغل، حركة النهضة، أحد أهم أطراف الائتلاف الحاكم، بعرقلة المفاوضات الاجتماعية، وقال بهذا الخصوص إن حركة النهضة تدعي الوساطة. لكنها هي التي تعرقل المفاوضات، على حد تعبيره.
وخلال الأسابيع الماضية تدخل أكثر من طرف سياسي لخفض منسوب التوتر بين الحكومة ونقابات العمال. لكن تمسك كل جهة بمواقفها جعل الوصول إلى حل وسط أمراً مستبعداً.
وتقر الحكومة بضعف مواردها المالية، وعدم قدرتها على تقديم زيادات كبيرة في الأجور بعد ارتفاع كتلتها إلى أكثر من 14 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، في حين يرى اتحاد الشغل أن تدهور القدرة الشرائية وزيادة أسعار معظم المواد الاستهلاكية تعد من أهم دواعي التمسك بزيادة مهمة في الأجور.
في المقابل، تتهم أطراف سياسية مشاركة في الائتلاف الحاكم، ومن بينها حركة النهضة، اتحاد الشغل بتجاوز مهامه النقابية والانغماس في السياسة، من خلال دعم دعوة حزب النداء لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية، التي يرأسها يوسف الشاهد. غير أن قيادات الاتحاد العمالي ردت على هذه الاتهامات بالقول إن الشأن السياسي يعنيها، مشددة على أنها «تجمع في عملها بين العمل النقابي ومهامها الوطنية».
وكان بوعلي المباركي، القيادي في المنظمة العمالية، قد أعاد الجدل بقوة داخل الأوساط السياسية في تونس حول خلط النقابات بين العمالي السياسي والنقابي، خاصة بعد أن أعلن اتحاد الشغل عن استعداده للمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة خلال هذه السنة. لكن لم تتضح معالم تلك المشاركة المثيرة للجدل بسبب رفض نور الدين الطبوبي، رئيس الاتحاد، فرضية التقدم بمرشح للرئاسية المقبلة.
بدوره، صرح عبيد البريكي، الرئيس المساعد السابق في اتحاد الشغل، بأنه على يقين من أن الاتحاد سيشارك في الانتخابات المقررة هذا العام، من خلال دعم أحزاب سياسية ديمقراطية وتقدمية يتقاطع معها في الدفاع عن المطالب الاجتماعية. واستبعد البريكي مشاركة الاتحاد بصفة مباشرة في الانتخابات البرلمانية نتيجة تنوع القاعدة الانتخابية له، وعدم ضمان تصويتها بكثافة لفائدة مرشحي اتحاد الشغل.
على صعيد آخر، أكدت درة إسماعيل، الأمينة العامة لحزب حراك تونس الإرادة، الذي يتزعمه المنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق، أنها سترفع شكوى ضد رئاسة الجمهورية على خلفية اتهام المرزوقي بتسليم جزء من الأرشيف إلى جهات أجنبية خلال فترة رئاسته للبلاد التي امتدت من 2011 إلى 2014.
وانتقدت الأمينة العامة لحزب «حراك تونس الإرادة» تصريحات سعيدة قراش، المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية، حول سرقة جزء من أرشيف الرئاسة وتسليمه لجهات أجنبية خلال فترة حكم المرزوقي، وقالت إن الخبر الذي تم تداوله «كاذب ويندرج ضمن محاولة بائسة لتشويه سمعة المرزوقي»، على حد تعبيرها.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.