سباق بين تفعيل «تصريف الأعمال» وجهود تشكيل الحكومة اللبنانية

بري و«القوات» يدفعان باتجاه عقد جلسة لإقرار الموازنة.. و«التيار الوطني» يعارض

TT

سباق بين تفعيل «تصريف الأعمال» وجهود تشكيل الحكومة اللبنانية

تُسابق الجهودُ لتفعيل حكومة تصريف الأعمال، بهدف إقرار موازنة العام 2019، المباحثاتِ المستمرةَ لتشكيل الحكومة الجديدة التي لا تزال معلقة عند عقدة تمثيل «النواب السنة المستقلين»، وسط انقسام بين مؤيد لتفعيل عمل الحكومة، وفي مقدمهم «القوات اللبنانية» و«حركة أمل»، ومعارض لها، وفي مقدمهم «التيار الوطني الحر».
وتضغط الاستحقاقات المالية مع حلول العام الجديد على مجلس النواب لإقرار الموازنة العامة، كون الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية (إنفاق من غير موازنة) لا يجوز قانوناً إلا في الشهر الأول من السنة المالية، إذ يفترض إقرار موازنة عامة تضبط الإنفاق، بحيث لا يجوز تجاوز سقف الإنفاق المدرج في الموازنة إلا بموجب قوانين يقرها مجلس النواب.
وعلى الرغم من تريث «المستقبل» في إبداء موقف مؤيد أو معارض لتفعيل حكومة تصريف الأعمال وإعلان قراره النهائي بخصوص الدعوة التي وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لحكومة تصريف الأعمال لدراسة موازنة العام 2019، وإحالتها إلى البرلمان لإقرارها، إلا أن أجواء «المستقبل» لا تستبعد المشاركة.
وقالت مصادر مواكبة مؤيدة لإقرار الموازنة العامة في الحكومة وإحالتها إلى البرلمان لإقرارها، إن «إقرار الموازنة في حكومة تصريف الأعمال لن يترتب عليه أي ضرر سياسي على الحريري، كونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وهو الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة العتيدة». وشددت المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على أنه وفق القانون اللبناني «لا يمكن الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية إلا في شهر يناير (كانون الثاني)»، مذكرة بتصريحات لوزير المال علي حسن خليل عندما زار الحريري منتصف الأسبوع، وحذر من أنه «إذا تأخر تشكيل الحكومة شهراً إضافياً، فقد لا تتوفر الأموال لوزارات كثيرة، وعندها سنكون مضطرين لإيجاد سبل لتأمينها».
ويعد هذا الاستحقاق المالي داهماً على لبنان، في ظل التعقيدات التي تحيط بعملية تشكيل الحكومة، وتحديد أكثر من موعد لإعلانها من غير أن تفرج الخلافات السياسية عنها. لكن رغم ذلك، يُحاط الأمر بانقسامات داخلية. وأعلن عضو تكتل «لبنان القوي» النائب سليم عون «أن تفعيل حكومة تصريف أعمال أمر غير وارد، بل هي بداية فكرة طرحت بموضوع واحد محصور بالموازنة يستند إلى الاجتهاد الذي حصل عام 1969».
في المقابل، تدفع كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها الرئيس نبيه بري باتجاه إقرار الموازنة في حكومة تصريف الأعمال، حيث أكد النائب ميشال موسى «ضرورة إقرار موازنة مجلس النواب»، مشيراً إلى «أهمية أن تجتمع الحكومة من أجل أهداف محددة، وأهمها إقرار الموازنة، خصوصاً أن الحكومة لا تزال معطلة». وقال إنه «في حال استمر التعطيل لا يمكن للبلد أن يبقى مشلولاً، وأن يعطل عمل مجلس النواب بسبب التأخر في تأليف حكومة جديدة».
بدوره، قال عضو «كتلة التنمية والتحرير» النائب فادي علامة، إن «دعوة بري لتفعيل حكومة تصريف الأعمال لها أهداف مهمة لتسريع الموازنة، وقد تبيّن أنّ الأمور في الملف الحكومي تأخذ وقتاً». وأعرب عن اعتقاده بـ«أنّ التوجه هو لتفعيل حكومة تصريف الأعمال، وهناك إشارات توحي بأنّ الحريري سيسير بهذا الأمر، والدعوة اليوم محدّدة بإقرار الموازنة».
وتلاقي «القوات اللبنانية» نواب «حركة أمل» في هذا التوجه، حيث أكد عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب ماجد إدي أبي اللمع: «إننا مع تفعيل حكومة تصريف الأعمال لأن بعض الأمور لا تحتمل الانتظار». وأعرب عن تشاؤمه حيال تشكيل الحكومة، مشيراً إلى «أن اتهام رئيس الحكومة المكلف كلام مجحف في حقه». ورأى «أن العقدة السنية أسبابها داخلية وخارجية»، معتبراً «أن طروحات أعداد الوزراء للاستهلاك المحلي، وليست اقتراحات جدية، وهي للابتعاد عن العقدة الفعلية».
وظهر أمس أنه لم يطرأ أي جديد على مساعي حل عقدة تشكيل الحكومة، وغرد عضو «اللقاء التشاوري» النائب عبد الرحيم مراد عبر «تويتر» قائلاً: «مطلوب سرعة تشكيل الحكومة، لمعالجة المشكلات المتعددة التي يعاني منها الوطن. ونحن نرى أن المبادرة الأولى معنا كـ(لقاء تشاوري) قد توقفت لأسباب معروفة. وما زلنا عند موقفنا بتقديم ثلاثة أسماء (حسن مراد، عثمان المجذوب وطه ناجي) كذلك ستة نواب، ويمكن اختيار أحد الشخصيات التسع ليمثل (اللقاء التشاوري) حصراً».
بدوره، رأى نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، أنّ الذهاب إلى حكومة من اثنين وثلاثين وزيراً يشكل الحل الأنسب لإنهاء الأزمة الحكومية الراهنة، مستغرباً عدم القبول بهذا الاقتراح الذي ينهي أيضاً عقدة تمثيل جميع الأقليات.
وفي حديث إذاعي، شدد الفرزلي على وجوب تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، مبدياً تفاؤله، وأضاف: «الأجواء السلبية التي تبث بأن البلد يعيش عظائم الأمور غير واقعية، وعلينا النظر إلى الأجواء الإقليمية التي تنذر بإيجابية قادمة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».