تونس: شبهات حول توظيف «السترات الحمراء» لإشعال الاحتجاجات

قيادات من الائتلاف الحاكم تتهم «النداء» بتمويلها للإطاحة بالحكومة

TT

تونس: شبهات حول توظيف «السترات الحمراء» لإشعال الاحتجاجات

كشف انسحاب أحد قيادات حركة «السترات الحمراء»، التي تتزعم الاحتجاجات الاجتماعية في عدد من المدن التونسية، كالقصرين وجبنيانة وبعض الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة التونسية، وجود «أهداف تخريبية» لهذه الحركة، التي بلورت خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي مجموعة من المطالب الاجتماعية، واشترطت استجابة الحكومة لها للتخلي عن احتجاجات خططت لها خلال الشهر الحالي، للتنديد بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وتوجهات الحكومة في ميزانية السنة الجديدة.
ووجه محمد ياسين الورغي، الذي كان ضمن قيادات حركة «السترات الحمراء»، وأحد مؤسسيها المعروفين، اتهامات لعناصر الحركة بعد انشقاقه عنها، بـ«محاولة بعض الأطراف السياسية توظيف حملة (السترات الحمراء) والعمل باسمها لتحقيق أهداف عجزت عنها بطرق أخرى، ومحاولة توظيفها لصالح دوائر سياسية تتصارع على الحكم» على حد تعبيره، داعياً الشباب المحتج إلى التصدي «لكل محاولات التخريب، وبث الفوضى والاستفادة من الاحتجاجات لتصفية حسابات سياسية» ضيقة.
في المقابل، أعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية المعارضة، وعلى رأسها تحالف الجبهة الشعبية المعارض، الذي يضم 11 حزباً، معظمها من اليسار، دعمها لحركة «السترات الحمراء»، ودعت مؤيديها إلى الانخراط في الاحتجاجات ضد خيارات الحكومة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
لكن محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، المنضمة للائتلاف الحاكم برئاسة يوسف الشاهد، أكد في المقابل أن «حملة (السترات الحمراء) مسألة سياسية تدخل في إطار تصفية الحسابات السياسية. ومن يفكر في دعم (السترات الحمراء) يفكر بمنطق (السترات السوداء)، المعروف من يقف وراءها»، على حد قوله.
في سياق ذلك، وجهت قيادات سياسية من الائتلاف الحاكم والأحزاب المعارضة اتهامات إلى حزب النداء، بتغذية الاحتجاجات وتمويل حركة «السترات الحمراء»، من أجل الإطاحة بحكومة يوسف الشاهد، وإضعاف حركة النهضة، الداعم الرئيسي للحكومة. وقد جاء ذلك بعد اندلاع جدل سياسي قوي، إثر نشر صورة لقيادي حزب النداء، رضا بلحاج، مع أحد قادة «السترات الحمراء»، وهو ما غذى الشبهات بمحاولة توظيف حملة «السترات الحمراء» لصالح أطراف سياسية بعينها.
كما اعترف أحد قيادات حركة «السترات الحمراء» باتصاله بسفارة أميركا في تونس، من أجل تلقي الدعم لحركتهم الاحتجاجية. غير أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي والسفارة الأميركية بادرا بنفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً.
وكان أعضاء «التنسيقية الوطنية» لحملة «السترات الحمراء»، قد أكدوا خلال مؤتمر صحافي، عقد أواسط الشهر الماضي، أن الحملة «ستكون صوت المهمشين، ولا يقف وراءها أي طرف سياسي، أو أي جهة داخلية أو خارجية. وهذه الحركة ستتبنى الاحتجاجات السلمية والمدنية الرافضة لتوجهات الحكومة».
واستلهمت حركة «السترات الحمراء» تحركاتها من حملة «السترات الصفراء» الفرنسية، للإعلان عن مطالب شعبية واجتماعية واقتصادية. وركزت الحركة مطالبها على تحسين ظروف العيش، وتنفيذ إصلاحات عاجلة لقطاعات الصحة والتعليم والنقل العمومية، ورفع الأجر الأدنى، وتحسين ظروف المتقاعدين، وصيانة الطرق والبنية التحتية، ومحاسبة الفاسدين في الإدارة.
يذكر أن أجهزة الأمن ضبطت خلال الشهر الماضي 52 ألف سترة كانت مخبأة في مخزن خاص بمدينة صفاقس (وسط شرقي تونس)، واتهمت أحد رجال الأعمال من أبناء الجهة بالتحضير لتوزيعها على المحتجين في عدد من المدن، وقالت إن اسمه ورد في الحملة التي قادتها الحكومة سنة 2017 في إطار محاربة الفساد.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.