«سوق الملح» في صنعاء.. مقصد تجار «الخناجر» و«الجنابي» لعقود من الزمن

تجارة الأسلحة البيضاء تشهد ركودا.. وأسعار الأصلية منها قد تصل إلى نصف مليون دولار

أحد تجار الخناجر في «سوق الملح» بالعاصمة اليمنية صنعاء
أحد تجار الخناجر في «سوق الملح» بالعاصمة اليمنية صنعاء
TT

«سوق الملح» في صنعاء.. مقصد تجار «الخناجر» و«الجنابي» لعقود من الزمن

أحد تجار الخناجر في «سوق الملح» بالعاصمة اليمنية صنعاء
أحد تجار الخناجر في «سوق الملح» بالعاصمة اليمنية صنعاء

تعد تجارة وصناعة الخناجر اليمنية أو «الجنابي» من أهم الصناعات في اليمن، وهي منتشرة في عدد من الأسواق في المدن الرئيسة كصنعاء وعدن وحضرموت، إلا أن «سوق الملح» في صنعاء القديمة تعد السوق الأبرز في تجارة وصناعة «الجنابي»، والتي يعد اقتناؤها محليا واحدة من أهم سمات اليمنيين، كما أن سعرها مقياس للمستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه مقتنيها، حيث يصل سعر بعض «الجنابي» أو «الخناجر» إلى نحو مليار ريال يمني، أي ما يعادل نصف مليون دولار أميركي.
وعرفت «سوق الملح» كإحدى أقدم أسواق صنعاء، وعرفت بهذا الاسم لاشتهارها كونها السوق الرئيسة للتوابل والبهارات والملح، غير أن المؤرخ محمد أبو الحسن الهمداني أورد في كتابه «الإكليل» سببا آخر للتسمية، فهي في الأصل «سوق الملح»، (بضم الميم وفتح اللام)، أي أنها سوق كل ما هو جميل ومليح، وحرفت التسمية لاحقا وصارت «سوق الملح»، (بكسر الميم واللام).
وتعد «سوق الملح» من أبرز الملامح التقليدية لمدينة صنعاء القديمة، فهي من أسواق العرب المشهورة قبل الإسلام، ومما أسهم في تنشيط حركة السوق ورواج تجارتها موقع مدينة صنعاء على طريق القوافل التي كانت تحضر أسواق العرب الموسمية قبل الإسلام، إضافة إلى كونها تقع على طريق الحجيج بعد الإسلام، فازدادت أهميتها، لذلك نجد لها وصفا عند الإخباريين (القرن الخامس الهجري - الحادي عشر الميلادي) في كتاب «تاريخ صنعاء».
لكن السوق التي اشتهرت ببيع التوابل باتت منذ نحو 10 عقود على الأقل مقصدا لتجار الأسلحة البيضاء والخناجر في شبه الجزيرة العربية، حيث يقصدها اليمنيون من كل أنحاء اليمن وغيرهم من الدول المجاورة كالسعودية، والإمارات، وعمان، وذلك لغرض الحصول على كميات من «الخناجر» و«الجنابي» التي تميزت بيوت معينة في السوق بصناعتها وتصديرها للخارج.
ويرى أحد تجار «الخناجر» اليمنية أن «سوق الجنابي» في «سوق الملح» واليمن عموما، تعاني ركودا كما تعاني السوق اليمنية بشكل عام؛ لأنها باتت نوعا من الكماليات، رغم أن اليمني لا يمكن أن يسير إلا بجنبيته وسلاحه الأبيض، رغم أنها في اليمن لا تعتبر مجرد سلاح، إذ إن للجنبية معاني كثيرة، مثلا للدفاع عن النفس أو عندما يخطئ الشخص على أشخاص، أو قبيلة أخرى فبمجرد أن يطرح جنبيته للتحكيم، فهي بمنزلة كلمة الرجل.
وحسب تاجر الجنابي في «سوق الملح» فإن أغلى جنبية، حاليا، يصل قيمتها إلى 300 مليون ريال لأنها أثرية في الغالب وعمرها لا يقل عن 800 سنة من بينها واحدة يمتلكها أحمد حميد الحباري وابتاعها الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وهي الأولى كما عدها في اليمن والثانية يمتلكها الشيخ ناجي بن عبد العزيز الشايف، وهي في الأصل حق بيت السنيدار، ومن ثم إلى الأمام أحمد رحمة الله عليه ومن ثم إلى الحاج حسين الوتاري، رحمة الله عليه، ثم إلى ناجي الشايف، وهناك جنبيتان في المتحف العسكري بالقاهرة في مصر وأخرى مع بيت الصعر في محافظة عمران وأخرى ملك بيت الردمي في صنعاء.
ويؤكد التاجر الشيخ شعلان الحباري لـ«الشرق الأوسط» أن سعر الجنبية أو الخنجر اليمني يصل إلى ملايين الريالات، وأن بعضها تباع بخمسين ألف ريال فقط، وأن هناك «جنابي» تباع في السوق اليمنية وهي مصنعة من البلاستيك وتصل قيمتها إلى ألف ريال فقط، » لأن وحيد القرن انعدم من عام 1982، ولم يعد موجودا في السوق اليمنية.
ويضيف: «عندما كنت طفلا صغيرا كان الكيلو الواحد من وحيد القرن يباع بمبلغ ألفي ريال يمني، والآن لا نجده بثلاثين ألف دولار أميركي»، مشيرا إلى أن الجنبية البلاستيك يرتديها من لا يجد المال أو من يخاف من الأوضاع لأن أوضاع البلاد هذه الأيام غير مستقرة والبعض يخشى أن يتعرض لأي مكروه بسبب لبسه للجنبية.
ويتباهى اليمنيون بالخناجر في المناسبات وغيرها ويعدونها جزءا من شخصية رجل القبيلة، غير أن كثيرا من حوادث القتل تحدث بواسطة الخناجر أو الجنابي والتي تعد في كثير من دول المنطقة سلاحا خطرا، ولا تعد الجنبية جزءا من شخصية المواطن في المناطق الساحلية ولكهنا جزء أساسي من شخصية سكان المناطق الجبلية في اليمن وإن لم يلبسها الشخص يعد منقوصا أمام قومه. وتعد الجنبية في اليمن واحدة من ميزات رجال القبائل في بعض المناطق ويجري الاحتفاظ بها في أماكن خاصة وخزنات خشية سرقتها لأنها واحدة من الأشياء المرغوبة لدى اللصوص المختصين في سرقة الأشياء الثمينة والنفيسة.



«نيكي» يتراجع 1 % قبيل صدور بيانات الوظائف الأميركية

رجل يمر أمام لوحة إلكترونية تعرض حركة الأسهم وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)
رجل يمر أمام لوحة إلكترونية تعرض حركة الأسهم وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)
TT

«نيكي» يتراجع 1 % قبيل صدور بيانات الوظائف الأميركية

رجل يمر أمام لوحة إلكترونية تعرض حركة الأسهم وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)
رجل يمر أمام لوحة إلكترونية تعرض حركة الأسهم وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)

انخفض مؤشر «نيكي» الياباني للأسهم بأكثر من 1 في المائة يوم الثلاثاء، متأثراً بانخفاض أسهم شركات تصنيع الرقائق الإلكترونية وغيرها من الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وذلك قبيل صدور بيانات الوظائف الأميركية المهمة في وقت لاحق من يوم الثلاثاء.

وانخفض مؤشر «نيكاي» بنسبة 1.6 في المائة ليغلق عند 49.373.25 نقطة، مسجلاً انخفاضاً دون مستوى 50.000 نقطة النفسي الرئيسي لأول مرة منذ 3 ديسمبر (كانون الأول). وخسر مؤشر «توبكس» الأوسع نطاقاً 1.8 في المائة ليصل إلى 3.370.50 نقطة.

وانخفضت أسهم شركة «ياسكاوا إلكتريك»، المتخصصة في تطوير الروبوتات و«الذكاء الاصطناعي المادي»، بنسبة 7 في المائة، في حين تراجعت أسهم شركة «فوجيكورا»، المصنعة لكابلات مراكز البيانات، بنسبة 6.7 في المائة، لتصبح بذلك أكبر الخاسرين في مؤشر «نيكي».

وتراجعت أسهم شركة «رينيساس» لصناعة الرقائق بنسبة 5.1 في المائة، في حين انخفضت أسهم شركة «شين-إيتسو كيميكال» لمعالجة السيليكون بنسبة 4.1 في المائة. وشهدت بعض أكبر أسهم شركات التكنولوجيا اليابانية انخفاضات طفيفة بعد خسائر حادة يوم الاثنين.

وهبط سهم مجموعة «سوفت بنك»، المستثمرة في مجال الذكاء الاصطناعي، بنسبة 1.7 في المائة، بعد أن كان قد انخفض بنسبة تصل إلى 4.5 في المائة في وقت سابق، عقب تراجع حاد بنسبة 6 في المائة في الجلسة السابقة. وتراجع سهم شركة «أدفانتست»، الموردة لشركة «إنفيديا» والمتخصصة في أدوات اختبار الرقائق، بنسبة 1.4 في المائة، بعد انخفاض حاد بنسبة 6.6 في المائة يوم الاثنين.

وقالت استراتيجية الأسهم في شركة «نومورا» للأوراق المالية، ماكي ساودا: «بعد الانخفاضات الكبيرة التي شهدناها يوم الاثنين، بدأت بعض الأسهم الكبرى تجذب مشترين عند انخفاض الأسعار». وفي الوقت نفسه، «كان انخفاض اليوم أوسع نطاقاً»، وقبل أحداث مهمة، بما في ذلك صدور بيانات الوظائف غير الزراعية الأميركية يوم الثلاثاء وقرار «بنك اليابان» بشأن السياسة النقدية يوم الجمعة، «يسود ترقب وانتظار» السوق، على حد قولها.

ومن بين 225 شركة مدرجة في مؤشر «نيكي»، انخفضت أسعار 188 شركة، وارتفعت أسعار 36 شركة، فيما استقرت أسعار شركة واحدة.

ومن بين 33 قطاعاً صناعياً في بورصة طوكيو، سجلت قطاعات الطيران والورق والزراعة فقط ارتفاعاً، حيث ارتفعت أسهم شركات الطيران بنسبة 1.5 في المائة، فيما لم تتجاوز مكاسب القطاعَيْن الآخرَيْن 0.2 في المائة.

استقرار السندات

ومن جانبها، لم تشهد سندات الحكومة اليابانية أي تغيير يُذكر يوم الثلاثاء، حيث التزم المتداولون الحياد في الغالب قبيل صدور بيانات الوظائف الأميركية المهمة في وقت لاحق، وقرار «بنك اليابان» بشأن السياسة النقدية هذا الأسبوع.

وبلغ عائد سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات 1.955 في المائة، عند الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش. واستقرت العقود الآجلة القياسية لسندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات عند 133.40 ين. وتتحرك العوائد عكسياً مع أسعار السندات.

وإلى جانب بيانات الوظائف الأميركية، يتوقع المتداولون أن يرفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية يوم الجمعة، مما يجعل معظم الأنظار متجهة نحو المؤتمر الصحافي الذي سيعقده المحافظ كازو أويدا عقب الاجتماع، بحثاً عن مؤشرات حول مسار السياسة النقدية في عام 2026.

ولم يبدأ تداول سندات الحكومة اليابانية لأجل عامين، التي تتأثر بشكل خاص بتوقعات السياسة النقدية، يوم الثلاثاء. كما لم يتم تداول سندات لأجل 5 سنوات.

وفي قطاع السندات طويلة الأجل جداً، انخفض عائد السندات لأجل 20 عاماً، وعائد السندات لأجل 30 عاماً بمقدار نقطة أساس واحدة، ليصل إلى 2.915 في المائة، و3.355 في المائة على التوالي.

وبلغت هذه العوائد مستويات قياسية في وقت سابق من هذا الشهر، حيث وصلت إلى 2.935 في المائة و3.445 في المائة على التوالي، مدفوعةً في الغالب بمخاوف بشأن الوضع المالي لليابان بعد أن أقرت الحكومة الجديدة أكبر حزمة إنفاق منذ بدء الجائحة.

ومع ذلك، يرى خبراء اقتصاديون في «مورغان ستانلي إم يو إف جي» للأوراق المالية أن هذه المخاوف مبالغ فيها. وكتب تاكيشي ياماغوتشي وماسايوكي إينوي، في مذكرة موجهة إلى العملاء: «يتزايد استفسار المستثمرين عن الوضع المالي لليابان». وأضافا: «على الرغم من أن الميزانيات التكميلية الضخمة أصبحت هي القاعدة في السنوات الأخيرة، فإن مبالغ الإنفاق المسجلة في الميزانية لا تُنفق بالكامل بالضرورة». وتابعا: «على الرغم من حجمها الظاهري الكبير، فإن الإصدار المخطط له لسندات حكومية جديدة للسنة المالية 2025 بعد الميزانية التكميلية هو في الواقع أقل من العام السابق... لا داعي للقلق المفرط».


النفط يتراجع بفعل محادثات السلام في أوكرانيا وبيانات صينية ضعيفة

حفَّارة نفط تعمل في حقل خارج منطقة ألميتيفسك بجمهورية تتارستان الروسية (رويترز)
حفَّارة نفط تعمل في حقل خارج منطقة ألميتيفسك بجمهورية تتارستان الروسية (رويترز)
TT

النفط يتراجع بفعل محادثات السلام في أوكرانيا وبيانات صينية ضعيفة

حفَّارة نفط تعمل في حقل خارج منطقة ألميتيفسك بجمهورية تتارستان الروسية (رويترز)
حفَّارة نفط تعمل في حقل خارج منطقة ألميتيفسك بجمهورية تتارستان الروسية (رويترز)

انخفضت أسعار النفط في التعاملات المبكرة، خلال جلسة الثلاثاء، وسط بوادر عن احتمال التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، وما قد يترتب عليه من تخفيف محتمل للعقوبات على الخام الروسي.

وهبطت العقود الآجلة لخام برنت 0.8 في المائة مسجلة 59.55 دولار للبرميل، بحلول الساعة 09:50 بتوقيت غرينيتش. وسجل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 55.80 دولار للبرميل، بانخفاض 0.99 في المائة.

وقال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة عرضت تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا على غرار ضمانات حلف شمال الأطلسي، وهي خطوة غير مسبوقة أثارت التفاؤل في بعض العواصم الأوروبية بأن المحادثات تقترب من التفاوض على إنهاء الصراع.

وقال توني سيكامور المحلل في «آي جي» في مذكرة، وفقاً لـ«رويترز»: «مما زاد من الضغوط، البيانات الاقتصادية الصينية الضعيفة التي صدرت خلال الليل، والتي غذت المخاوف من أن الطلب العالمي قد لا يكون قوياً بما يكفي لاستيعاب نمو المعروض الأخير».

وأظهرت بيانات رسمية يوم الاثنين، تباطؤ نمو إنتاج المصانع الصينية إلى أدنى مستوى له في 15 شهراً. كما نمت مبيعات التجزئة بأقل وتيرة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2022.

وأثارت البيانات مخاوف من أن استراتيجية الصين المتمثلة في الاعتماد على الصادرات لتعويض ضعف الطلب المحلي قد تتعثر. ومن شأن تباطؤ الاقتصاد أن يزيد من الضغط على الطلب من أكبر مشترٍ للنفط في العالم؛ حيث يؤثر الاستخدام المتزايد للسيارات الكهربائية بالفعل على استهلاك الخام.

وقللت هذه العوامل المخاوف بشأن المعروض، بعدما احتجزت الولايات المتحدة ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا الأسبوع الماضي.


تكاليف المعيشة تهدد ترمب سياسياً رغم توقعات «الفيدرالي» بتباطؤ التضخم

دونالد ترمب يتحدث خلال حفل تقديم ميدالية الدفاع على الحدود المكسيكية في المكتب البيضاوي يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)
دونالد ترمب يتحدث خلال حفل تقديم ميدالية الدفاع على الحدود المكسيكية في المكتب البيضاوي يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

تكاليف المعيشة تهدد ترمب سياسياً رغم توقعات «الفيدرالي» بتباطؤ التضخم

دونالد ترمب يتحدث خلال حفل تقديم ميدالية الدفاع على الحدود المكسيكية في المكتب البيضاوي يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)
دونالد ترمب يتحدث خلال حفل تقديم ميدالية الدفاع على الحدود المكسيكية في المكتب البيضاوي يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

حتى في حال تباطؤ التضخم خلال العام المقبل كما يتوقّع «الاحتياطي الفيدرالي»، سيواجه الرئيس دونالد ترمب رياحاً سياسية معاكسة، بسبب أزمة القدرة على تحمُّل تكاليف المعيشة. فمعدلات الرهن العقاري مرشحة للبقاء مرتفعة نسبياً، والزيادات السعرية المرتبطة بالرسوم الجمركية تبدو مستمرة في الجزء الأول من العام، إلى جانب ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية، مثل لحم البقر والكهرباء، وهي عناصر تترك أثراً كبيراً في نظرة المستهلكين.

انخفاض التضخم وتسارع النمو

وقد كشفت التوقعات الاقتصادية لـ«الاحتياطي الفيدرالي» الصادرة يوم الأربعاء الماضي عن مؤشرات إيجابية للإدارة الأميركية، مع توقع تراجع التضخم وتسارع النمو الاقتصادي خلال العام المقبل، وفق «رويترز».

وقال رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، إن «مسار التباطؤ التضخمي لا يزال مستمراً» في معظم قطاعات الخدمات التي تشكل غالبية النشاط الاقتصادي، بينما يُتوقع أن تتراجع أسعار السلع في النصف الثاني من عام 2026 مع اكتمال عملية توزيع تكاليف الرسوم الجمركية بين المستهلكين والمورِّدين وهوامش الربحية. ولكن في عام انتخابي مهم، يواجه ترمب والجمهوريون التحدي القديم ذاته: فالمستهلكون -أي الناخبون- يولون اهتماماً أقل للمؤشرات الاقتصادية الكلية التي يراقبها الاقتصاديون، ويركِّزون أكثر على الأسعار اليومية في متجر البقالة، وفواتير الكهرباء، وتكاليف التأمين على المنازل.

ورغم ذلك، يمكن لترمب الإشارة إلى أن التضخم العام ظل معتدلاً منذ توليه منصبه. فمؤشر أسعار المستهلكين ارتفع من يوم تنصيبه وحتى سبتمبر (أيلول) بنحو 1.6 في المائة، أي ما يعادل وتيرة سنوية تقارب 2.4 في المائة، وهي ليست بعيدة عن هدف التضخم البالغ 2 في المائة، رغم اختلاف المنهجية. كما ارتفعت أسعار الغذاء المنزلي بنسبة 1.4 في المائة فقط.

غير أن الأسعار لم تنخفض كما وعد ترمب خلال حملته الانتخابية وفي بدايات ولايته، ولا يزال المستهلكون يكابدون موجات متتالية من «صدمة الأسعار» التي استمرت لما يقارب 5 سنوات.

وقد شهدت بعض مكونات مؤشر أسعار المستهلكين قفزات حادة في الأشهر الأخيرة، ما قد يحوِّل أسعار اللحوم إلى ورقة سياسية بيد الديمقراطيين، تماماً كما كانت أسعار البيض ضد ترمب العام الماضي.

يتجول المتسوقون في متجر «هوم ديبو» لمستلزمات البناء (أرشيفية- رويترز)

ففي سبتمبر، ارتفع سعر اللحم المفروم بنسبة 14 في المائة مقارنة ببداية فترة ترمب؛ وارتفعت أسعار الكهرباء بأكثر من 4 في المائة -أي بنحو 6 في المائة على أساس سنوي- مع توقع كثير من المحللين استمرار الصعود؛ بينما كانت أقساط التأمين على المنازل ترتفع بوتيرة تقارب 10 في المائة سنوياً.

سوق الإسكان تحت الضغط

قدَّم باول في تصريحاته عدداً من الإشارات التحذيرية التي تؤكد أن الجدل حول القدرة على تحمُّل تكاليف المعيشة سيستمر.

وأشار باول إلى أن سوق الإسكان يبقى أحد أكثر أجزاء الاقتصاد ضغطاً؛ حيث لا يبدو أن خفض الفائدة مؤخراً سيمنح قطاع الإسكان انفراجة كبيرة. ورغم تأثير سعر الفائدة القياسي على معدلات الرهن طويلة الأجل وسندات الخزينة والأوراق المالية الأخرى، أوضح باول أن الأزمة الحقيقية تكمن في نقص مزمن في معروض المساكن.

وبعد أن اقتربت معدلات الرهن العقاري من 8 في المائة قبل أكثر من عامين تراجعت؛ لكنها استقرت حول 6.2 في المائة منذ سبتمبر، في ظل تسعير المستثمرين لثلاث تخفيضات متتالية للفائدة في سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر (كانون الأول). ومع توقف دورة الخفض حالياً، واستمرار الضغوط على معدلات الفائدة طويلة الأجل، قد تبقى هذه المعدلات مرتفعة خلال الفترة المقبلة.

وأفادت شركة «ريدفين» العقارية هذا الأسبوع بأن البائعين والمشترين يتراجعون معاً، رغم استمرار ارتفاع الأسعار، بينما يُرجَّح أن تظل معدلات الرهن «ثابتة إلى حد بعيد في المدى القريب».

ولا تزال معدلات الرهن أعلى بكثير من المستويات المنخفضة للغاية التي سادت لقرابة 15 عاماً عقب الأزمة المالية في 2007-2009، حين تبنى «الفيدرالي» سياسة خاصة لخفض تكاليف الاقتراض طويلة الأجل.

وظائف البناء والصناعة تواجه ركوداً

ومن دون ركود حاد أو اضطراب مالي كبير، من غير المحتمل عودة معدلات الرهن إلى ما دون 3 في المائة. ولا تزال تبعات انهيار سوق الإسكان إبان تلك الأزمة تنعكس في شكل سنوات من نقص البناء.

وقال باول: «لم نُشيد ما يكفي من المساكن منذ فترة طويلة... يمكننا رفع وخفض أسعار الفائدة، ولكن ليست لدينا الأدوات لمعالجة نقص هيكلي في المعروض السكني».

وتظل القدرة على شراء المنازل قضية محورية للأسر الشابة والعاملين الذين أجَّل كثير منهم شراء منازلهم وبالتالي زيادة ثرواتهم.

رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يعقد مؤتمراً صحافياً بعد خفض الفائدة في واشنطن يوم 10 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وتُظهر البيانات الأخيرة لمكتب الإحصاء -والمتأخرة بسبب إغلاق الحكومة — أنه في أغسطس (آب) كانت تصاريح البناء الجديدة أقل بنسبة 11 في المائة على أساس سنوي، بينما تراجع بدء البناء بنسبة 6 في المائة مقارنة بالعام السابق.

كما استقرت وظائف البناء التي بلغت ذروتها في منتصف 2022 خلال التعافي من الجائحة، عند نحو 8.3 مليون وظيفة منذ يناير (كانون الثاني).

وتراجعت كذلك الوظائف الصناعية التي تعهد ترمب بإحيائها؛ إذ فقد قطاع التصنيع نحو 50 ألف وظيفة بين يناير وسبتمبر، بينما خسر قطاع التعدين وقطع الأخشاب نحو 15 ألف وظيفة.

وعلى الجانب الإيجابي، ارتفعت الأجور بالساعة بوتيرة تفوق التضخم، كما تباطأ ارتفاع الإيجارات إلى مستويات أقرب للاتجاهات التاريخية السابقة للجائحة.

لكن هذه التطورات لم تُنعش معنويات الجمهور.

فبعد سنوات من الاستقرار أو التراجع بفعل العولمة، عادت أسعار السلع إلى الارتفاع بعد فرض الرسوم الجمركية، وحتى لو كان هذا الاتجاه مؤقتاً، فإنه فرض عبئاً مالياً على المستهلكين خلال موسم العطلات.

وانعكس هذا في استطلاعات الرأي. فقد أظهر أحدث استطلاع للأسر لدى بنك «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك انخفاض نسبة من يشعرون بأن أوضاعهم أفضل من العام الماضي، أو يتوقعون تحسن أوضاعهم في العام المقبل، مع وصول المستويين إلى ما كانا عليه خلال رئاسة جو بايدن.

كما تراجع مؤشر ثقة المستهلك في جامعة ميشيغان بعد ارتفاعه عقب انتخاب ترمب. ورغم ارتفاع طفيف في ديسمبر، قالت مديرة الاستطلاع، جوان هسو، إن «النبرة العامة للمشاعر لا تزال قاتمة؛ إذ يواصل المستهلكون الإشارة إلى عبء الأسعار المرتفعة».