مغرب 2018: مهرجانات وإصدارات وحصاد جوائز... ورحيل فنانين وأدباء

تكريم روبيرت دي نيرو في مهرجان مراكش
تكريم روبيرت دي نيرو في مهرجان مراكش
TT

مغرب 2018: مهرجانات وإصدارات وحصاد جوائز... ورحيل فنانين وأدباء

تكريم روبيرت دي نيرو في مهرجان مراكش
تكريم روبيرت دي نيرو في مهرجان مراكش

تواصلت في سنة 2018، ومن خلال المهرجانات واللقاءات الوطنية والدولية والتظاهرات الكبرى ذات التوجه الأدبي والفني التي نظمت بمختلف ربوع المملكة، حيوية المشهد الثقافي، وميزة التنوع الذي يسم الممارسة الأدبية والفنية في المغرب؛ فيما أعطت «جائزة المغرب للكتاب» صورة عن ثقافة الاعتراف بقيمة المنجز الأدبي المغربي. وبقدر ما نقلت التظاهرات الثقافية المنظمة على مدى شهور السنة، صورة عن حيوية ودينامية مغرب متنوع وغني بثقافته ومثقفيه، فقد أبت 2018 إلا أن تترك حزناً في النفوس، بعد رحيل عدد من الأسماء التي تميزت بمسارها الأدبي والفني.
- مهرجانات دولية
خلال 2018 نظمت بعدد من المدن المغربية مهرجانات ذات صيت عربي وعالمي. ففي أصيلة، نظم «موسم أصيلة الثقافي الدولي»، في دورته الـ40، التي تواصلت في ما بين 23 يونيو (حزيران) و20 يوليو (تموز)، وفية لروح وتوجه هذه التظاهرة المتميزة، سواء من حيث نوعية وتنوع برنامجها، وقيمة المشاركين فيها.
وتضمن برنامج هذه الدورة التي احتفت بأفريقيا ندوات ولقاءات ذات توجه سياسي وفكري وأدبي ضمن فعاليات الدورة الـ33 لجامعة المعتمد بن عباد، وتناولت موضوعات لها راهنيتها، من قبيل «الاندماج الأفريقي: أين العطب؟» و«ثم ماذا بعد العولمة؟» و«الفكر الديني الحاضن للإرهاب: المرجعية وسبل مواجهته»؛ فضلا عن مشغل للصباغة على الجداريات، ومشغل الفنون التشكيلية، ومشغل بيداغوجي لتدريب الأطفال على ممارسة الرسم، ومشغل كتابة الأطفال، ومعارض متنوعة، وباقة من العروض الغنائية والموسيقية الراقية، وعرض للأزياء التقليدية، في ظل حضور نوعي وجمهور وفيّ متعطش.
كما تضمن برنامج الدورة تسليم جائزة «تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي»، في دورتها الـ11، للشاعر السينغالي أمادو لامين صال؛ و«جائزة محمد زفزاف للرواية العربية»، في دورتها السابعة، للكاتب المغربي أحمد المديني؛ و«جائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب»، التي فاز بها، مناصفة، الشاعرة المغربية نسيمة الرواي والشاعر التونسي أحمد العربي. وفي مدينة مراكش، عادت عجلة المهرجان الدولي للفيلم للدوران، في دورته السابعة عشرة، التي نظمت في ما بين 30 نوفمبر (تشرين الثاني) و8 ديسمبر (كانون الأول)، وذلك بعد مرور سنة عرفت توقفاً أملته ضرورة التأمل وإعادة تحديد هوية هذه التظاهرة الفنية الكبرى. وأسفرت نتائج المسابقة الرسمية عن فوز الفيلم النمساوي «جُوي» لمخرجته سودابيه مرتضائي بالنجمة الذهبية (الجائزة الكبرى)، فيما ذهبت جائزة الجمهور لفيلم «منظفة الغرف» لمخرجته المكسيكية ليلا أفيليس، وفاز بجائزة الإخراج، الصربي أوغنين غلافونيتش عن فيلم «الحمولة»، وبجائزة أفضل دور رجالي الممثل التونسي نضال السعدي عن فيلم «في عينيا» لمخرجه التونسي نجيب بلقاضي، فيما فازت الممثلة آنيه شفارتز بجائزة أفضل دور نسائي عن فيلم «كل شيء على ما يرام» لمخرجته الألمانية إيفا تروبش.
واقترحت دورة هذه السنة قائمة أفلام ناهزت 80، من 29 بلداً، توزعت على عدة فقرات، شملت «المسابقة الرسمية» و«السهرات المسائية» و«العروض الخاصة» و«القارة 11» و«بانوراما السينما المغربية» و«الجمهور الناشئ» و«عروض جامع الفنا» و«عروض المكفوفين وضعاف البصر» و«التكريمات»، فضلاً عن فقرات أخرى، أبرزها «حديث مع...». و«ورشات الأطلس».
ومنحت مشاركة عدد من نجوم السينما العالمية والعربية التظاهرة المغربية إشعاعاً كبيراً، خصوصاً النجم الأميركي روبيرت دي نيرو والمخرج الأميركي مارتن سكورسيزي. وغير بعيد عن المدينة الحمراء، واصلت «مدينة الرياح»، الصويرة، احتضانها مهرجاناتها الثلاثة: «ربيع الموسيقى الكلاسيكية» و«كناوة وموسيقى العالم» و«أندلسيات أطلسية». وركز مهرجان «ربيع الموسيقى الكلاسيكية»، في دورته الثامنة عشرة، التي نظمت في ما بين 26 و29 أبريل (نيسان)، على الموسيقي الألماني يوهان برامز، مقترحاً 12 حفلاً، دارت حول أعمال المؤلفين الذين يحسبون على المرحلة الرومانسية، من شومان إلى مندلشون، ومن شوبير إلى بيتهوفن، دون نسيان دفورجاك، وبروكوفييف، وبيرنستاين.
من جهتها، تميزت فعاليات «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، في دورته الـ21، التي نظمت في ما بين 21 و23 يونيو (حزيران)، ببرمجة غنية ومتنوعة، توزعها الشق الموسيقي بمشاركة فنانين من المغرب والخارج، ومنتدى حقوق الإنسان، الذي نظم، في دورته السابعة، في موضوع «حتمية المساواة»، وتوزعته أربع قضايا رئيسية: «المساواة، والتمييز، والمناصفة: المفاهيم، والانعكاسات» و«تقدم لا ينكر، وضروب تمييز مستمرة» و«مجتمع في دينامية: مبادرات من أجل حقوق النساء» و«سبل الإصلاح»؛ ومائدة مستديرة في موضوع «الثقافة والإدماج الاجتماعي: ما هو إسهام ائتلاف المدن العربية لمكافحة العنصرية والتمييز وكره الأجانب والتعصب؟»، فضلاً عن فقرة «شجرة الكلمات» وورشات ومعرض فني في موضوع «مركز آلات أفريقيا». في حين كان موعد جمهور مهرجان «الأندلسيات الأطلسية»، في دورته الـ15، التي نظمت في ما بين 25 و28 أكتوبر (تشرين الأول)، مع لحظات للتفكير والنقاش، وفقرات فنية تشترك في الأداء الراقي، أداها فنانون مغاربة، مسلمون ويهود، تأكيداً على تنوع وتعايش ميزا تاريخ المغرب منذ غابر القرون. وفي مدينة فاس، واصل مهرجان الموسيقى العالمية العريقة مسيرته، رافعاً، في دورته الـ24 التي نظمت في ما بين 22 و30 يونيو (حزيران)، شعار «معارف الأسلاف»، مقترحا برمجة غنية ربطت بين موروث حرفي فريد تعد ركيزته الأساسية المعطى الروحي، وإبداع معاصر يفتح الباب أمام آفاق جد واعدة، من خلال برمجة موسيقية من أكثر من 20 دولة؛ فيما عرف المنتدى مشاركة باحثين وكتاب وفلاسفة، أبرزوا روح التسامح والتعايش من خلال الفنون والموسيقى، انطلاقاً من 3 محاور أطرت التدخلات؛ شملت «الجماليات والرموز» و«طريقة ونطاق الحياة الاجتماعية» و«فنون وإبداعات». وفي مدينة الرباط، واصل مهرجان «موازين... إيقاعات العالم»، في دورته الـ17 في ما بين 22 و30 يونيو (حزيران)، استقطاب أبرز نجوم الغناء في العالم، حيث تابع عشرات الآلاف حفلات فنانين مغاربة وعرب وغربيين.
- مسرح
نظمت فعاليات «المهرجان الوطني للمسرح»، في دورته الـ20، في ما بين 7 و14 ديسمبر (كانون الأول)، بمدن تطوان والمضيق والفنيدق ومرتيل. وأسفرت نتائج مسابقته عن فوز مسرحية «الخالفة» لفرقة «أنفاس» من الداخلة بالجائزة الوطنية الكبرى للمسرح، فيما فازت سارة حمليلي عن مسرحية «نجمة» لفرقة «لايت كوميدي» من المحمدية بـ«جائزة الأمل»، وبـ«جائزة الملابس» نورا إسماعيل عن مسرحية «بيلماون» لفرقة «في آج» من الرباط، وبـ«جائزة السينوغرافيا» رشيد الخطابي عن مسرحية «اتسوض عاوذ» لفرقة «تفسوين للمسرح الأمازيغي» من الحسيمة، وبـ«جائزة أحسن نص مسرحي» يحيى الفاندي عن مسرحية «نجمة» لفرقة «لايت كوميدي» من المحمدية، وبـ«جائزة أحسن تشخيص نسائي» هاجر الشركي عن مسرحية «لمبروك» لفرقة «ستيلكوم» من الرباط، وبـ«جائزة أحسن تشخيص رجالي» توفيق أزديو عن مسرحية «صباح ومسا» لفرقة «دوز تمسرح» من مراكش، وبـ«جائزة أحسن إخراج» أمين غوادة عن مسرحية «بيلماون» لفرقة «في آج» من الرباط. ورغبة في «تطوير العرض الثقافي الموجّه لمغاربة العالم»، أعدت وزارة الجالية المغربية بالخارج وشؤون الهجرة، بشراكة مع «المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية»، برنامجاً تضمن تقديم 51 عرضاً مسرحياً بالأمازيغية بعدد من بلدان الاستقبال، قدمتها 12 فرقة من مختلف جهات المملكة، مثلت مختلف أطياف اللغة الأمازيغية، فيما تميزت عروضها بتنوع أشكالها التعبيرية.
- معرض الدار البيضاء
احتضنت الدار البيضاء، في ما بين 9 و18 فبراير (شباط)، الدورة الـ24 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، التي استضافت مصر «ضيف شرف»، بمشاركة أكثر من 700 عارض مباشر وغير مباشر من المغرب والخارج. فيما ساهم في برنامجها الثقافي نحو 350 متدخّلاً من المغرب وخارجه.
وخصصت الدورة برنامجاً خاصاً لـ«ضيف الشرف»، وذلك للمكانة الاعتبارية التي احتلتها وتحتلها مصر ضمن الخريطة الحضارية والتاريخية الإنسانية، ولموقعها الثقافي الريادي الذي نَحَته كتابها ومبدعوها في ذاكرة الوجدان العربي.
وشهد البرنامج الثقافي للدورة لحظات أخرى قوية، من قبيل «أمسية الأركانة»، التي احتفت بالشاعر الطوارقي محمدين خواد الفائز بـ«جائزة الأركانة العالمية للشعر»، في دورتها الثانية عشرة، التي ينظمها «بيت الشعر في المغرب»، وحفل تسليم «جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة» التي ينظمها «المركز العربي للأدب الجغرافي»، وحفل تسليم «جائزة القراءة» التي تنظمها شبكة القراءة بالمغرب.
- فنون تشكيلية
واصلت المتاحف والأروقة اقتراح معارض فنية، أكدت الدينامية التي يشهدها المشهد التشكيلي المغربي. ومن بين عشرات المعارض المقترحة، يمكن التوقف؛ مثلاً، عند معارض «الشعيبية طلال، فاطمة حسن الفروج، راضية بنت الحسين: رحلة إلى منابع الفن»، و«المتوسط والفن الحديث»، و«أحمد الشرقاوي بين الحداثة والتجذر» وذلك في «متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر» بالرباط؛ أو المعرض الخاص بالأعمال التشكيلية للشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، والذي احتضنه «رواق ماتيس» بمراكش.
- وجدة عاصمة الثقافة العربية
شكلت فعاليات «وجدة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2018»، المنظمة في ما بين 13 أبريل (نيسان) 2018 و29 مارس (آذار) 2019، مناسبة لتسليط الضوء على هذه المدينة المغربية التي تقع شرق المملكة، والتي تكون طيلة سنة كاملة منصة للإشعاع الثقافي العربي، وفضاء للتفاعل المثمر بين الأشقاء في إطار تواصل حلقات العمل العربي المشترك.
- إصدارات
حافظ الكتاب المغربي على دينامية نشره وتداوله، سواء داخل البلاد وخارجها، من خلال منجز بقدر ما توزعته مختلف أجناس الكتابة؛ أظهر أن جديد النشر المغربي وجِدّتَهُ تتقاسمهما الأسماء المكرسة والصاعدة، على حد سواء. واستأنفت مجلة «الثقافة المغربية» صدورها، وهي التي شهدت، على امتداد أعدادها السبعة والثلاثين السابقة، تطورات مرافقة لتطور الحقل الثقافي المغربي، كما سجلت تراكمات مهمة على مستوى الإنتاج الفكري والإبداعي والنقدي، ومتابعات لأهم القضايا الثقافية المستجدة، سواء في المغرب وخارجه.
- جائزة المغرب للكتاب
شهدت دورة هذه السنة من «جائزة المغرب للكتاب» فوز 13 كاتباً في 8 أصناف. يتعلق الأمر بمحمد الناصري عن كتابه «رغبات مدينة» ضمن صنف العلوم الإنسانية؛ وأحمد شراك عن كتابه «سوسيولوجيا الربيع العربي» مناصفة مع محمد براو عن كتابه «مسؤولية الفاعلين في مجال التدبير العمومي أمام مجلس الحسابات» ضمن صنف العلوم الاجتماعية؛ وخالد بلقاسم عن كتابه «مرايا القراءة» مناصفة مع أحمد الشارفي عن كتابه «اللغة واللهجة» ضمن صنف الدراسات الأدبية واللغوية والفنية؛ وعزيز لمتاوي عن ترجمة كتاب «نظرية الأجناس الأدبية» لجان ماري شايفر مناصفة مع سناء الشعيري عن ترجمة رواية «العاشق الياباني» لإيزابيل ألليندي ضمن صنف الترجمة؛ وعبد المجيد سباطة عن روايته «ساعة الصفر» ضمن صنف السرد؛ وصلاح بوسريف عن ديوانه «رفات جلجامش» ضمن صنف الشعر؛ وعياد الحيان عن كتابه «سا أغيرا دار إيليس ن تافوكت» مناصفة مع فاضمة فراس عن كتابها «أسكويت ن تلكاوت» ضمن صنف الإبداع الأدبي الأمازيغي؛ وجمال بوطيب عن كتابه «حور تشرب الشاي مع القمر» مناصفة مع خديجة بوكا عن كتابها «صمتا! إننا نلعب» ضمن صنف الكتاب الموجة للطفل والشباب.
- محمود درويش في الرباط
تأكيداً لعمق العلاقة التي نسجها المغاربة مع محمود درويش، المبدع والإنسان، شكلت الذكرى العاشرة لرحيل شاعر «مديح الظل العالي» فرصة لاستحضار تجربة هذا الشاعر الفلسطيني الكبير، بمساهمة كتاب وتشكيليين، وذلك من خلال مظاهرة كبرى أطلقها «بيت الشعر في المغرب» تحت عنوان «محمود درويش في الرباط»، تضمنت، على الخصوص، ندوة كبرى ومعرضاً تشكيلياً، فضلاً عن صدور عدد خاص من مجلة «البيت» بمشاركة نخبة من الكتاب المغاربة والعرب، تصدرته صورة للشاعر الراحل وعبارة: «محمود درويش: أمشي كأني واحد غيري».
- رحيل كتاب ومثقفين
لم تمر سنة 2018 من دون أن تترك في نفوس مثقفي وأدباء وفناني المغرب، بشكل خاص، والجمهور المغربي، بشكل عام، حزناً على رحيل عدد من الأسماء التي كان لها حضورها في المنجز الأدبي والفني للبلد، بينهم الدكتور محمد بن شريفة؛ أحد أبرز أعلام الفكر في المغرب والعالم العربي في الأدب الأندلسي، والباحث والناقد المتميز محمد أنقار، والفنان التشكيلي حسن الكلاوي؛ أحد مؤسسي الفن التشكيلي بالمغرب، فضلاً عن الشاعر المغربي علي الصقلي الحسيني؛ الشهير بأنه واضع كلمات النشيد الوطني المغربي.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».