مساع أميركية لطمأنة الأسواق قبل عطلة نهاية العام

ترمب يدرك أنه غير قادر على عزل باول... ومنوتشين يلتقي «كبار البنوك»

صورة أرشيفية للخطاب الأول لرئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في حديقة البيت الأبيض قبل أكثر من عام (رويترز)
صورة أرشيفية للخطاب الأول لرئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في حديقة البيت الأبيض قبل أكثر من عام (رويترز)
TT

مساع أميركية لطمأنة الأسواق قبل عطلة نهاية العام

صورة أرشيفية للخطاب الأول لرئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في حديقة البيت الأبيض قبل أكثر من عام (رويترز)
صورة أرشيفية للخطاب الأول لرئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في حديقة البيت الأبيض قبل أكثر من عام (رويترز)

وسط ضبابية كبيرة تعتري الأسواق العالمية، نابعة من عدد واسع من المخاطر الجيوسياسية، تسعى الإدارة الأميركية إلى طمأنة الأسواق التي تعاني موجة تراجع كبرى، خصوصاً قبل إجازات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة.
وقبل بداية تداولات الأسبوع الحالي، تكاثفت الضغوط على الأسواق، خصوصا من الولايات المتحدة، مع «إغلاق الحكومة» وتسريبات عن بحث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. وكانت الأسواق العالمية قد عانت موجة تراجعات وخسائر كبرى على مدار الأسبوع الماضي بالفعل، مما يعني أن أي ضغوط جديدة قد تؤدي إلى انهيار واسع.
وفي محاولة لطمأنة الأسواق، أفاد مستشاران بالبيت الأبيض، مساء أول من أمس، بأن الرئيس الأميركي يتفهم الآن أنه يفتقر لسلطة عزل جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، جاءت تصريحات المستشارين ردا على تقارير تحدثت عن أن ترمب كان يستفسر عن عزل باول. وهي التقارير التي انتشرت وتوسع صداها السلبي مع عطلة نهاية الأسبوع.
وتأثرا بقوة هذه الشائعات، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية خلال تداولات الاثنين، حيث انخفض عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنحو 2.23 نقطة أساس إلى 2.769 في المائة، كما تراجع العائد على السندات لأجل عامين بنحو نقطة أساس إلى 2.632 في المائة، في حين انخفض العائد على السندات لأجل 30 عاماً نقطتي أساس إلى 3.007 في المائة.
وردد مايك مولفاني القائم المرتقب بمهام كبير موظفي البيت الأبيض، تصريحات أدلى بها وزير الخزانة ستيفن منوتشين، نافيا خلالها وجود نوايا لدى ترمب لإطاحة باول. ويعمل مجلس الاحتياطي الفيدرالي تقليديا بشكل مستقل عن الرئاسة، حيث يسعى للحفاظ على استقرار التضخم وتشغيل عجلة الاقتصاد بأقصى طاقتها.
وكان ترمب قد أبلغ سابقا مستشاريه أن «باول سيجعلني هوفر»، في إشارة إلى الرئيس الأميركي الأسبق هربرت هوفر الذي شهد عهده فترة الكساد العظيم. كما وجه ترمب مرارا انتقادات إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي لزيادته أسعار الفائدة، وهي انتقادات تضاعفت مطلع الأسبوع رغم نفيه أنه يقترح عزل باول.
وفي تغريدتين يوم السبت الماضي، قال منوتشين إنه تحدث مع ترمب، وإن الرئيس قال: «أختلف تماما مع سياسة مجلس الاحتياطي. أعتقد أن زيادة أسعار الفائدة وتقليص حزمة المجلس أمر مروع تماما في هذا التوقيت، خصوصا في ضوء مفاوضاتي التجارية الرئيسية الجارية... لكنني لم أقترح أبدا فصل رئيس المجلس جيروم باول أو حتى الاعتقاد أن لدي الحق في القيام بذلك».
وكان عدد من أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترمب قد حذروه من فكرة التحرك ضد باول دون «سبب مقبول».
يذكر أن ترمب دأب على الانتقاد العلني لسياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما يؤثر سلبا على أسواق المال.
وردا على سؤال بشأن ما إذا كان ترمب يعتقد أن يتمتع بسلطة لفصل باول، قال مولفاني في برنامج «هذا الأسبوع» على شبكة «إيه بي سي» إن الرئيس لا يعتقد أن في مقدوره القيام بذلك.
وقال السيناتور ريتشارد شيلبي، وهو جمهوري عن ولاية ألاباما ويرأس لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ، لصحيفة «بوليتيكو» الأميركية، إن ترمب يجب أن «يكون حريصا للغاية» عند تعامله مع باول. مضيفا أن «مجلس الاحتياطي الفيدرالي تأسس كي يكون مستقلا عن الرئاسة... ورغم اختلافي مع باول في بعض الأوقات، فإنني باللجنة المصرفية لمدة أطول من أي فترة شغلها معظم الأشخاص وأترأسها. أعتقد أن مجلس الاحتياطي يجب أن يظل مستقلا قدر المستطاع».
وبالتوازي مع ذلك، أعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين الأحد الماضي أنه أجرى مباحثات على انفراد مع رؤساء أكبر 6 مصارف أميركية، وأكدوا له وجود سيولة كافية لمواصلة العمليات بشكل طبيعي، رغم إغلاق مؤسسات الحكومة الأميركية وأسبوع مضطرب في «وول ستريت».
وقد أجرى منوتشين سلسلة اتصالات هاتفية مع رؤساء «بنك أوف أميركا» و«سيتي غروب» و«غولدمان ساكس» و«جيه بي مورغان تشيس» و«مورغان ستانلي» و«ويلز فارغو»، الذين أكدوا، بحسب البيان الصادر عن «الخزانة» الأميركية، «توافر السيولة النقدية لدى بنوكهم لتغطية طلبات الاقتراض وكل أنشطة السوق الأخرى»... كما ذكر الوزير أنهم أكدوا أن «الأسواق تعمل بشكل طبيعي». ومن النادر أن ينشر وزير الخزانة مضمون محادثاته مع كبار المصرفيين في البلاد.
وقالت «الخزانة» إن منوتشين كان من المقرر أن ينظم أمس الاثنين اتصالا هاتفيا مع مجموعة عمل حول الأسواق المالية، يترأسها شخصيا وتضم المسؤولين عن «الاحتياطي الفيدرالي» وسلطات البورصة ومسؤولين في أسواق المواد الأولية ومنظمين ماليين آخرين. وذكر البيان أنه سيتم بحث «تنسيق الجهود لضمان سير عمليات السوق بشكل طبيعي».
وقال منوتشين: «ما زلنا نشهد نموا اقتصاديا كبيرا في الولايات المتحدة مع نشاط متين للمستهلكين والمؤسسات»، في حين خفض البنك المركزي توقعاته للنمو لعامي 2018 و2019. وأوضح أن «الإغلاق الحكومي» لن يؤثر على المهام الرئيسية للوزارة التي سيكون لديها عدد الموظفين الكافي لإنجازها.


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه يوم الأربعاء المقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة في تقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ شعار شركة ديلويت المسؤولة عن البوابة الإلكترونية للولاية (وسائل إعلام محلية)

اختراق معلومات شخصية ومصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية أميركية

اخترقت مجموعة دولية من المجرمين المعلومات الشخصية والمصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية رود آيلاند الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)

تحسن نشاط الأعمال في منطقة اليورو

منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
TT

تحسن نشاط الأعمال في منطقة اليورو

منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)

شهد نشاط الأعمال في منطقة اليورو تحسناً ملحوظاً هذا الشهر، فقد عاد قطاع الخدمات المهيمن إلى النمو، مما ساهم في تعويض الانكماش المستمر في قطاع التصنيع.

وارتفع «مؤشر مديري المشتريات المركب الأولي» لمنطقة اليورو، الذي تُعِدّه «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 49.5 في ديسمبر (كانون الأول) الحالي من 48.3 في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رغم أنه بقي دون مستوى الـ50 الذي يفصل بين النمو والانكماش. وكان استطلاع أجرته «رويترز» قد توقع انخفاضاً إلى 48.2.

وقال سايروس دي لا روبيا، كبير خبراء الاقتصاد في بنك «هامبورغ التجاري»: «نهاية العام جاءت أكثر تفاؤلاً مما كان متوقعاً بشكل عام. عاد نشاط قطاع الخدمات إلى منطقة النمو، مع تسارع ملحوظ في التوسع، مشابه للتوسع الذي شهدناه في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين».

وارتفع مؤشر قطاع الخدمات إلى 51.4 من 49.5، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى استقرار الوضع عند مستويات نوفمبر الماضي. ومع ذلك، فقد أظهرت البيانات أن الشركات لا تتوقع تحسناً سريعاً في النشاط؛ إذ حافظت على استقرار أعداد الموظفين بشكل عام، فقد تراجع مؤشر التوظيف في قطاع الخدمات إلى 50.1 من 51.0.

في المقابل، استقر مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع، الذي ظل دون 50 منذ منتصف عام 2022، عند 45.2 في نوفمبر، وهو أقل بقليل من توقعات الاستطلاع البالغة 45.3. كما تراجع مؤشر الناتج، الذي يغذي «مؤشر مديري المشتريات المركب»، إلى 44.5 من 45.1.

وأضاف دي لا روبيا: «لا يزال الوضع في قطاع التصنيع متدهوراً، فقد انخفض الناتج بوتيرة أسرع في ديسمبر الحالي مقارنة بأي وقت سابق من هذا العام، كما تراجعت الطلبات الواردة أيضاً».

وفي إشارة إلى استمرار تدهور الوضع، تواصل تراجع الطلب على السلع المصنعة في منطقة اليورو، فقد انخفض مؤشر الطلبات الجديدة إلى 43.0 من 43.4.

ومع ذلك، أظهرت البيانات تحسناً في التفاؤل العام، حيث ارتفع «مؤشر التوقعات المستقبلية المركب» إلى أعلى مستوى له في 4 أشهر، مسجلاً 57.8 مقارنة بـ56.1 في الشهر السابق.

وفي فرنسا، انكمش قطاع الخدمات بشكل أكبر في ديسمبر، رغم تباطؤ وتيرة الانكماش، وفقاً لمسح تجاري أجرته «ستاندرد آند بورز غلوبال». وارتفع «مؤشر نشاط الأعمال لقطاع الخدمات» التابع لمؤسسة «إتش سي أو بي» إلى 48.2 في ديسمبر من 46.9 في نوفمبر الذي سبقه، متجاوزاً بذلك توقعات المحللين التي كانت تشير إلى 46.7.

كما شهد القطاع الخاص الفرنسي الأوسع تحسناً طفيفاً، حيث ارتفع «مؤشر الناتج المركب لقطاع إدارة المشتريات» إلى 46.7 من 45.9، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 45.9. ومع ذلك، تراجع نشاط التصنيع إلى أدنى مستوى له في 55 شهراً عند 39.6 مقارنة بـ41.1 في الشهر السابق.

وفي هذا السياق، قال طارق كمال شودري، الخبير الاقتصادي في بنك «هامبورغ التجاري»: «يظل قطاع الخدمات في حالة من الغموض، وباستثناء مدة قصيرة خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس، فقد واجه مقدمو الخدمات صعوبة في تحقيق زخم للنمو».

وأشار المشاركون في الاستطلاع إلى أن عدم الاستقرار السياسي، وضعف ظروف الطلب، كانا من أبرز التحديات التي ساهمت في انخفاض حاد بالتوظيف. وبيّن الاستطلاع أنه رغم التحسن الطفيف في ثقة الأعمال، فإن التوقعات لا تزال ضعيفة في ظل استمرار حالة عدم اليقين السياسي.

أما في ألمانيا، فقد تراجع التباطؤ الاقتصادي بشكل طفيف في ديسمبر، لكن نشاط الأعمال ظل في حالة انكماش للشهر السادس على التوالي. وارتفع «مؤشر مديري المشتريات الألماني المركب»، الذي أعدته «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 47.8 من 47.2 في نوفمبر، رغم أنه ظل في منطقة الانكماش. وكان المحللون الذين استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا قراءة تبلغ 47.8.

كما ارتفع مؤشر نشاط الأعمال لقطاع الخدمات في ألمانيا إلى 51 خلال ديسمبر من 49.3 في نوفمبر، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 49.4. وفي هذا السياق، قال دي لا روبيا: «يمثل هذا التحسن في قطاع الخدمات توازناً جيداً مع تراجع الناتج الصناعي السريع، مما يبعث بعض الأمل في أن الناتج المحلي الإجمالي قد لا يكون قد انكمش في الربع الأخير من العام».

وكانت ألمانيا قد تفادت الركود الفني في الربع الثالث، لكن الحكومة تتوقع انكماش الناتج بنسبة 0.2 في المائة عام 2024 عموماً، مما يجعلها متخلفة عن بقية الاقتصادات العالمية الكبرى. وعانى الاقتصاد الألماني من تأثيرات ازدياد المنافسة من الخارج وضعف الطلب وتباطؤ الصناعة. بالإضافة إلى ذلك، أدى الخلاف حول الموازنة إلى إسقاط الائتلاف الثلاثي في البلاد، مما ترك أكبر اقتصاد في أوروبا في حالة من الغموض السياسي حتى الانتخابات المبكرة في فبراير (شباط) المقبل.

وقال دي لا روبيا: «لم يقدم قطاع التصنيع أي مفاجآت إيجابية في العطلات. هذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى الأخبار السلبية المستمرة حول الشركات التي تخطط لإعادة الهيكلة».

كما تدهور مؤشر التصنيع قليلاً، حيث انخفض إلى 42.5 من 43 في الشهر السابق، وظل بعيداً عن مستوى النمو. وكان المحللون يتوقعون زيادة طفيفة إلى 43.3.