استغراب واسع لقرار ترمب... وإجماع على أن المعركة مع «داعش» مستمرّة

أكراد سوريون يتظاهرون في رأس العين قرب الحدود التركية لتأكيد استمرار معركتهم ضد «داعش» (أ. ف. ب)
أكراد سوريون يتظاهرون في رأس العين قرب الحدود التركية لتأكيد استمرار معركتهم ضد «داعش» (أ. ف. ب)
TT

استغراب واسع لقرار ترمب... وإجماع على أن المعركة مع «داعش» مستمرّة

أكراد سوريون يتظاهرون في رأس العين قرب الحدود التركية لتأكيد استمرار معركتهم ضد «داعش» (أ. ف. ب)
أكراد سوريون يتظاهرون في رأس العين قرب الحدود التركية لتأكيد استمرار معركتهم ضد «داعش» (أ. ف. ب)

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب سحب القوات الأميركية من كل الأراضي السورية قلقاً في الولايات المتحدة وردود فعل سلبية اليوم (الخميس) لدى حلفاء واشنطن الذين أكدوا استمرارهم في مواجهة تنظيم "داعش".
وينتشر حاليا حوالى ألفي جندي أميركي في شمال سوريا لا سيما من القوات الخاصة التي تشارك في القتال ضد تنظيم "داعش" وتدرب قوات سورية وكردية في المناطق المستعادة منه.
وفي أبرز ردود الفعل، اعتبرت وزارة الخارجية البريطانية أن تنظيم "داعش" لم يُهزم بعد في سوريا. وأكدت أن المملكة المتحدة ستبقى "منخرطة في التحالف الدولي وحملته لحرمان داعش من السيطرة على أراض وضمان هزيمته القاطعة".
إلا أن متحدّثاً باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أكد اليوم أن بريطانيا تجري محادثات مع إدارة ترمب منذ أيام بشأن قراره سحب القوات من سوريا.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوصف خلال لقائه السنوي بالإعلام في موسكو اليوم قرار ترمب بأنه "صائب". وأضاف: "بالنسبة إلى الانتصار على تنظيم داعش، بشكل عام أنا أتفق مع الرئيس الأميركي"، مضيفا: "سددنا ضربات قوية للتنظيم في سوريا". إلا أنه استدرك: "لم نر اي مؤشرات على سحب القوات الأميركية بعد، ولكنني أقر بأن ذلك ممكن".
وتخوّفت ألمانيا المشاركة في التحالف الدولي من تداعيات القرار الأميركي، وقال وزير الخارجية الالماني هايكو ماس: "لسنا الوحيدين في استغراب التغيير المفاجئ في سياسة الجانب الأميركي. لقد تراجع تنظيم داعش، لكن التهديد لم ينته بعد. هناك خطر من أن القرار قد يضر بالقتال ضد التنظيم ويهدد ما تم تحقيقه حتى الآن".
من جهته، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم أن إسرائيل ستصعّد معركتها ضد القوات المتحالفة مع إيران في سوريا بعد انسحاب القوات الأميركية. وقال: "سنواصل التحرك بنشاط قوي ضد مساعي إيران لترسيخ وجودها في سوريا". وأضاف: "لا نعتزم تقليص جهودنا بل سنكثفها، وأنا أعلم أننا نفعل ذلك بتأييد ودعم كاملين من الولايات المتحدة".
وقال وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، عضو الحكومة الأمنية المصغرة، في بيان: "داعش هُزم بالفعل في سوريا وهذا إلى حد بعيد بفضل الولايات المتحدة. لكن إيران تتحرك في الداخل وهي خطر على كل العالم الحر".

*استغراب أميركي
وداخل الولايات المتحدة، قال المبعوث الأميركي للتحالف الدولي لمكافحة "الارهاب" بريت ماكغورك: "حتى لو ان نهاية سيطرة داعش على الأراضي باتت في متناول اليد الآن، فإن الانتهاء من التنظيم سيستغرق وقتاً أطول بكثير" لأن "هناك خلايا سرية" و"لا أحد من السذاجة إلى درجة القول إنها ستختفي" بين ليلة وضحاها. وأضاف: "لا أحد يقول إن المهمة قد أنجزت. بالطبع تعلمنا دروسا كثيرة. لذا، نحن نعرف أنه لا يمكننا فقط حزم الأمتعة والرحيل بمجرد تحرير الأراضي".
ولطالما حذر وزير الدفاع جيم ماتيس من انسحاب متسرّع و"ترك فراغ في سوريا يمكن أن يستغله نظام بشار الأسد أو من يدعمه".
وفي المعسكر الجمهوري، أعرب العديد من الشيوخ والنوّاب عن أسفهم لقرار ترمب. وسارع السناتور ليندسي غراهام الى ابداء تحفظاته معتبرا ان "انسحاب هذه القوة الأميركية الصغيرة من سوريا سيكون خطأ فادحاً".
وقال السناتور المحافظ بن ساس في بيان لاذع إن جنرالات الرئيس ليس لديهم "أدنى فكرة من أين جاء هذا القرار". واعتبر زميله ماركو روبيو ان هذا القرار الذي اتخذ رغم تحذيرات العسكريين يشكل خطأ "سيظل يطارد الولايات المتحدة سنوات".

*قوات سوريا الديمقراطية
ومن داخل سوريا، حذرت قوات سورية الديمقراطية "قسد" من أن الانسحاب الأميركي "سيؤثر سلبا على مكافحة الإرهاب". وقالت في بيان: "في وقت نخوض فيه معارك شرسة ضد الإرهاب في آخر معاقله، وكذلك نكافح الخلايا النائمة والعناصر الإرهابية المتخفية في المناطق المحررة، والتي تسعى لإعادة تنظيم نفسها في المنطقة، فإن قرار البيت الأبيض القاضي بالانسحاب من شمال سورية وشرقها، سيؤثر سلباً على حملة مكافحة الإرهاب، وسيعطي الإرهاب وداعميه ومؤيديه زخماً سياسياً
وميدانياً وعسكرياً للانتعاش والقيام بحملة إرهابية معاكسة في المنطقة".
وأكدت "قسد"، التي تشكّل وحدات حماية الشعب الكردية أبرز مكوّن فيها، أن "معركة مكافحة الإرهاب لم تنتهِ بعد، ولم يتم بعد إلحاق الهزيمة النهائية به، بل هي في مرحلة حاسمة ومصيرية تتطلب تضافر الجهود من جانب الجميع ودعماً أكبر من التحالف الدولي للاستمرار فيها".
وشددت على أن "قرار الانسحاب سيؤدي بشكل مباشر إلى ضرب مساعي القضاء النهائي على التنظيم الإرهابي، وستكون له تداعيات خطيرة تؤثر على الاستقرار والسلم العالميين، كما أنه سيكون مخيبا لآمال شعوب المنطقة في الأمن والاستقرار".



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.