أكد مهدي الجلاصي، عضو مجلس إدارة «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين»، أن المشهد الإعلامي في بلاده يتسم بـ«قدر كبير من الحرية والتعددية والتنوع»، لكنه حذر في الوقت ذاته، من سيطرة الموضوعات والقضايا التي توصف بأنها مثيرة على اهتمامات الوسائل السمعية والبصرية ذات الجماهيرية الكبيرة في تونس، والتي يمتلكها رجال أعمال يشتغلون بالأحزاب والحركات السياسية. وأضاف في حواره مع «الشرق الأوسط»، في ذكرى ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2010 أنه لا توجد خطوط حمراء لحرية التعبير في بلده، التي تطل على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط وأن ذلك من أكبر المكاسب التي حققتها تلك الثورة، وأشاد بتنظيم تونس لمنتدى الصحافة العالمي الأول بمدينة الثقافة والذي استضاف نحو 500 من دول العالم. وإلى نص الحوار:
> كيف تقيّم وضع الصحافة التونسية في الفترة الحالية؟
- بصفة عامة، هناك تحسن كبير في وضع الصحافة في تونس، منذ قيام الثورة وحتى الآن، ونحن هنا نرى أن حرية الصحافة التي تعيشها تونس حالياً، أحد أهم المكتسبات التي حصلنا عليها من الثورة التونسية في نهاية عام 2010، (في 17 ديسمبر تحديداً) إذ تشهد البلد حالياً حرية تعبير غير مسبوقة، بجانب وجود تنوع لافت في وسائل وملكية واتجاهات وسائل الإعلام، وهذا المكسب في الحقيقة لا يتمتع به الصحافيون التونسيون وحدهم، بل ينعكس بصفة مباشرة على المواطنين الذين ناضلوا من أجل الحرية، فالحرية الآن للجميع، وهذا أمر رائع.
> لكنك تحدثت بنوع من المرارة، عما أسميته بـ«الفساد الإعلامي» في افتتاح المنتدى الإعلامي الأول بتونس في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في حضور رئيس الوزراء، فماذا كنت تقصد؟
- كنت أقصد تسليط الضوء على سيطرة بعض رجال الأعمال، الذين يعملون في أحزاب سياسية مختلفة منذ عام 2014 على المشهد الإعلامي التونسي، فكل منهم يخدم توجهاته وآيديولوجيته السياسية والاقتصادية وحسب، وبالتالي يوجد تجاذب كبير في المشهد، والمواطن التونسي هو الضحية، ففكر وتكوين المواطن السياسي يتفرق بين القبائل الإعلامية الكبرى بهذا الشكل.
> لكن التعددية والتنوع في حد ذاتهما أمر مفيد للتجربة الديمقراطية الناشئة في تونس؟
- التعددية والاختلاف أمر إيجابي بكل تأكيد، لكن ما أقصده هو سيطرة رجال أعمال عليهم علامات استفهام، وبعضهم من الفاسدين على وسائل الإعلام لخدمة مصالحهم وأفكارهم، دون النظر لأي اعتبارات تخص المواطن، ولا يهتمون بتقديم إعلام وصحافة مفيدة للمواطنين، فكل لوبي سياسي واقتصادي في تونس له وسائله التي تخدم على سياساته، فرئيس الوزراء له لوبي إعلامي، ورئيس الجمهورية له لوبي آخر، وكل حزب وحركة سياسية كبرى لها أذرع إعلامية خاصة بها، وهو أكثر ما يقلقنا حالياً.
> عبرت عن ذلك بمنتهى الوضوح أمام رئيس الوزراء في حدث إعلامي مهم تابعه الآلاف الشهر الماضي... هل خشيت من ردود فعل غاضبة من قيادات الدولة؟
- لا بالطبع، ربما كنا نخشى من قول ذلك قبل الثورة التونسية، لكن بعد نضال من أجل الحرية وتحقيق الثورة الكثير من أهدافها، فإن ما قلته كان أمراً عادياً جداً، خاصة أمام رئيس وزراء يريد إظهار نفسه على أنه يحترم حرية التعبير والرأي. وما وصلنا إليه حالياً في تونس من حرية تعبير أمر جيد، لكن ليس ما كنا نطمح إليه قبل الثورة.
> هل توجد خطوط حمراء للصحافيين التونسيين؟
- لا توجد أي خطوط حمراء للصحافيين حالياً، باستثناء بعض أمور الأمن القومي التي تخص مواقع الجيش مثل كل دول العالم، لكن الصحف التونسية تستطيع انتقاد رئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية بكل حرية، بما فيها الصحف ووسائل التلفزة العمومية المملوكة للدولة، لأن تعيين قياداتها ليس متروكاً لرئيس الجمهورية أو الحكومة، إذ يتضمن نوعاً من الاستقلالية، ويجري اختيار بعضهم عن طريق الانتخابات، بعد إلغاء وزارة الإعلام عقب نجاح الثورة، وحل مكانها هيئة مستقلة للاتصال السمعي والبصري.
> في رأيك، ماذا ينقص وسائل الإعلام التونسية حالياً لجذب الجمهور؟
- يوجد في تونس أكثر من 5 قنوات و5 إذاعات كبرى، بجانب صحف يومية ذائعة الصيت، كلها تابعة للقطاع الخاص، ومعظمها يبحث عن الإثارة فقط، ولا يراعي تقديم صحافة مفيدة للمواطنين بالمعنى الدقيق، لكن وسائل الإعلام والصحف العمومية تناولها للقضايا المثيرة والتي تجذب الشبان أقل من مثيلاتها الخاصة وتعمل على الحفاظ على هوية الدولة التونسية لكن درجة تأثيرها أقل من القطاع الخاص. وأعتقد أن ما ينقص الإعلام التونسي في الفترة الحالية هو التعبير بشكل حقيقي عن الرأي العام وقضايا المواطنين بدلاً من حملات توجيه الرأي العام، لأن هذا من شأنه تهديد التجربة الديمقراطية في تونس.
> هل هذا يعني أن هناك جبهة معينة في تونس تستطيع قيادة الرأي العام؟
- لا، فالإعلام الخاص ليس على قلب رجل واحد، لأن المؤسسات الإعلامية الكبرى ليست ذات توجه واحد، فقد كنا في أزمة خانقة قبل شهرين بعد تشكيل الحكومة الجديدة واعتذار بعض الوزراء عن تولي الحقب الوزارية، وكانت وسائل الإعلام المختلفة توجه الرأي العام كل حسب آيديولوجيته السياسية التي تتبع الملاك الذين يعملون في السياسة.
> ما عدد الصحافيين التونسيين حالياً؟
- يزيد عددهم عن 1700 صحافي، يمثلون تقريباً نحو 90 في المائة من الذين يعملون في وسائل الإعلام المرئي والسمعي والإلكتروني والمطبوع في تونس.
> في رأيك هل قصرت نقابة الصحافيين في قضية اختفاء زميلين تونسيين بليبيا؟
- بالطبع لا، بعد اختفائهم لم نقصر، وكنا نعقد اجتماعات دورية في رئاسة الجمهورية والحكومة، لكن الوضع في ليبيا فرض نفسه على الجميع، وأنا أتفهم رد فعل عائلتي الزميلين، وأحدهم كان صديقاً مقرباً مني، وكنا نتشارك النضال سوياً من أجل الحرية قبل الثورة، عندما كنت أعمل في إحدى صحف المعارضة، الأزمة أكبر منا كنقابة، فلن نستطيع تشكيل قوة أمنية ونذهب إلى ليبيا ونحررهما، فلا أحد حالياً يدري هل هما ما زالا على قيد الحياة هناك أم لا، فالوضع معقد في ليبيا جداً.
> تونس استضافت منتدى إعلامياً دولياً كبيراً شارك فيه نحو 500 صحافي الشهر الماضي، وهي أول دولة عربية يتم اختيارها لاستضافة المؤتمر العام للاتحاد الدولي للصحافيين العام المقبل، كيف تقيم ذلك؟
- تونس كانت أول بلد عربي وأفريقي يستضيف منتدى الصحافة الدولي الأول الذي تنظمه جمعية «صحافة ومواطنة» الفرنسية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وعدة منظمات إعلامية دولية كبرى، وفازت كذلك بتصويت الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للصحافيين في موسكو العام الماضي، وهو ما يؤكد أن تونس باختيارها لمسار الديمقراطية قادرة على استيعاب كل تلك الفعاليات الدولية المهمة.
> لكن ما كان ذلك ليتم دون تعاون إيجابي من السلطات العليا في تونس؟
- هذا حقيقي، بعد فوزنا بتنظيم مؤتمر الاتحاد الدولي للصحافيين، اجتمعنا بقيادات الدولة وقلنا لهم نحن نقابة غنية بالمواقف لكن فقيرة الموارد، ونضعكم أمام مسؤوليتكم السياسية والإعلامية، ونطلب منكم دعماً لإنجاح المؤتمر المقبل، ووافقت الرئاسة على دعمنا، وقدمت وزارة السياحة وشركة الطيران وهيئات الثقافة استعدادها الكامل لدعم المؤتمر.