«حزب الله» يستفيد من «استراحة» سورية ليضاعف تركيزه لبنانياً

فارس سعيد يعتبره نجح في شلّ المؤسسات الدستورية

TT

«حزب الله» يستفيد من «استراحة» سورية ليضاعف تركيزه لبنانياً

يسعى «حزب الله» حالياً، وبحسب مقربين منه ومعارضين له على السواء، إلى الاستفادة من الأوضاع الإقليمية الحالية، لاستثمار ما يعتبره «انتصاراً» حققه في سوريا، في الداخل اللبناني. وهو ما تجلى بوضوح، سواء من خلال تمسكه بتمثيل أحد حلفائه السنة في الحكومة الجديدة، ما يُعطل عملية التشكيل كلها، أو من خلال تدخله نهاية الأسبوع الماضي للتصدي لعملية توقيف حليفه الدرزي، رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب.
وبحسب مصادر مقربة من الحزب، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإنه يستفيد في الوقت الراهن من «استراحة» في سوريا، وتراجع حجم التحديات هناك، ليعطي اهتماماً أكبر للساحة الداخلية اللبنانية التي لم تكن في السنوات الماضية تتصدر سلم أولوياته، لانشغالاته الخارجية، لافتة إلى أنه يجد نفسه اليوم معنياً بتعزيز دوره وحضوره على كل المستويات.
وبينما يربط البعض بين توجهات «حزب الله» الجديدة وسعي دمشق لاستعادة نفوذها المفقود في لبنان، يعتبر النائب السابق والقيادي في «14 آذار» فارس سعيد، أن «(حزب الله)، هو الوريث للنفوذ السوري في لبنان، وهو رئيس دار أيتام سوريا، باعتبار أن النظام السوري أصلاً غير موجود، ومن يتكلم عن النفوذ السوري يتهرب من تحميل (حزب الله) المسؤولية».
ويرى سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الحزب يحاول في هذه اللحظة الإقليمية، وفي خضم الفراغ الوطني، أن يحقق مكاسب ذات طبيعة سياسية ودستورية، وقد نجح بذلك إلى حد بعيد، سواء من خلال فك عزلته الوطنية، بعد أن كان محصوراً في عام 2005 في ساحة رياض الصلح، أو من خلال تمكنه من تجميد العمل بالدستور، وشل عمل المؤسسات التي تحولت لتسجيل التفاهمات والقرارات التي تتخذ خارجها. ويضيف: «اليوم بات (حزب الله) جسماً عابراً للطوائف، فهناك سنة يؤيدونه تماماً، كقسم كبير من المسيحيين، إضافة لفريق درزي وازن، بعد وحدة دروز (8 آذار)، على خلفية ما حصل في الجاهلية».
ويشير سعيد إلى أن «(حزب الله) لا يخفي نيته الإطاحة بالدستور، وسعيه لتغيير قواعد اللعبة، ما دام الدستور ليس هناك من يدافع عنه، فالبعض انتهازي، والبعض الآخر يتحجج بالواقعية السياسية، فيما هناك فريق يقر بعدم قدرته، وبإصابته بالشلل». ويؤكد سعيد أن «الرأي العام الرافض لهذا الواقع يتنامى، وهو في مرحلة الصمود، فإما يتحول إلى معارضة قوية وفاعلة، قريباً، وإما يطبق (حزب الله) على لبنان والدستور».
ووفق الكاتب والمحلل السياسي، المتخصص في شؤون «حزب الله»، قاسم قصير، فإن الحزب يعتبر نفسه طرفاً منتصراً في المنطقة، وبالتالي هو معني بأن يترجم انتصاره هذا في الحياة السياسية اللبنانية، ما سيؤدي إلى رسم معادلات داخلية جديدة؛ لافتاً إلى أن ذلك يظهر جلياً من خلال دعمه لتمثيل النواب السنة الـ6 في الحكومة الجديدة، وإشاعته لجو جديد مفاده أن مرحلة 14 فبراير (شباط) 2005 وتداعياتها، ولت إلى غير رجعة.
ويعتبر قصير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «تماماً كما يسعى الحزب لاستثمار انتصاراته لبنانياً، فكذلك سوريا التي تعتبر أنها تجاوزت مرحلة خطيرة، وبالتالي تجد نفسها معنية بإعادة ترتيب دورها في المحيط، وبالتحديد في لبنان. وليس شرطاً أن يتم ذلك من خلال (حزب الله)». ويضيف: «يبدو أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط استشعر ذلك، فكان ما حصل في الجبل مؤخراً مؤشراً جاءت نتيجته عكسية؛ بحيث أدى لتدعيم الجبهة الدرزية المؤيدة لسوريا»، لافتاً إلى أن «أي تعاون مقبل بين وهاب ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، سيشكل رسالة واضحة لجنبلاط، مفادها أن سوريا نجحت في إعادة ترتيب وضعها في الداخل اللبناني، وأننا مقبلون على مرحلة جديدة».
وفيما بدا محاولة لإعطاء زخم للدور السوري في لبنان من جديد، زار أخيراً وفد من الأحزاب والشخصيات اللبنانية المؤيدة للنظام السوري، السفير علي عبد الكريم علي. وقد ترأس الوفد نائب رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» محمود قماطي، الذي أكد بعد اللقاء أن «محور المقاومة انتصر، وأن سوريا انتصرت»، مؤكداً عدم السماح بـ«تهديد العلاقات المميزة مع دمشق». في المقابل، حث السفير السوري على وجوب «استكمال ما حققناه من انتصارات في سوريا، وعدم تضييع البوصلة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».