إقحام «الدم» في التسوية السياسية اللبنانية

رامي الريس: استغلال فاقع لإعادة تعويم موقف سياسي

TT

إقحام «الدم» في التسوية السياسية اللبنانية

غلبت كلمة «الدم» على أحداث بلدة الجاهلية في الشوف اللبناني، بعد سقوط مرافق الوزير السابق وئام وهاب محمد أبو دياب قتيلاً خلال تنفيذ قوة أمنية مذكرة إحضار وهّاب إلى القضاء للتحقيق معه في مضمون دعوى مقدمة ضده.
وذكّرت مواقف وهاب وقوى «8 آذار» غداة هذه الأحداث، بما كان يجري من دورات عنف تؤدي إلى إرغام قوى «14 آذار»، قبل تشرذمها، على تسويات كان يفرضها «حزب الله» على هذه القوى، سواء مع موجة الاغتيالات التي شهدها لبنان منذ العام 2004. أو التفجيرات الأمنية التي رافقت تلك المرحلة أو أحداث السابع من مايو (أيار) 2008، ولا تنتهي اللائحة.
ومع التصعيد في مواقف «سنة 8 آذار» الستة المدعومين من حزب الله، ومع طرح وهاب نسف الاتفاق التي رعاه رئيس الجمهورية ميشال عون بين طلال أرسلان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لحل العقدة الدرزية، تطرح مسألة «استغلال الدم» في الحياة السياسية اللبنانية أسئلتها.
ويقول الوليد سكرية، وهو أحد نواب «سنة 8 آذار»، لـ«الشرق الأوسط»، بأن «أحداث الجاهلية لن تؤدي إلى تغيير المعادلات». ويضيف: «الحكومة عقدة ولن تتشكل، فلا الرئيس المكلف سعد الحريري سيرضى بنائب سني مع (حزب الله)، ولا النواب السنة الستة سيقبلون بالتراجع عن مطلبهم».
ويضيف: «استغلال الدم لم يؤد في لبنان إلى غالب ومغلوب، بل إلى تسويات تخرج البلد من النزاع المسلح بصيغة ترضي الأطراف السياسية، وذلك بسبب الامتداد الدولي والإقليمي لهذه الأطراف. حتى بعد أحداث 7 مايو 2008، جاءت تسوية الدوحة لتغلب مصلحة لبنان وتحول دون اندلاع فتنة تطيح بصيغته. وأتت برئيس للجمهورية من فريق «14 آذار» هو العماد ميشال سليمان».
ويقول النائب محمد الحجار من كتلة «المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»: «ربما يحاول البعض بالضغط الأمني والاقتصادي فرض ما يريد، لكن هذا الضغط لن يؤدي إلى كسر إرادة الحريري وإرغامه على توزير أحد من سنة 8 آذار. فالضغط الأمني لن يغير قرار الحريري المصر على الإسراع في تأليف الحكومة وفق شروط الدستور اللبناني وليس شروط حزب الله، أو غيره، وعدم المس بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف حفاظاُ على الدستور».
ويضيف الحجار: «صحيح أن الحريري عمد في السابق إلى ربط النزاع وتدوير الزوايا واتخاذ المواقف التي تنقذ البلد من الشلل والأزمات المتلاحقة، لكنه وصل إلى مكان حرج، لأن ما يجري يهدد الدستور والمؤسسات». ويرى الحجار أن «حزب الله يعلن صراحة أن توقيع رئيس الجمهورية وتوقيع رئيس الحكومة المكلف لا يكفيان لتشكيل الحكومة، ما لم تحظ هذه الحكومة بتوقيعه».
أما المسؤول الإعلامي في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: جرى استغلال فاقع للدم لإعادة تعويم موقف سياسي مختلف عن حرمة الموت ولملمة المآسي ومراعاة مشاعر أهل الفقيد، في حين كان يفترض لهذا الحادث المؤسف أن يؤدي إلى حماية الاستقرار وتلافي استفحال الخلافات، وليس تعويم الموقف السياسي وتسجيل النقاط، والاستطراد في الكلام غير المسؤول».
وعن مسارعة وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي إلى «حزب الله» غداة أحداث الجاهلية، قال الريس: «نحن نسعى دائماً إلى تنظيم الخلاف السياسي بيننا وبين الحزب، ونحن على تقاطع معه حول ضرورة حماية السلم الأهلي».
وعما يطرح من نسف لتسوية المسألة الدرزية في الحكومة المعقد تشكيلها، قال الريس: «لنرَ مواقف باقي الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة. ولا مصلحة لأحد في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، تكفي العقدة السنية، ونحن ندعو إلى حلها لنتفرغ من خلال حكومة جديدة إلى مواجهة المشاكل الاقتصادية».
ويعتبر سكرية أن «أحداث الجاهلية ليست هائلة لتسمح باستغلال الدم، ولا شخص وئام وهاب يغير المعادلات الموجودة، المسألة حاليا تدور حول اعتقال وهاب أو عدم اعتقاله. وتصعيده لا يرمي إلا إلى تقوية موقفه، كما أن النائب طلال أرسلان لن ينقلب على تسوية العقدة الدرزية التي أجراها مع رئيس الجمهورية، لأن ارتباطه به لا يمكن فكه، لا سيما أن كتلة أرسلان هي من نواب التيار الوطني الحر».
أما الوزير السابق سجعان قزي فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «النظام السوري وأدواته أدخلوا ثقافة الدم إلى الحياة السياسية اللبنانية، بالإضافة لقوى إقليمية أخرى لا نستطيع تسميتها بانتظار صدور حكم القضاء الدولي عن إراقة الدم التي ابتدأت منذ العام 2004 وتستمر إلى اليوم». ويوضح أن «لعبة القوة المبنية على السلاح لفرض القرار على المؤسسات الدستورية أخطر من لعبة الدم. ونلمس عدم احترام الدستور اللبناني والقرارات الدولية في موقف حزب الله من تشكيل الحكومة وأحداث الجاهلية وحفر الأنفاق في الجنوب اللبناني، ما أدى إلى سقوط منطق الدولة واستفحال الأزمة الاقتصادية».
عن افتعال أحداث أمنية لاحقاً، إذا لم يذعن الرئيس الحريري لشروط «حزب الله»، يقول الحجار: «كل شيء ممكن. تجاربنا السابقة تؤشر إلى أن حزب الله قادر على ذلك، لكن النهاية لن تكون في مصلحة الحزب».
ويرى قزي أن «لبنان مشرع على كل المخاطر، وما يحول دون انفجار الوضع هو عجز حزب الله على استيعاب انتصاره إذا حصل، كما أن الموقف الدولي ومعه روسيا يشكلون مظلة حماية للبنان، وأي هفوة غير محسوبة ترتكب قد تطيح بهذه المظلة».
ولم يستبعد الريس أن تؤدي الاضطرابات الأمنية إلى تسويات، ويقول: «هناك موازين قوى وتفاهمات تحكم الواقع السياسي اللبناني. لكن ما يقلق وما لا نملك جواباً له هو: هل وصلنا إلى مشارف نهاية حقبة اتفاق الطائف الذي أعقب الحرب اللبنانية عام 1989؟ فالتغيرات الكبيرة في الداخل والخارج تدفع إلى هذا السؤال. وما يهمنا في هذه المرحلة المحافظة على الاستقرار وحمايته والمصالحات التي طوت خلافات وإراقة دماء في تاريخ لبنان».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.