عدوى «السترات الصفراء» تصيب أوروبا بعد فرنساhttps://aawsat.com/home/article/1497206/%D8%B9%D8%AF%D9%88%D9%89-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%A1%C2%BB-%D8%AA%D8%B5%D9%8A%D8%A8-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7
مواجهات بين المتظاهرين في بروكسل وقوات الشرطة (أ.ب)
بروكسل:«الشرق الأوسط»
أمستردام:«الشرق الأوسط»
TT
بروكسل:«الشرق الأوسط»
أمستردام:«الشرق الأوسط»
TT
عدوى «السترات الصفراء» تصيب أوروبا بعد فرنسا
مواجهات بين المتظاهرين في بروكسل وقوات الشرطة (أ.ب)
بعد أن شهدت فرنسا موجة جديدة للمظاهرات من قبل محتجي حركة «السترات الصفراء» في شوارع باريس، أمس (السبت)، للأسبوع الرابع على التوالي، اعتراضاً على قرارات الحكومة الفرنسية في فرض زيادة الضريبة علي المحروقات، وعلى الرغم من تراجع الحكومة عن قرارها، إلا أن العاصمة الفرنسية تحوَّلت إلى ساحة من المواجهات العنيفة بين قوات شرطة مكافحة الشغب الفرنسية والمحتجين، حسب ما أعلنت وزارة الداخلية، اليوم (الأحد).
وانتقلت عدوى المظاهرات إلى بعض الدول الأوروبية، وتجمع نحو 100 متظاهر في مظاهرة سلمية خارج البرلمان الهولندي في لاهاي، أمس (السبت)، واحتجزت الشرطة اثنين من المتظاهرين على الأقل في وسط العاصمة أمستردام، وحمل المتظاهرون الورود البيضاء وهتفوا على أنغام الموسيقى في تعبيرا عن سلمية مظاهرتهم، على عكس ما شهادته فرنسا في الليلة الماضية من صدامات بين محتجي «السترات الصفراء»، وقوات الأمن الفرنسية.
وعلى الرغم من أن هولندا لا تشهد زيادة في أسعار المحروقات، فإن المتظاهرين عبَّروا عن استيائهم من أداء حكومتهم.
وكان جان ديغكراف، رئيس تحرير صحيفة هولندية محلية، قد دعا إلى احتجاجات سلمية في أمستردام وروتردام، وذلك حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وقال ديجكراف إن الناس يتطلعون إلى حقبة جديدة من التاريخ الهولندي أكثر عدلاً اجتماعياً.
وعلي الجانب الآخر، احتجزت الشرطة البلجيكية أكثر من 400 شخص، أمس (السبت)، بعد أن ألقى محتجو «السترات الصفراء»، الذين استلهموا تحركهم مما يجري في فرنسا، الحجارة والألعاب النارية وألحقوا أضرارا بمتاجر وسيارات أثناء محاولتهم الوصول إلى مبانٍ حكومية في بروكسل.
وفي ثاني أعمال عنف من نوعها في العاصمة خلال ثمانية أيام، استخدمت فرق مكافحة الشغب مدافع المياه والغاز المسيل للدموع لمنع حشد قدرته الشرطة بنحو ألف شخص من الوصول إلى مقر الاتحاد الأوروبي ومقر الحكومة البلجيكية الذي يقع على مقربة. وأعيد الهدوء بعد نحو خمس ساعات.
ومثلما حدث في فرنسا على مدى شهر، اشتكى المحتجون في بلجيكا أيضاًمن ارتفاع نفقات المعيشة وطالبوا باستقالة حكومة ائتلاف يمين الوسط قبل ستة أشهر من الانتخابات العامة المقررة في مايو (أيار).
وأغلق المحتجون في بلجيكا لفترة وجيزة أحد الطرق السريعة قرب حدود بلجيكا مع فرنسا.
وعلي الجانب الآخر وبعيداً عن دول أوروبا، دخلت تونس علي خط الأزمة الاحتجاجية، بعدما أعلن مجموعة من الشباب في تونس مساء السبت عن إطلاق حملة «السترات الحمراء» كحركة احتجاج سلمية للمطالبة بالتغيير، وذلك حسبما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية.
وأصدروا بيانا نشر أمس (السبت)، عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، للإعلان رسمياً عن إطلاق الحملة على طريقة «السترات الصفراء» في فرنسا، والشروع في تأسيس تنسيقيات محلية، وأعلنت الحملة في بيان لها عن «التزامها بالاحتجاج المدني السلمي في التعبير عن الرأي ورفض الواقع السائد».
2025... عام ملء الفراغات؟https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/5098475-2025-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%84%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A7%D8%AA%D8%9F
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.
يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟
بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.
دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.
بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».
حال العالم
في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.
في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.
وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.
يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟
إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.
شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.
التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ
مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.
تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.
في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟