2019... عام التغيير والإيجابية

عمران أميد شاب يقود حركة تضع الموضة في إطارها الثقافي والحضاري والإنساني الصحيح

ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
TT

2019... عام التغيير والإيجابية

ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر

2019 عام التغيير بلا منازع؛ حسب دراسات شركة «ماكنزي آند كو» وحسب صناع الموضة والفن وخبراء التكنولوجيا والصحة... عام ستتغير فيه مفاهيم واستراتيجيات عدة، بالفعل والتطبيق؛ وليس بالقول والشعارات كما كان عليه الأمر في السابق. أخيراً اقتنع صناع الموضة بأن النماذج القديمة لم تعد فعالة ولا مناسبة في عصر تشهد فيه التكنولوجيا ووسائل التواصل انتعاشاً جعلها سلاحاً حاداً في يد الجيل الصاعد. فوسائل التواصل الاجتماعي أعطت هذا الجيل صوتاً يعبر به عن طموحاته وأولوياته، كما منحت المصممين الشباب منبراً يغنيهم عن النموذج القديم لبناء شركاتهم. لم تعد الماركات العالمية والمجموعات الضخمة وحدها هي التي تتحكم في مصير الموضة وتحرك توجهاتها؛ بل العكس، يُفرض عليها حالياً أن تُنصت جيداً لنبض الشارع وما يجري فيه لكي تبقى مواكبة للعصر. هذا ما تمت مناقشته في الدورة الثالثة لمؤتمر «فويسز» Bof Voices الذي أقيم في منطقة أكسفوردشاير في الأسبوع الماضي. 3 أيام التقت فيها نخبة منتقاة من صناع الموضة والمؤثرين، من أمثال فرنشيسكا بيليتيني، رئيسة «سان لوران» التنفيذية، التي يعود لها الفضل في تحسين أداء الدار والرفع من مبيعاتها في عهد كل من هادي سليمان المصمم السابق وأنطوني فاكاريللو المصمم الحالي، ونجمة «بوليوود» سونام كابور، وجوي أجلوني، مؤسسة شركة «فيتشر» التي يوجد مقرها في دبي، وديفيد بيمسل رئيس «مجموعة الغارديان»، وجون رايدينغ رئيس مجموعة «فاينانشيال تايمز»، وإيان روجرز رئيس قسم الديجيتال في مجموعة «إل في آم آش»... وغيرهم ممن جلسوا مثل الطلبة في مدرج مبني باللوح والأخشاب في «سوهو هاوس» يستمع بعضهم لبعض.
كان الهدف من هذه الأيام مناقشة موضوعات مصيرية، مثل أهمية التعاون بين العلامات العالمية بدل المنافسة فيما بينها، وفهم التغيرات العالمية من وجهة نظر إنسانية واجتماعية، والبحث عن حلول لحماية البيئة، وحق العاملين في حياة كريمة، فضلا عن مستقبل الصحف الرصينة وما تقوم به لمواجهة عالم الديجيتال... وغيرها من الموضوعات الحساسة، التي شملت كل مناحي الحياة؛ من طريقة تصميم البنايات في آسيا التي تغيرت تشجيعا لروح الجماعة، إلى أهمية خلق توازن بين الشخصي والعام لراحة البال. والملاحظ أن كل النتائج صبت في نقطة واحدة؛ وهي أنه بيد الموضة أن تُغير العالم وتعطيه شكلا إيجابيا.
فبالإضافة إلى أنها، أي الموضة، صناعة تقدر بتريليونات الدولارات، فهي أيضا جزء لا يتجزأ من الثقافة اليومية... تحرك مشاعر قوية في الوجدان والمخيلة، الأمر الذي يجعلها أكثر ما يؤثر على الناس، أيا كانت جنسياتهم وأهواؤهم وأعمارهم. بيد أن الجديد واللافت في كثير من النقاشات أن حتى التكنولوجيا بات عليها أن تتحلى بالإنسانية، بمعنى أن تخدم الإنسان بدل استغلاله للترويج أو التسويق فقط، وهو ما أكده وجود كريستوفر وايلي في المؤتمر. لمن لا يعرفه، فهو الرجل الذي كشف تورط شركة «كامبريدج أناليتيكا» في استغلال بيانات 50 مليون مستخدم لـ«فيسبوك» لغايات سياسية في الانتخابات الأميركية عام 2016، وكيف لعبت هذه البيانات دوراً حاسماً في التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. قصة نشرتها صحيفة الـ«غارديان» حينها وانتشر صداها في كل أرجاء العالم ولا تزال تداعياتها حاضرة.
بالنسبة لعمران أميد، مؤسس موقع «بيزنيس أوف فاشون» ومؤتمر «فويسز»، لم تكن الموضة يوما مجرد ألوان وقصات ونقشات وإطلالات أنيقة، بل هي لغة يمكن استعمالها بذكاء للتأثير على الناس وتحقيق التغييرات اللازمة لزرع بذرة حياة كريمة للأجيال المقبلة... «عندما فكرت في هذا المؤتمر، كنت مصرا منذ البداية على ألا يكون عن الأزياء والإكسسوارات، بل عن علاقة الموضة بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكيف تتداخل كلها بعضها مع بعض. كنت أريد أن أخلق حوارا بين الناس عن تأثيراتها المباشرة على حياتنا». وأضاف بثقة: «صناع الموضة قادرون على تغيير المستقبل».
من يعرف أو سمع عن عمران أميد يعرف أنه ليس مجرد متحمس للموضة أو حالم بها؛ بالعكس، فهو أقوى رجل في عالم الموضة حاليا. لا يشك أحد في نظرته الثاقبة ورؤيته التي تستبق الأمور بسنوات. درس بجامعة ماغيل في كندا وتابع دراسته في إدارة الأعمال بجامعة هارفارد. بعد تخرجه عمل مع شركة الاستشارات الإدارية «ماكنزي» في لندن 4 سنوات قبل أن تغريه الموضة بدخولها بشكل فعلي. في عام 2007 أسس موقعه الشهير «بيزنيس أوف فاشون» على شكل مدونة. الآن يعد الموقع مرجعا لصناع الموضة، إلى حد القول إنه سحب السجاد من تحت مجلة «فوغ» التي كانت تقوم بهذه المهمة من قبل، بدليل أن المصممة أنيا هيندمارش صرحت في إحدى المقابلات مع مجلة «فوغ» بأن الموقع أول ما تتصفح في الصباح بمجرد أن تفتح عينيها و«حتى قبل أن أرى أطفالي»؛ حسب قولها.
منذ 3 سنوات، أتبع الموقع بمؤتمر سنوي، يترقبه الآن صناع الموضة بلهفة، لأنه يتيح لهم، وفي أجواء حميمية بعيدة عن التكلف أو إبرام الصفقات، مناقشة كثير من الموضوعات التي تساعدهم على فهم التطورات والتغيرات المقبلة. منذ البداية، أراده عمران ألا يكون للمصممين فحسب؛ بل بمثابة نادٍ خاص يفتح أبوابه للمؤثرين الفعليين في مجالاتهم؛ بحيث يمكنهم بشكل أو بآخر تغيير ثقافة المجتمع.
هذا العام، تشعر بأن المؤتمر كان بمثابة حركة ثورية ضد المتعارف عليه. فما كان متعارفا عليه ومعمولا به لسنوات لم يُعط نتائج تخدم الإنسان بقدر ما خلق ثقافة شعبوية وقتل روح الجماعة. لهذا أصبح لزاما تغيير الدفة. للتأكيد على صواب رأيه، لم يجد عمران أفضل من كريستوفر وايلي، الموظف السابق في «كامبريدج أناليتيكا»، ليقوم بمهمة افتتاح المؤتمر. كان خطابه رسالة سياسية لكنها تُسلط الضوء على أهمية الموضة والدور الذي لعبته في السياسة. فقد ركزت البيانات المستعملة على توجهات الناخبين وميولهم وتفضيلاتهم في هذا المجال لبناء نتائجها ثم استراتيجياتها. كانت الرسالة قوية ومثيرة للخوف لأنها تؤثر علينا بشكل مباشر، بحكم أن كل واحد منا يستعمل التكنولوجيا من جهة؛ والموضة جزء لا يتجزأ من ثقافتنا اليومية من جهة ثانية. لكن لم تكن كل الخطابات سياسية. كانت هناك قصص إنسانية مثل قصة أدوت أكيش، العارضة سودانية الأصل، التي أبصرت النور عندما كانت عائلتها في طريقها إلى ملجأ بالكاميرون، وأصبحت الآن واحدة من أهم العارضات الصاعدات. فقد حضرت إلى المؤتمر مباشرة بعد مشاركتها في عرض دار «فالنتينو» في طوكيو... إضافة إلى تجربة نجمة «بوليوود» سونام كابور والدور الذي تلعبه لتمكين المرأة والدفاع عن حقوق المهمشين.
كانت هناك أيضا قصص نجاح عدة؛ واحدة منها قصة هدى قطان، العراقية التي بنت إمبراطورية تقوم على الجمال، من الصفر. الآن تقدر بمليار دولار. حكت لنا عن هدى الطفلة والصبية التي كانت مختلفة عن قريناتها في المدرسة، وكيف كان همها الأول أن تقتل هذا الاختلاف وتخفيه حتى يتقبلها الآخر. بعد سنوات من الإحباط والتخبط، وصلت إلى قناعة بأن اختلافها جزء من جيناتها ولا يمكن أن تخفيه. «لو لم أتقبل اختلافي لما حققت نجاحي» حسب قولها. هذا الاختلاف هو ما باتت الموضة تتبناه وتُشجع عليه في السنوات الأخيرة، سواء تعلق الأمر بمثيلات أدوت أكيش بلونها الأسمر الغامق، أو المدونة والكاتبة الآيرلندية شينيد بورك، التي لا يتعدى طولها 105 سنتيمترات، ومع ذلك أصبحت نجمة في عالم الموضة.
وهذا أيضا ما أشار إليه كريستوفر وايلي عندما قال إن حركة التغيير يجب أن تشمل إلغاء الصورة التقليدية للجمال، التي تشبث بها صناع الموضة لعقود طويلة. فالجمال يأتي بأشكل مختلفة... «علينا أن ننشر الحب بدل الكراهية والتحييد، لأن هذا ما نحتاج إليه حاليا أكثر من أي وقت سابق. نحتاج إلى قوة دفاعية تحمي ثقافتنا ومبادئنا». وطبعا برأيه ليس هناك أحسن من صناع الموضة ليقوموا بهذا الدور... «نحن نعتمد عليكم لتحموا هذه الثقافة وليس فقط صُنعها، لأنه بيدكم أنتم إما أن تُسوقوا لنا (شانيل) أو أحذية الكروكس المصنوعة من البلاستيك».
لكن إذا كانت قصص كل من هدى قطان وأدوت أكيش وغيرهما مُلهمة، وخطابات مثل الذي ألقاه كريستوفر وايلي مهم في فتح عيوننا على تأثير الموضة على اللاشعور، فإن المصممة ستيلا ماكارتني قصة نجاح من نوع آخر، لأنها حققت ما لم يحققه أي مصمم من أبناء جيلها. ويمكن القول بكل ثقة إنها مناضلة من الطراز الأول. منذ سنوات وهي ترفع راية التغيير في عالم الموضة حتى قبل انتشار مفهوم الموضة المستدامة. الآن فقط بدأت تحصد نتائج ما زرعته. والمقصود هنا ليس فقط تكريم المؤتمر لها باختيارها شخصية العام وتسليمها جائزة مستحقة، بل نضالها منذ سنوات من أجل حماية البيئة وحقوق الحيوانات برفضها استعمال الجلود الطبيعية في كل منتجاتها، رغم أنها كانت تعرف أنها كانت تسبح ضد التيار. لم تأبه عندما نعتها البعض بالجنون وبأن خطوتها بمثابة انتحار، لأن الموضة حينها لم تكن تفصل بين الترف والجلود الطبيعة. الآن بات الكل يعدّها نموذجاً يجب الاحتذاء به. وكلما انكشف المستور، مثل استغلال اليد العاملة في دول العالم الثالث، وإتلاف الولايات المتحدة الأميركية أطنانا من المنتجات التي تقدر بأكثر من مليار دولار شهريا بدل إعادة تدويرها واستعمالها، أو انتشار أشرطة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر عنف البشر ضد الحيوان، اكتشف العالم صدق ما كانت تنادي به وأمثالها ممن يرفعون أصواتهم من أجل التغيير الإيجابي. لحسن الحظ أن المعادلة التي اتفق عليها الجميع خلال المؤتمر، سواء ضمنيا أو علانية، أنه مثلما صنعت الموضة فرنكشتاين، فإنه بإمكانها أن تتخلص منه أو على الأقل تٌقلم أظافره وتقلص من سلبياته. الشرط أن تتكاثف وتتكاتف كل الجهود لتحقيق ذلك.
ما يعطي الأمل أيضا أن الجيل الصاعد الذي يعول عليه صناع الترف وغيرهم، يؤمن بالموضة الإيجابية، ويطلبها. وهذا يعني أنهم لا يستطيعون تجاهله إن أرادوا ضمان ولائه ومن ثم استمراريتهم. هذا الجيل لم يعد يكتفي أو يثق بالشعارات الطنانة، بل يريد الشفافية في التعامل معه. لم يعد يتطلع إلى الاسم واللون والتصميم، بل يريد أن يسمع قصة إيجابية وأن يغوص في مصدر الخامات ومن صنعها وكيف تم إنتاجها. فكما أن الموضة تؤثر على المستهلك، فقد تم الاكتشاف، في كثير من النقاشات، أن المستهلك أيضا يؤثر على الموضة. قوته تكمن في لغة التكنولوجيا التي يتقنها ويستعملها جيدا وفهمه للموضة ورغبته في حياة أفضل الآن وغدا. وربما هذا ما تطرق إليه مصمم «لانفان» السابق ألبير إلباز من دون قصد... ألقى خطابا ألهب الجميع لأنه كان تذكيرا بالجمال والشاعرية التي تميزت بها الموضة عموما وتصاميمه خصوصا قبل أن يضطر لمغادرة الدار التي ساهم في نجاحها. كان بالنسبة لها الأمير الذي أيقظها من سباتها العميق قبل أن تدور السنوات وتتمرد عليه لأسباب تجارية. في خطابه، ذكرنا بأن الحب مهم؛ لكن الاحترام أهم، لأنه «من دون احترام لا يكون هناك حب». رغم الرسائل القصيرة المفعمة بالحب والجمال التي ألقاها بشكل مسرحي وهو يرمي كل صفحة على الأرض، فإن نبرته كانت تشي بحزن عميق على ما آلت إليه حال الموضة... كيف أصبحت تجري وراء الربح ويتسابق بعضها مع بعض من أجل الظفر بزبائن شباب، أحيانا على حساب الإبداع والحس الإنساني. تقرأ بين السطور أيضا كم تغيرت الموضة كما يعرفها، وكم يحن للعودة إلى الجذور بالاهتمام بالإبداع وليس بالتسويق. وهذا تحديدا ما تتفق عليه الأجيال الصاعدة وصناع الموضة ممن حضروا المؤتمر. 2019 عام مفعم بالأمل وواعد بالعمل على زرع بذرته.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
TT

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.

وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.

احتلت «لورو بيانا» كل واجهات محلات «هارودز» بمناسبة الأعياد والاحتفالات (لورو بيانا)

هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.

ورشة العجائب

تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.

الجنود المجهولون أو الحرفيون أخذوا نصيبهم من الاحتفال باستعراض مهاراتهم أمام الضيوف (لورو بيانا)

تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،

وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.

الواجهة والنوافذ

الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .

... وطبعاً لا تكتمل الإطلالات من دون حقائب تعكس اهتمام الدار بالتفاصيل (لورو بيانا)

صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.

نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.

منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.

قطع حصرية لـ«هارودز»

احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.

لم تستسهل «لورو بيانا» عملية تزيين 36 نافذة وكانت النتيجة مرآة لتاريخها وإرثها (لورو بيانا)

الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.

من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.

متجران مؤقتان

سيجد زائر «هارودز» كل ما يطمح إليه من أزياء أو إكسسوارات مصنوعة من أجود أنواع الألياف (لورو بيانا)

بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.

استلهمت الدار الإيطالية كثيراً من التصاميم من الأجواء البريطانية العريقة... من الأشكال والقطع إلى الألوان (لورو بيانا)

أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.

تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.