البابا تواضروس: لقاءات محمد بن سلمان مفيدة للأمة... وزيارتي للرياض قريباً

قال إنه يتذكر بإعجاب رسالة بعث بها إليه نيل آرمسترونغ بعد عودته من القمر

البابا تواضروس (غيتي)
البابا تواضروس (غيتي)
TT

البابا تواضروس: لقاءات محمد بن سلمان مفيدة للأمة... وزيارتي للرياض قريباً

البابا تواضروس (غيتي)
البابا تواضروس (غيتي)

في عام 1969 لفت خبر هبوط الإنسان لأول مرة على سطح القمر، شابا مصرياً كان يبلغ من العمر 16 عاما، ويدعى وجيه صبحي باقي سليمان. فكتب وجيه رسالة إلى رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ وطلب منه توقيعه.
بالطبع، لم يتوقع الشاب المصري أبدا أن يلبي أرمسترونغ طلبه، ومع ذلك كان لديه أمل في أن يرد عليه رائد الفضاء الأميركي الراحل. بعد بضعة أسابيع، وصل ظرف يحتوي على صورة الهبوط على سطح القمر، ملوّنة وموقّعة. بالنسبة لمراهق في منطقة نائية في بلدٍ نامٍ مثل مصر، ما حصل كان معجزة.
اليوم، ينتشر كثير من الشيب في شعر وجيه وهو يتحدث كثيرا عن «معجزات» لكنها من نوع آخر. نادرا ما يشار إليه الآن باسم ميلاده، فهو الآن بالنسبة لما يزيد على 100 مليون مصري وإلى العالم أجمع، بات يعرف بـ«قداسة البابا تواضروس الثاني»، البابا الثامن عشر بعد المائة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الإسكندرية.
وفي مقره الكائن في كاتدرائية القديس مرقس القبطية الأرثوذكسية في منطقة العباسية في القاهرة، جرت هذه المقابلة لصحيفة «عرب نيوز» (تنشرها «الشرق الأوسط» بالتزامن).
يقول الأنبا تواضرس، إنه لا يزال مغرما بتلك التجربة، بعدما يقارب الخمسين عاما على تلقيه تلك الرسالة، من أرمسترونغ، رغم أسفه الشديد، على ضياع الصورة منه. وبصوت ضعيف وابتسامة لطيفة، يتذكر، كيف حصل على عنوان، رائد الفضاء الراحل، من برنامج إذاعي كان يشجع أصدقاء المراسلة على الكتابة إليه عبر راديو (صوت أميركا).
«بعثت له برسالة أخبرته فيها بأنني أتمنى أن أرى صورة ملوّنة له على القمر، لأن الصحف كانت تنشر صوره بالأبيض والأسود... لقد فوجئت عندما تلقيت ظرفًا (بعد أسابيع)... صورة ملونة جميلة له على القمر مع توقيعه عليها».
ويتذكر قائلا: «كان يشدني اسمه (نيل) (مثل نهر النيل). في الغرب، اعتادوا على تسمية نيل. ولكن هنا في مصر، لا أحد يسمي ابنه (نيل، على الرغم من أنه اسم جميل»، مفترضاً أن الراحل أرمسترونغ سمي على اسم النهر المصري الشهير.
تواضروس اليوم، الزعيم الروحي لنحو 15 مليون قبطي في مصر، بالإضافة إلى مليونين آخرين في الخارج. (وفقًا لسجل الكنيسة، مع التنويه بعدم وجود رقم رسمي من الدولة). يعتنق الأقباط المسيحية التي بشرهم بها القديس مرقس في القرن الأول الميلادي. ومثل معظم المسيحيين - والأقليات - في المنطقة، عاش الأقباط فترات مختلفة من الاضطهاد.
تولى تواضروس الثاني منصب البابا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012. وقد جاء اختياره، الذي يستغرق حسب الطقوس القبطية أشهرا ويعتمد في النهاية على الصدفة، في وقتٍ عسيرٍ للأقباط المصريين والبلد بشكل عام. فجاء اختياره في نوفمبر 2012 بعد فترة وجيزة من انهيار نظام مبارك وبالتزامن مع فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين التي لم تدم طويلاً ومع ظهور «داعش».
ومع ذلك، لم تقتصر المعاناة في السنوات القليلة الماضية على الأقباط وحسب، بل شملت أيضا المسيحيين في جميع أنحاء المنطقة بشكلٍ عامٍ. في الواقع، لقد كان الوضع ينذر بالخطر لدرجة أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دعا خلال مؤتمر حوارات البحر الأبيض المتوسط الأخير في روما، إلى بذل جهد لحماية المسيحيين في الشرق الأوسط. يتفق البابا تواضروس على أن الوضع ينذر بالخطر، ويحذر من أن «إفراغ الشرق الأوسط من المسيحيين يشكل خطرا كبيرا على الاستقرار والسلام».
ويقول البابا تواضروس إن «المسيحية متجذرة في الشرق الأوسط»، مضيفاً أنه «عندما تم تأسيس بلداننا، كان المسيحيون والمسلمون هناك، وكذلك اليهود في التاريخ القديم». ويصف ما حدث في سوريا والعراق (مع ظهور «داعش») بأنه «مؤلم للغاية»، ويعترف بأن المسيحيين (الذين اضطروا إلى الفرار وطلب اللجوء في الخارج) كانوا الأكثر تضرراً في هذين البلدين.
لكن مخاوف البابا تواضروس تتجاوز وضع المسيحيين، فهو يعتبر أن «إضعاف الدول العربية» يعني «إضعاف العرب كلهم... المسيحيين والمسلمين على حد سواء».
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بموطنه مصر، يبدو البابا تواضروس أكثر تفاؤلاً بقليل. «إذا قرأت التاريخ، فستجد أن اللبنانيين بدأوا يهاجرون منذ ثلاثة قرون. ومع ذلك، فإن المسيحيين في مصر بدأوا بالهجرة منذ خمسين سنة فقط، وكان ذلك بسبب الظروف التي كانت قائمة في ذلك الوقت... وعندما حكم الإخوان المسلمون مصر (2012 - 2013)، خشي المسيحيون على حياتهم وهربوا من البلد. وعندما استعاد البلد استقراره، عاد كثير منهم إلى مصر. وقد انخفضت معدلات الهجرة المسيحية بشكل ملحوظ».
مع ذلك، وعلى الرغم من تطمينات البابا، يشعر كثير من الأقباط بالقلق على نحو متزايد. ما يغذي هذا الإحساس هو تزايد الهجمات التي استهدفتهم واستهدفت أماكن عبادتهم. في الواقع، تم تسليط الضوء على مصر، على وجه التحديد، كدولة مثيرة للقلق في تقرير صدر في وقت سابق من هذا العام من قبل مؤسسة «الأبواب المفتوحة» الخيرية ومقرها بريطانيا، وهي مكرّسة لخدمة المسيحيين المضطهدين في جميع أنحاء العالم.
ويعترف البابا تواضروس بأن هذه الهجمات مؤلمة، لكنه يؤكد أنه يجب أن ندرك أن هدفهم ليس الأقباط أنفسهم أو كنائسهم، بل «الوحدة المصرية».
«لكي نكون منصفين، استهدفت هذه الهجمات أيضا القوات المسلحة والشرطة وإخواننا وأخواتنا في المساجد. قبل عام، كان أحد المساجد في منطقة العريش (في شمال سيناء) هدفاً لهجوم إرهابي حيث مات كثير من المصريين».
ومع ذلك، شهد الأقباط هجوما ذا طبيعة غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة. ففي وقت سابق من هذا العام، تم العثور على أسقف ميت وقد سحقت جمجمته في صومعته في دير الأنبا مكاريوس (شمال غربي القاهرة). كان المهاجمون المتهمون من تلاميذه، وهم ينتظرون محاكمتهم حالياً ويبدو أن الجريمة موجهة ضدّ خط الإصلاح والانفتاح الذي ينتهجه البابا تواضروس.
ينفي الباب تواضروس وجود انشقاق داخل الكنيسة، ويقول إنها كانت قضية حدثت لمرة واحدة، مضيفاً أن الحياة تمضي كالمعتاد في جميع الأديرة... «هذا قد يحدث في كل زمان ومكان. فحتى بين تلاميذ المسيح، كان هناك تلميذ يدعى يهوذا باع روحه إلى الشر. وتحقق السلطات الآن في هذه الجريمة ونحن في انتظار النتائج».

- الشؤون الإقليمية
في البداية، يقاوم البابا تواضروس محاولات جعله يكشف عن آرائه السياسية... «يجب ألا يتدخل الدين في السياسة»... ومع ذلك، قلنا له في محاولة لإقناعه بأننا نعيش في الشرق الأوسط وحتى لو لم يكن الدين يريد التدخل في السياسة، فإن السياسة ستتداخل مع الدين. عند ذلك رد وهو يتنهد «إن سبب الأزمات في العالم هو هذا التدخل».
قبل عام، ألغى اجتماعا مع نائب الرئيس الأميركي مايك بينس احتجاجا على قرار واشنطن نقل سفارتها إلى القدس. وفي بيان لها، قالت الكنيسة إن القرار (أي نقل السفارة) لم يأخذ بعين الاعتبار مشاعر ملايين العرب.
يرى البابا تواضروس أن فلسطين «دولة محتلة». وقال إنه يأمل في أن تسود «روح التفاهم بين الطرفين (الإسرائيليين والفلسطينيين) للوصول إلى حل نهائي وأن تكون القدس عاصمة لكلتا الدولتين وأن يسود السلام في المنطقة».
وتتجه الأنظار الآن إلى الزيارة المرتقبة التي تعهد بابا الأقباط القيام بها إلى السعودية.
ففي وقت سابق من هذا العام، تلقى البابا تواضروس دعوة لزيارة المملكة بعد اجتماع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال زيارة رسمية له إلى مصر.
«كانت زيارة جيدة ومفاجئة... وجدنا فيه شخصا منفتح الذهن لديه رؤية حديثة للحياة، وهذا يسعدنا كثيرا. أنا شخصيا أتابع كل التطورات الإيجابية التي حدثت بتوجيهات من الملك سلمان وولي عهده وجميع المسؤولين السعوديين، خاصة أن السعودية هي الركيزة الأساسية للعالم العربي والإسلامي وعلى المستوى الدولي أيضا».
يقول البابا تواضروس إن ولي العهد عقد لقاءات معه ومع رئيس أساقفة كانتربري ومع عدد من الشخصيات الدينية الأخرى داخل المملكة وخارجها... «إن الاجتماعات التي يعقدها ولي العهد والمسؤولون السعوديون على جميع المستويات، سواء كانت دينية أو سياسية أو ثقافية، مفيدة جداً للأمة والمملكة وتساهم في التنمية البشرية. ونحن نحيي ونقدر هذه الجهود التي تحمل كثيرا من الأمل لأشقائنا في السعودية».
أما عن زيارته المرتقبة إلى المملكة.... فإن البابا تواضروس الثاني يؤكد أنها ستتم... ولكن ليس لديه وقت محدد. «ستتم عندما يشاء الله».



هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
TT

هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

أكد مصدر مصري مُطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «القوات المصرية في سيناء موجودة من أجل حفظ الأمن القومي المصري، وهو أمر لا تقبل فيه القاهرة مساومة أو إغراء»، مشدداً على أنه «لم يتم سحب جندي واحد من هناك هذه الفترة تحت أي ضغوط كما يتردد».

وأوضح المصدر: «هذا الأمر يرتبط بتقدير الموقف الخاص بالأجهزة الأمنية المصرية وما تراه فيما يخص أمن البلاد وحدودها مع منطقة تشهد حرباً ضروساً منذ عامين، ومحاولات من جانب إسرائيل لدفع هذه الحرب نحو الأراضي المصرية، ولا يرتبط الأمر أو يخضع لأي قضايا أخرى أو صفقات، وإلا كانت مصر قبلت بإغراءات أكبر في مسألة التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية».

وأضاف: «التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تقليص القوات في سيناء هي ذاتها التي تشكو وتحذر يومياً من زيادة الوجود العسكري المصري هناك»، ونوه بأن «هناك بنوداً مستحدثة بين البلدين على اتفاقية السلام تسمح لمصر بهذا الوجود حفظاً لأمنها وقت الحاجة».

كانت منصة «bhol» الإسرائيلية نشرت أن وزير الطاقة إيلي كوهين أشار إلى وجود رابط مباشر بين صفقة الغاز الكبرى مع مصر، وإعادة تمركز القوات المصرية في سيناء، ونقلت المنصة أن «إذاعة الجيش الإسرائيلي» سألت عن سبب عدم تضمين الصفقة بنداً صريحاً ينظم تحركات الجيش المصري في سيناء، فرد كوهين قائلاً: «إذا قرأتم التقارير التي نُشرت الأسبوع الماضي عن انسحاب قوات مصرية من شبه جزيرة سيناء، فاعلموا أن هذا التصرف لم يأت من فراغ».

التقارير الإسرائيلية نقلت عن كوهين قوله إن أحد أسباب تأجيل الصفقة لأربعة أشهر كان مرتبطاً بما وصفه بـ«مسألة السلام مع مصر»، وهو تعبير يُفهم منه القلق الإسرائيلي إزاء الالتزام المصري بأحكام اتفاق كامب ديفيد بشأن الوجود العسكري في سيناء.

هذه الأنباء تلقفها مدونون معارضون للحكومة المصرية وأخذوا يرددونها مع تأكيدات على تقليص القوات المصرية في سيناء بضغوط من إسرائيل، فيما رد عليهم مدونون محسوبون على السلطات بمصر بأن كل الدلائل تشير إلى خطة لزيادة تمترس القوات في سيناء.

السيسي يلتقي نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017 (رويترز)

كان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان رد على تلك الأحاديث، عبر تصريحات إعلامية، مؤكداً بشكل قاطع أنه «لم يتم تقليص عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء، وأن صفقة الغاز تجارية بحتة وليس لها أي بعد سياسي، وتمت بين شركات وليس بين الحكومات»، مشيراً إلى أنه «في الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن الصفقة فإن مصر لم يصدر عنها أي تصريح بخصوص الصفقة مما يشير إلى أن الأمر ليس ضاغطاً على القاهرة بأي شكل من الأشكال، وكل ما يتردد من الجانب الإسرائيلي متناقض ومحاولة لإيجاد نصر زائف أمام الرأي العام هناك».

كان موقع «أكسيوس» الإخباري أفاد في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الضغط على مصر لتقليص «الحشد العسكري الحالي» في سيناء، وفقاً لما ذكره مسؤول أميركي ومسؤولان إسرائيليان، حسب الموقع.

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين زعمهما أن مصر «تُنشئ بنية تحتية عسكرية -بعضها يمكن استخدامه لأغراض هجومية- في مناطق لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب المعاهدة»، في إشارة إلى معاهدة السلام الموقعة بين البلدَيْن عام 1979.

لكن مدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقاً اللواء سمير فرج قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر ملتزمة باتفاقية السلام تماماً، ولم تخرق أي بند بها على عكس إسرائيل ووجودها المخالف على الحدود المصرية، والوجود العسكري المصري في سيناء هو لحماية الأمن القومي المصري وحفظ أمن الحدود وفق ما تكفله اتفاقية السلام والبنود والآليات المستحدثة عليها».

وشدد على أنه «لم يتم تقليل أو تقليص القوات المصرية في سيناء بسبب صفقة الغاز أو غيره، وهذه أقاويل ترددها حكومة نتنياهو لمحاولة خلق شماعات أمام الرأي العام هناك وتصوير نفسها على أنها هي التي تحافظ على أمن إسرائيل وبدونها ستتعرض إسرائيل للانهيار».

وأكد أن «مصر لم تعلن حتى الآن موقفها بشأن مطالب أميركا بعقد اتفاق بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وليس منطقياً أنهم هم من يطلبون اللقاء ثم يقال إن مصر تستجيب لضغوطهم أو مطالبهم، منوهاً بأن «القاهرة كانت تؤمن بأن صفقة الغاز ستتم في نهاية المطاف لأنها تحقق المصلحة لإسرائيل بالقدر نفسه الذي تحققه لمصر، وهي تمت بين شركات وليس بين حكومات».

وأعلن نتنياهو، مساء الأربعاء الماضي، عن المصادقة رسمياً على صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة إجمالية بلغت 112 مليار شيقل (نحو 35 مليار دولار)، قائلاً: «صدقنا مع مصر على أكبر صفقة غاز في تاريخ قطاع الطاقة الإسرائيلي»، مبيناً أن الصفقة «إنجاز كبير لإسرائيل».

وأوضح نتنياهو أن قرار المصادقة على هذه الصفقة المليارية جاء بعد مشاورات مكثفة لضمان تحقيق كافة المصالح الأمنية العليا لإسرائيل، مشدداً في الوقت ذاته على أنه سيمتنع عن ذكر التفاصيل لاعتبارات أمنية ولحساسيتها، مكتفياً بالتأكيد على أنه تمت المصادقة على الصفقة بشكل كامل.


عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
TT

عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)

بعد جولة على عدد من صيدليات الحي الذي تعيش فيه، لم تستطع المصرية الخمسينية ليلى عبد الله، إيجاد أحد أصناف دواء ضغط الدعم، فنصحها أحد أصدقائها بالاتصال بـ«هيئة الدواء» أو الذهاب إلى صيدلية الإسعاف الحكومية بوسط القاهرة، فاضطرت لإرسال أحد أقاربها لإحضار الدواء من هناك.

ومع تكرار شكاوى «نقص» بعض الأدوية أو عدم توافرها بسهولة، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، الاثنين، بياناً ينفي فيه «نقص أدوية البرد والأمراض المزمنة بالأسواق».

وأوضح المركز في بيان صحافي: «بالتواصل مع هيئة الدواء المصرية، أفادت بأن أدوية علاج البرد، والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، فضلاً عن الأدوية المحتوية على مواد وفيتامينات تعمل على تقوية المناعة خلال موسم الإنفلونزا، متوافرة بالأسواق بشكل منتظم وطبيعي، مع تعدد البدائل الدوائية المتاحة من إنتاج أكثر من شركة».

وحسب «المركز الإعلامي»، فإن «هيئة الدواء المصرية تقوم بمتابعة دورية ومستمرة لموقف توافر الأدوية الحيوية، وتتخذ إجراءات فورية للتعامل مع أي شكاوى تتعلق بنقص الأدوية»، موضحاً أنه «في حال مواجهة أي صعوبة في الحصول على أي دواء حيوي، يمكن للمواطنين التواصل مع الخط الساخن لهيئة الدواء للإبلاغ عن نقص الأدوية».

وشهدت مصر العام الماضي أزمة في توافر بعض الأصناف، وأقر رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بـ«وجود نقص في 580 دواء بالسوق المصرية»، مشيراً خلال زيارته مجموعة من مصانع الأدوية حينها إلى «العمل على توفير نحو 470 دواء منها». وبالفعل بدأت الأزمة في الخفوت مع بداية العام الحالي.

المصرية ليلى عبد الله، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «رغم تحسن الوضع وقلة حدة الأزمة، فإن أصنافاً من الأدوية ما زالت غير متوافرة بسهولة».

الأمر ذاته يقره الموظف الأربعيني طارق إبراهيم، الذي يعيش في حي السيدة زينب بالقاهرة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع أفضل كثيراً عما كان عليه قبل عامين، لكن توجد أصناف نجدها بصعوبة، حتى البدائل غير متوافرة».

عودة شكاوى نقص الأدوية في مصر (وزارة الصحة)

ويرى المدير التنفيذي لـ«جمعية الحق في الدواء» (جمعية أهلية)، محمود فؤاد، أن «نقص الأدوية لم يعد بالحدة التي كان عليها من قبل، لكنه أيضا ما زال موجوداً».

ويقول فؤاد لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة تمكنت من حل جانب كبير من المشكلة، ونجحت في توفير أدوية الأمراض المزمنة، لكن هذه الأدوية يتم توفيرها فقط من خلال صيدليات (الإسعاف) المملوكة للدولة، وعددها 24 صيدلية فقط في كل المحافظات، وما زال كثير من الأصناف غير متوافر».

وحسب فؤاد، فإنه «رغم استقرار سعر الدولار (يعادل 47.5 جنيه) فإن شركات الأدوية أعربت عن رغبتها أكثر من مرة في زيادة الأسعار، وهو ما رفضته هيئة الدواء المسؤولة عن التسعير، على أساس أن تكلفة الإنتاج لم تتغير».

من جهتها، ترى عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب (البرلمان)، الدكتورة إيرين سعيد، أن «النقص يعود إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الدواء لأسباب أخرى، غير سعر الدولار، منها ارتفاع أسعار الخدمات والمرافق، مثل البنزين والوقود والكهرباء، وزيادة الحد الأدنى للأجور».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «زيادة تكلفة الإنتاج خفض هامش ربح الشركات، لذلك تطالب برفع الأسعار، وعندما لا تستجيب هيئة الدواء تقوم بعض الشركات بإيقاف بعض خطوط الإنتاج؛ لأن هامش الربح أصبح أقل».

وفي رأيها: «يجب على الحكومة أن تعيد الاهتمام بشركات قطاع الأعمال التي تعمل في صناعة الدواء؛ لضمان عدم تأثر الأسواق، خصوصاً بالنسبة للأدوية الاستراتيجية».

اجتماع وزير الصحة خالد عبد الغفار لبحث متطلبات تطوير صناعة الدواء (وزارة الصحة المصرية)

وتزامن الحديث عن «نقص» بعض أصناف الأدوية مع تحركات حكومية مكثفة لضمان توافر الأصناف كافة، وعقد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبد الغفار، اجتماعاً، الاثنين، مع ممثلي قطاعات وهيئات الدولة المعنية، لبحث سبل دعم شركات التصنيع الدوائي وتمكينها، وإعداد ورقة عمل متكاملة لتعزيز الإنتاج المحلي، وتوطين صناعة المركبات الحيوية والبيولوجية.

وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور حسام عبد الغفار، في إفادة رسمية، الاثنين، أن الاجتماع ركز على إعداد ورقة عمل تضم المتطلبات الفعلية لتطوير الصناعات الدوائية وقابليتها للتنفيذ على أرض الواقع، مع التركيز على تمكين الشركات المصنعة، وتحفيز الاستثمار المحلي، وطرح حزم استثمارية جديدة في مجالات الأدوية واللقاحات والصناعات الحيوية، كما تناول آليات «الاستفادة من الحوافز الاستثمارية لدعم صناعة الدواء، وبحث الإجراءات التي يمكن أن تقدمها الدولة لتشجيع الاستثمارات، وتعزيز كفاءة الشركات المصنعة وزيادة قدرتها التنافسية».

ويوجد في مصر 172 مصنعاً للدواء، منها 15 مصنعاً دخلت الخدمة آخر 3 سنوات، بالإضافة إلى 120 مصنعاً لمستحضرات التجميل، و116 مصنعاً للمستلزمات والأجهزة الطبية، و4 مصانع لإنتاج المواد الخام والمستحضرات الحيوية التي تدخل في صناعة الدواء، وفق تصريحات لرئيس الحكومة المصرية العام الماضي.


«تفاهمات» جديدة لـ«إعمار غزة» أمام الوسطاء

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«تفاهمات» جديدة لـ«إعمار غزة» أمام الوسطاء

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)

بدأ وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مناقشات دراسة أولية بشأن إعادة الإعمار في القطاع، في أعقاب تأخر عقد مؤتمر القاهرة بشأن التعافي المبكر، وتسريبات أميركية وإسرائيلية تتناول مشاريع إعمار تثير مخاوف بشأن تهجير الفلسطينيين وتقسيم القطاع.

تلك الدراسة التي ناقشها الوسطاء في اجتماع ميامي، وكشفت عنها أنقرة، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تفتح مسار تفاهمات جديدة بين الإعمار الشامل الذي تريده مصر والعرب وتركيا، مقابل خطط الإعمار الجزئي المطروح إسرائيلياً أو برؤية واشنطن، مشيرين إلى أنه ما دامت المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار لم تدخل فهذه المناقشات «هروب للأمام، وتأجيل للحلول، وبحث عن تفاهمات لسد الفجوات وإنهاء تجميد هذا المسار الحيوي للفلسطينيين».

وغداة اجتماع الوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت: «إن هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها، ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفق ما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية.

ولم يقدم فيدان تفاصيل بشأن تلك الدراسة الأولية، وهل هي متفقة مع ما هو مطروح عربياً أو إسرائيلياً أو أميركياً، وتمسك بأهمية أن يدار القطاع من قبل أبنائه، مؤكداً رفض أي مخططات لتقسيم أراضي غزة.

شاحنات مساعدات مصرية في طريقها إلى قطاع غزة ضمن قوافل «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» (مؤسسة مصر الخير)

وسبق حديث فيدان بيوم، تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترمب ومبعوثه ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة بدأ من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

وجاءت هذه التسريبات بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة، وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، بعد طلب من الولايات المتحدة، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسين هريدي أن هذا الحديث عن دراسة أولية، غير معروفة تفاصيلها هل عربية أو أميركية، يأتي في ظل طرح أميركي بخطة للإعمار، وكذلك إسرائيل بحديث عن إعمار جزئي في منطقة سيطرتها بالخط الأصفر بالقطاع، مشيراً إلى أن أي حديث عن بدء الإعمار دون الدخول للمرحلة الثانية محاولة للهروب للأمام لا سيما من واشنطن، ولا يعني حالياً سوى البحث عن تفاهمات جديدة، والأقرب تنفيذ أو فرض الخطة الأميركية بضمانات.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن مصر وقطر وتركيا لن تقبل أي خطط تهدد خطة الإعمار الشامل، والقاهرة أعلنت أكثر من مرة أهمية بدء الإعمار ومساعيها المتواصلة لعقد مؤتمر للإعمار سيكون بشراكة مع واشنطن، مشيراً إلى أن أي دراسة بشأن الإعمار يجب أن تتوافق مع يطلبه الفلسطينيون، وليس كما ترغب واشنطن في خطط شروق الشمس أو إسرائيل بالإعمار الجزئي في مناطق سيطرتها التي تصل لنحو 52 في المائة بالقطاع متذرعة بعدم نزع سلاح «حماس».

تلك الدراسة التي طُرحت في اجتماع ميامي، ولم تُكشف تفاصيلها كاملة بعد، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «التشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار»، الذي يأمل «التوافق على توقيته في أسرع وقت ممكن بالتعاون مع الشركاء».

وبعد ذلك، قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار شامل وليس جزئياً».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت القاهرة ستنظمه في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أُجِّل دون ذكر السبب، بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرى هريدي أن جهود مصر ستتواصل مع الوسطاء لوضع الإعمار موضع التنفيذ، لكن سيبقى دخول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار هو المعيار لتحديد ماذا سيحدث، وهل حدثت تفاهمات أو ستفرض خططاً معنية وتُرفض عربياً أو ماذا؟

بينما شدد الرقب أن أي حسم لأي خطة ستنفَّذ أميركية أم عربية يتوقف أولاً وقبل أي شيء على بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة، ونشر قوات الاستقرار، وبدء انسحاب إسرائيل، وإلا فما يحدث هو كسب للوقت وتأخر لأي مشاريع إعمار حقيقية تطرحها الخطة العربية بقيادة مصر.