أعاد مضي عام على انتفاضة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح في وجه حلفائه الحوثيين وانتهائها بمقتله، الجدل في الأوساط اليمنية حول مدى تأثير تلك الانتفاضة في كسر شوكة الميليشيات الحوثية والتأسيس لمرحلة تالية من مراحل المواجهة مع الجماعة الموالية لإيران عبر تعضيد الصف الوطني بأتباع صالح، وفي مقدمهم آلاف المقاتلين الذين باتوا اليوم بقيادة نجل شقيقه طارق صالح على مرمى حجر من ميناء الحديدة.
واعتبر محللون أن أهداف الانتفاضة لم تكتمل، رغم أنها كشفت الحوثيين. وفي المقابل يرى كثير من خصوم صالح أنه أدخل اليمن في ورطة كبيرة لا تزال تداعياتها مستمرة إلى اليوم لجهة تحالفه مع الميليشيات الحوثية في مواجهة الشرعية وتمكين الجماعة - ولو عبر غض الطرف - من التغلغل في مفاصل المؤسسات والسيطرة على المعسكرات والأسلحة، بينما يرى المتشيعون له أنه استطاع التكفير عن كل ذلك بالانتفاض ضد الجماعة حتى سقوطه قتيلا داخل منزله بعد أن خانه كثير من قادة حزبه وشيوخ القبائل الذين كان يراهن عليهم لنجدته.
ومن زاوية أخرى، يعتقد كثير من المراقبين للشأن اليمني أن مقتل صالح بقدر ما تسبب في شرخ التحالف بين حزبه وبين الجماعة الانقلابية وساعد في تقوية جبهة الشرعية والتحالف الداعم لها، فإنه في المقابل أتاح للميليشيات السيطرة المطلقة على كل مفاصل الحكم في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لها، كما أتاح لها إطلاق يدها في «حوثنة» المجتمع ومحاولة السطو على إرث صالح السياسي والعسكري والحزبي.
وفي هذا السياق، يرى وكيل وزارة الإعلام اليمنية نجيب غلاب ورئيس مركز الجزيرة للدراسات في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن انتفاضة صالح في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) «نقلة فارقة في الصراع، إذ تمكن صالح من تفجير التحالف الحوثي مع المؤتمر، ورغم أن تركيبة القوة أصبحت في الظاهر في كفة الحوثيين فإن مآلات الانتفاضة - على حد قوله - وضعت الحوثية أمام مخاطر لا يمكن تجاوزها مستقبلاً». وفي اعتقاد غلاب، أن الانتفاضة شكلت أهم «متحول جذري في مواجهة الحوثية لأنها انطلقت من أعماق سيطرتها وكسرت سياسات الاحتواء التي اتبعتها لتمرير مشروعها ووضعت أمامها موجات الغضب الشعبي في مناطق سيطرتها، وأرسلت رسالة واضحة لكل المواطنين بأن الحوثية هي العدوان وأنها استعمار داخلي ملعون».
ولم تهتم انتفاضة صالح - كما يقول غلاب - بالتضحيات، إذ «قدمت شهداء في مقدمتهم الرئيس صالح وأمين حزب المؤتمر عارف الزوكا، وكانت الرسالة أيضا واضحة، فقائدها قدّم ماله ونفسه وأهله من أجل أهدافها ولم يتوارَ، وقال للشعب بوضوح إنه القدوة فلا تخافوا من شيء وكل شيء بقضاء وقدر».
وبحسب تقدير الباحث السياسي غلاب، «فإن اليمنيين اليوم باتوا أكثر تحفزاً ورغبة، والمقاومة تتنامى يومياً في مناطق سيطرة الحوثي وبتلقائية ترعب الحوثية». ويضيف بالقول: «بعد الثاني من ديسمبر وجدنا إنجازات مهمة على مستوى الميدان، فقد تشكلت قوى جديدة. منها مَن التحق في جبهات الشرعية في مأرب وغيرها، ومنها من شكّل جبهة مستقلة ملتزمة بالشرعية في الساحل الغربي، وما أنجز هناك شكّل تحولاً استراتيجياً».
ويرى غلاب أن «جبهة الانقسام تفجرت من داخلها وأصبح الحوثي وحيداً أمام أطراف الحركة الوطنية كما أن الفشل الحوثي بات يتراكم يومياً بعد أن خسر أهم حليف»، مشيراً إلى أن الإعلام الذي تشكّل من رحم هذه الانتفاضة «أصبح نقطة ارتكاز احتراق مناطق سيطرة الحوثية وقوة غاضبة لا تلين ولا تهجع في مواجهة الحوثية»
وأهم التحولات - من وجهة نظر غلاب - هي «أن الكتلة الشعبية التي كانت موالية لصالح أصبحت بركاناً من غضب ينتظر الانفجار، وسيكون عاصفة من جحيم في مطاردة الحوثية، إذ إن المسألة مسألة وقت». ويضيف: «ومن يتابع مناطق سيطرة الحوثية فسيجد أن المقاومة لم تعد مرتبطة بنخبة، وإنما هي حراك تلقائي متحد لقهر الحوثية وقمعها ويواجه بصرامة». وعلى رغم أن هذه المقاومة غير منظمة - كما يؤكد غلاب - فإن هذا برأيه هو مصدر قوتها الذي ترى فيه الحوثية أخطر ما يهدد وجودها، كون المتحركين في مواجهتها أناساً عاديين تخلقوا من روح المعاناة، لديهم قناعة بأهمية التضحية لإنهاء مشروع الكهنوت وقهره للشعب.
من جهته، يرى القيادي والناشط البارز في حزب «المؤتمر الشعبي» كامل الخوداني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثي وإن انفرد بالسلطة والحكم الانقلابي في صنعاء، لكنه «لم يستطع ولن يستطع الانفراد بجعل سكانها أتباعاً له، إذ إن كل يوم يمر تزداد حالة الرفض الشعبي لسلطته، ما جعله يحول صنعاء إلى سجن، وفق شهادات المقبلين منها وما يكتبه الناشطون والصحافيون المحاصرون فيها والذين لم تطلهم حتى الآن أيادي الجماعة للزج بهم في السجون».
ويؤكد الخوداني ذات الفكرة السابقة، بقوله: «الحوثي ورث المباني الحكومية، بقوة السلاح والترهيب، لكنه لم يستطع أن يرث الشارع والمواطن اليمني وتأييده أو تقبله، والذي يعاني أشد المعاناة من سلطة الحوثي، التي حرمته الحياة الكريمة وسلبته حقوقه وحريته».
ويتابع الخوداني بالقول: «ربما فشلت انتفاضة ديسمبر في تحقيق كامل أهدافها، لكنها استطاعت سلخ الحوثي من المجتمع؛ ليصبح جماعة منبوذة يترقب الجميع لحظة سقوطها بفارغ الصبر». وهذا الانتظار - بحسب قوله - «لن يدوم طويلاً، فها هو الحوثي يخسر كل يوم منطقة وكل منطقة يخسرها يستحيل عليه استعادتها، حتى الحصول فيها على أي وجود شعبي، فما إن تسقط منطقة حتى يتسابق الجميع للتبرؤ منه، ومن ناصره يتقدم الصفوف لإعلان ندمه».
ويرجح الخوداني أن صنعاء «على موعد قريب بانتفاضة مكملة لانتفاضة ديسمبر الماضي، وهذه المرة دون أخطاء، وما إن تنطلق شرارتها لن يستطيع الحوثي إطفاءها أو السيطرة عليها، بعد أن بلغت جرائمه منذ تفرده بالسلطة مبلغاً لا يستطيع المواطن اليمني احتماله أكثر».
أما القيادي في حزب «المؤتمر الشعبي» الدكتور عادل الشجاع فيرى أن هذه الانتفاضة امتداد لثورة ٢٦ سبتمبر (أيلول) التي قامت ضد الحكم الإمامي في 1962، لذلك فهي - وفق تعبيره - مستمرة ولن تنطفئ».
ويجزم الشجاع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، «أن ما يقوم به الحوثي هو الضعف بذاته، وليس القوة، إذ إنه عبر التاريخ كان الضعفاء وغير القادرين على المحاججة هم الذين لجأوا للقتل والتصفية، كما كان حال فرعون مع موسى حينما اتهمه بأنه يفسد في الأرض ويريد تغيير دين قومه».
ويؤكد «أن الحوثي ورث كراهية الناس والشعور بالغربة عنهم، وهو يحاول تعويض ذلك باستخدام القوة المفرطة»، مشيراً إلى أن انتفاضة ديسمبر التي قادها صالح ما زالت «تتفاعل لتكنس الحوثية إلى مزبلة التاريخ»، بحسب تعبيره.
وعلى نفس المنوال، يرى الباحث والكاتب اليمني ثابت الأحمدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه «مهما كان إخفاق 2 ديسمبر فإنها ستظل حدثاً يمانياً كبيراً، لن ينساه اليمنيون، خاصة إذا ما وجد هذا اليوم الحامل الرئيس له، الذي يجعل منه يوماً وطنياً ضد طغيان الكيان الإمامي الغاصب». ويعترف الأحمدي، أنه «حصلت حالة التفاف عاجلة وقوية من قبل الحوثيين، هي إلى الافتراس أقرب منه إلى الاحتراب؛ لأنه لو طال بهم المدى أسبوعاً واحداً بعد آخر خطاب لصالح لما بقي منهم أحد، وربما تمت ملاحقتهم إلى عقر دارهم»، بحسب قوله.
ويجزم الأحمدي أن الحوثي «استطاع ترويض أتباع صالح وطيهم تحت إبطه، عدا القليل الذين استطاعوا مغادرة الوطن وإعلان موقف، أما من تبقى في الداخل، وخاصة من قيادات الصف الأول، فلم يجرؤوا - كما يقول الأحمدي - على اتخاذ أي موقف، ولن يستطيعوا». ويستشهد الأحمدي على صحة ما ذهب إليه بأن «أغلب المحتفين بذكرى انتفاضة صالح هم جميعاً من النازحين خارج الوطن في العواصم العربية وغير العربية» قبل أن يعود للتأكيد بأن هذه الانتفاضة، وإن كانت في الوقت الضائع فإنها - بحسب رأيه - «تعد تكفيراً عن أكبر ذنب وجناية اقترفها صالح بحق الوطن وهي تحالفه مع الحوثي، فكان أن دفع رأسه ثمناً لهذا التحالف الخاطئ. وهو ذات الموقف الذي ستتخذه هذه الجماعة تجاه كل مناوئ أو معارض لها».
وكانت الجماعة الحوثية تعرضت لهزة كبيرة أوشكت أن تسقطها بعد انتفاضة صالح وخطابه الأخير الذي دعا فيه إلى فض التحالف مع الجماعة وحمل السلاح لمواجهتها، غير أنها استعادت توازنها واستفاقت من الصدمة سريعاً قبل أن تتمكن في 4 ديسمبر الماضي من تصفيته مع عدد من قيادات حزبه وحراسه ثم التنكيل بأقاربه وأتباعه والسيطرة على ممتلكاته وممتلكات حزبه.
جدل يمني في ذكرى انتفاضة صالح ضد الميليشيات الحوثية
جدل يمني في ذكرى انتفاضة صالح ضد الميليشيات الحوثية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة