مَن قصد عون بتحميله «أمّ الصبي» مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة؟

السياسيون اللبنانيون غارقون في تفسير موقف رئيس الجمهورية

الرئيس ميشال عون خلال استقباله أحد الوفود في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون خلال استقباله أحد الوفود في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
TT

مَن قصد عون بتحميله «أمّ الصبي» مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة؟

الرئيس ميشال عون خلال استقباله أحد الوفود في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون خلال استقباله أحد الوفود في قصر بعبدا أمس (دالاتي ونهرا)

دخلت تسميات جديدة إلى القاموس السياسي اللبناني على خلفية أزمة تشكيل الحكومة المستمرة منذ 7 أشهر، والتي تفاقمت بعد عقدة النواب السنة المحسوبين على «حزب الله» والمصرّين على توزير أحدهم بدعم من الحزب وتحت تسمية «اللقاء التشاوري». وبعد اعتماد لقب «بيّ (أب) الكل» لرئيس الجمهورية ميشال عون، أصبحت تسمية «أمّ الصبي» لغزاً دفع عون إلى السؤال: «من هي أم لبنان لكي نعطيها لبنان». واستعان بحكاية تروى عن سليمان الحكيم ليواجه «الأزمة الحكومية التي باتت كبيرة جراء مخاطر تفرد كل فريق بالسلطة»...
تقول الحكاية إن «امرأتين قصدتا سليمان الحكيم ومعهما طفل تدّعي كل منهما أنها أمه. فقال لهما إنه سيحكم بالعدل بينهما بأن يتم تقطيع الطفل إلى قطعتين ويعطي كل واحدة قطعة. فصرخت إحداهما: لا تقتله؛ بل أعطه كله إلى الأخرى، فعرف سليمان عندها أنها هي الأم الحقيقية، وأعطاها الولد».
وبعد سؤال عون، غرّد عضو «اللقاء التشاوري» النائب فيصل كرامي عبر حسابه الخاص على «تويتر» قائلاً: «البحث جارٍ عن أم الصبي... وأيضاً عن سليمان الحكيم!».
وقال البطريرك الماروني بشارة الراعي: «حتى اليوم لم نجد من هي أم الصبي في لبنان. وأنا أرى أن لا أحد على استعداد للتضحية ليكون أم الصبي».
من جهته، أشار عضو تكتل «لبنان القوي» النائب فريد البستاني إلى أن «الأنظار شاخصة إلى الرئيس عون وحركته السياسية الهادفة إلى إنقاذ الوطن من محنته. ونحن على ثقة بأن الرئيس وحده أم الصبي وليس هذا أو ذاك».
وفي حين كانت الأجواء تشير إلى تحييد عون نفسه عن حل الأزمة، أعطت عودة وزير الخارجية جبران باسيل إلى استئناف مسعاه لحل أزمة تشكيل الحكومة إشارات باحتمال توزير أحد النواب السنة من حصة رئيس الجمهورية.
وبانتظار التطورات، يعلق المحلل السياسي راشد فايد على هذه التسميات وترجمتها في الأزمة الراهنة، فيقول إن ستالين هو أول من لقب نفسه بـ«أبو الأمة وأبو الشعب وأبو الأمم». وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» عدّ فايد أن «التسميات الحالية تنم عن عدم الالتزام بالدستور وآليات العمل السياسي، وتشبه بدعة الديمقراطية التوافقية، والهدف منها إيجاد مخارج لفظية لمواجهة انفجار الأزمات. فالأمومة والأبوة يحتاجان إلى إثبات عملي، وهما حالة دائمة وليست عابرة».
ويعد فايد أن الرئيس سعد الحريري هو أكثر من طبق مقولة «أم الصبي»، ويقول إن «التضحية التي دأب الحريري عليها لتسيير الحياة السياسية اللبنانية جاءت بسبب زعزعة التوازن الديمقراطي وغلبة السلاح من خارج المؤسسات، ولو كان يملك مثل هذا السلاح، لأحدث توازن رعب فرض على الآخرين التقيد بالدستور».
ويستبعد فايد أن يتراجع الحريري عن رفضه توزير «سُنّة 8 آذار» أو أن يعتذر عن عدم التشكيل في المرحلة الراهنة؛ «فلا شيء يشير إلى ذلك». ويعد أن تشكيل الحكومة ليس رهناً بعملية سياسية داخلية، لكن بما يجري في المنطقة؛ و«(حزب الله) يتصرف انطلاقاً من كونه ممثلاً لمشروع إقليمي خارجي. ولا حل ما دامت إيران تعدّ تشكيل الحكومة في لبنان ورقة تفاوض لا تختلف عن ورقة الرهائن الأجانب المخطوفين في ثمانينات القرن الماضي، واليوم إيران تخطف لبنان وتساوم على تشكيل حكومته، وتريد إرغام الحريري على البقاء كأم الصبي حاضراً للمزيد من التنازلات».
أما الأمين العام لحزب الوطنيين الأحرار الدكتور إلياس أبو عاصي فيرى أن «التسميات المتداولة هي فلكلور لا معنى له، ولا يؤدي إلى أي تقدم على صعيد تشكيل الحكومة. وكلنا نعرف تداعيات ذلك على الوضع الاقتصادي والاجتماعي». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لو أن (حزب الله) أعطى الرئيس الحريري أسماء وزرائه لكانت الحكومة تشكلت». وأشار إلى أن «الحريري أثبت فعلاً أنه أم الصبي، في حين تؤكد التجارب التي شهدناها أن البعض يتصرف وفق مبدأ: (أنا أو لا أحد)، ثم يؤكد أنه (بيّ الكل). وما يحصل لا يؤدي إلا إلى شرذمة الحكومة إذا تشكلت كما يريد (حزب الله)، ما يدل على أننا لا نزال في منتصف نفق التشكيل لاعتبارات إيرانية».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».