«الاستراتيجية الدفاعية» تنتظر الدعوة لمناقشتها... و«حزب الله» غير متحمس

روكز أكد لـ «الشرق الأوسط» ضرورة مقاربة الموضوع {بعيداً عن البازار السياسي}

TT

«الاستراتيجية الدفاعية» تنتظر الدعوة لمناقشتها... و«حزب الله» غير متحمس

يعود ملف «الاستراتيجية الدفاعية»، الذي يلحظ ضمناً مصير سلاح «حزب الله»، ليوضع على الطاولة، خصوصاً أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان قد وعد في شهر مارس (آذار) الماضي بأن يتم البحث به مجدداً بين القيادات اللبنانية بعد الانتخابات النيابية التي جرت قبل نحو 6 أشهر. وقد أعدت معظم القوى السياسية على ما يبدو أوراقها وطروحاتها، وإن كان «حزب الله» لا يبدي الكثير من المرونة والحماسة للعودة إلى الحوار، ويصر على الفصل بين النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية والبحث بمصير سلاحه الذي يرفض الخوض فيه.
وفيما يرى خبراء عسكريون أن الظروف، سواءً الداخلية اللبنانية أو الإقليمية وحتى الدولية، قد لا تكون مواتية في هذه المرحلة لوضع هذا الملف مجدداً على الطاولة، ويرون أن الوصول إلى نتائج بات أصعب من أي وقت مضى، خصوصاً بعد تحول «الحزب» إلى قوة عسكرية إقليمية، بالتحديد بعد مشاركته بالحرب السورية، يعتبر تكتل «لبنان القوي» في البرلمان، كما «القوات اللبنانية»، أن الظرف دائماً ملائم لمقاربة هذا الملف، وهو ما عبر عنه عضو التكتل النائب شامل روكز الذي يرأس لجنة الاستراتيجية الدفاعية ومحاربة الإرهاب في «لبنان القوي» (المحسوب على «التيار الوطني الحر»)، مشدداً على أنه بقدر ما هو مهم أن يستقل بلد ما، بقدر ما هو مهم أن يحافظ على استقلاله من النواحي كافة، خصوصاً عسكرياً.
وأشار روكز في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى وجوب أن تكون هناك حكومة فاعلة لمواكبة ملف الاستراتيجية الدفاعية للوصول إلى اعتماد آلية صحيحة، موضحاً أن أي بحث يجب أن يبدأ بتحديد المخاطر ومن ثم القدرات المتوفرة لمواجهة هذه الأخطار. وقال: «هناك خطران أساسيان يتربصان بنا حالياً هما العدو الإسرائيلي والإرهاب، من هنا أهمية أن تُحدد لكل خطر مستلزمات التصدي له». وشدد روكز على أن هذا الملف حساس جداً، ويتطلب إجماعاً وطنياً ووحدة صف، لافتاً إلى أن لتكتل «لبنان القوي» خطة لكيفية مقاربة الملف تحتاج لمزيد من النقاش، وأن «الأهم أن يُبحث بمسؤولية وبعيداً عن البازار السياسي».
وتوقف البحث بـ«الاستراتيجية الدفاعية» مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في العام 2014، بعدما كان يتم من خلال طاولة حوار تضم الأقطاب اللبنانيين. لكن هؤلاء لم يتمكنوا وعلى مر أكثر من 8 سنوات من التوصل إلى أي اتفاق بخصوص مصير سلاح «حزب الله»، علماً بأنهم تفاهموا في العام 2012 على عدد من البنود بإطار ما عُرف بـ«إعلان بعبدا».
ونص البند الثاني عشر في الإعلان على «تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية». ومع قرار «حزب الله» إرسال عناصره للقتال في سوريا، تنصل «الحزب» من «إعلان بعبدا»، وقال رئيس كتلة «الحزب» النيابية محمد رعد، إن «إعلان بعبدا»، «ولد ميتاً ولم يبق منه إلا الحبر على الورق».
كما قدّم سليمان في سبتمبر (أيلول) 2012 تصوره حول الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان، ونص على وجوب «التوافق على الأطر والآليات المناسبة لاستعمال سلاح المقاومة ولتحقيق أمرته ولإقرار وضعه بتصرف الجيش، المولج حصراً باستعمال عناصر القوة، وذلك لدعمه في تنفيذ خططه العسكرية، مع التأكيد على أن عمل المقاومة لا يبدأ إلا بعد الاحتلال». وقد ناقش أقطاب الحوار هذه الاستراتيجية من دون التوصل إلى نتيجة.
ويرى النائب في حزب «القوات اللبنانية»، العميد المتقاعد وهبة قاطيشا، أنه منذ اليوم الأول لوصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة بات الظرف مناسباً للعودة للبحث بالاستراتيجية الدفاعية، معتبراً أن هذا الملف غير مرتبط بوجود حكومة أو عدمه، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن أن ينطلق النقاش الوطني بهذا الخصوص فوراً، وإن لم يكن على مستوى الأقطاب ونحن كـ(قوات) لدينا تصور واضح، ولا شك أن بعض القوى بدلت رأيها منذ العام 2006، كما أن الظروف تبدلت». ويرفض قاطيشا اعتبار أن تحول «حزب الله» إلى قوة عسكرية إقليمية من شأنه أن يجعل البحث بمصير سلاحه أمراً صعباً، معتبراً أن «فائض السلاح لا يمكن له أن يستخدمه في الداخل اللبناني للسيطرة على البلد لأنه يُدرك أن ذلك مستحيل». ويضيف: «أما طرح دمج (حزب الله) في الجيش فغير ممكن وغير مقبول، فكيف نُدخل ميليشيا إلى الجيش؟ هو بالنهاية سيسلم سلاحه إلى إيران أو إلى الدولة اللبنانية».
وكما هو متوقع، لا يبدو «حزب الله» متحمساً فعلاً لإعادة البحث بالاستراتيجية الدفاعية، وهو ما عبر عنه رئيس كتلته النيابية محمد رعد بشكل غير مباشر رداً على إعلان الرئيس عون نيته طرح الموضوع على طاولة البحث بعد الانتخابات. إذ قال رعد بحينها إن «المقاومة التي تمثل ركناً أساسياً في معادلة القوة والدفاع عن هذا الوطن، وقدمت الكثير والعتاد والتخطيط والإرادة، هذه المقاومة التي يحتضنها شعبنا الوطني والمعطاء، لا تحتاج إلى نصوص وتبقى حاجة طالما هناك عدو إسرائيلي وتهديدات إرهابية لوجودنا وهويتنا».
وأشارت مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» إلى أن قيادته «لا تمانع الجلوس مجدداً على طاولة الحوار، إلا أنها مقتنعة بأن الظروف ليست مناسبة على الإطلاق للوصول إلى حلول واتخاذ قرارات كبيرة في هذا المجال، إلا إذا كانت تعطي مزيداً من الشرعية لوجود المقاومة»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه خلافَ ذلك «فأي بحث ونقاش سيبقى عقيماً ومن دون نتائج، تماماً كما كان عليه المشهد منذ العام 2006».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.